مروان أنعم / لا ميديا -

يقول السيناتور الأمريكي والرئيس السابق للـ»سي آي إيه» بورتر روس: «نستطيع من خلال شبكة المنظمات التي تدعمها الحكومة الأمريكية، الحصول على معلومات لايمكن لأجهزة المخابرات الوصول إليها».
في ثمانينيات القرن المنصرم، وعقب انفضاح عدد كبير من أنشطة الـ»سي آي إيه»، تم إنشاء لجنة متخصصة للإشراف على عمل الاستخبارات، 
رسمت توجهاً جديداً للعمل تحت غطاء المنظمات غير الحكومية التي ترفع الشعارات الديموقراطية في مختلف أنحاء المعمورة، حيث إن تلك المنظمات الممولة مباشرة من البنتاغون أو من وزارة الخارجية وبقية المؤسسات الأمريكية، شكلت أحد أهم المصادر للمعلومات بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، وغالباً ما يتم إرسال المعلومات التي تحصل عليها تلك المنظمات بشكل مباشر إلى قيادة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لتحليلها وتحديد مدى أهميتها.

الـ(USAID) ذراع واشنطن المخابراتية
تعمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) تحت عناوين براقة وفضفاضة في مختلف الدول، ولديها العديد من الأنشطة التي تستخدمها كغطاء لممارسة مهامها الاستخباراتية، خصوصاً في الدول النامية، من أجل تغيير الحكومات التي تناهض السياسة الأمريكية أو تختلف معها. وهي تعرف نفسها بأنها الوكالة الدولية الأولى للتنمية في العالم، وهدفها الذي تنطلق منه هو تعزيز الأمن القومي الأمريكي والازدهار الاقتصادي.
تأسست الوكالة في عهد الرئيس جون كينيدي، الذي كان يرى أن أفضل أداة لتطويع الحلفاء في السياسة الخارجية هي المساعدات الاقتصادية. وكان يعمل على تثبيت حكم حلفائه في منطقة الشرق الأوسط تحديداً عبر هذه المساعدات وإقرار برامج للإصلاحات، وهذا ما قام به في إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي عام 1963.
ولمعرفة كيف تعمل الوكالة في تعزيز الأمن القومي الأمريكي، وتغيير سياسات الدول المناهضة وتثبيت سلطة الدول الحليفة لواشنطن، يكفي أن نعرف أنها على الرغم من كونها إحدى وكالات الحكومة الأمريكية المستقلة من الناحية الفنية، إلا أنها تخضع لتوجيهات السياسة الخارجية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ووزير خارجيته ومجلس الأمن القومي، ويعمل مديرها ضمن توجيهات السياسة الخارجية وصلاحيات وزير الخارجية.

أداة للضغط السياسي
لا يخفى على أحد أن أمريكا دولة الابتزاز والاستغلال الأولى في العالم، وهي بذلك تستخدم المساعدات الخارجية لتركيع الدول وفرض الوصاية عليها.
في العام 1990 صوت مندوب الجمهورية اليمنية في الأمم المتحدة، عبدالله الأشطل، ضد تشكيل ائتلاف تقوده الولايات المتحدة لاستخدام القوة ضد العراق. لم يرق ذلك التصويت للمندوب الأمريكي توماس بيكيرينغ، فقام من مقعده وذهب إلى مقعد المندوب اليمني وأخبره أن تلك كانت أغلى «لا، تصويت»، بعد ذلك مباشرة توقفت العمليات والتمويل الذي تقدمه (USAID) لليمن.

تسليح الجماعات الإرهابية في اليمن
للولايات المتحدة الأمريكية دور كبير في تسليح وتدريب وتمويل الجماعات الإرهابية في العالم، وقد لعبت المنظمات الممولة أمريكيا دوراً كبيراً في عملية جمع المعلومات والبيانات والإحصاءات، وإرسالها إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والجديد في موضوع دور المنظمات الاستخباراتي أن تكون لها يد طولى في إرسال الأسلحة إلى الجماعات والمنظمات الإرهابية، وأن تحمل تلك الأسلحة شعارات للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ففي السابع من يوليو الجاري كشف الناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، عبر مقاطع فيديو، عن شحنة من الأسلحة والذخائر التي تحمل شعارات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
وقال العميد سريع: «إن هذه المشاهد ليست لليمنيين فقط، بل لكل أبناء الأمة ولكل الأحرار في هذا العالم، ليعرفوا حقيقة الدور الأمريكي».
وأضاف: «هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكتف بدعمها العسكري واللوجستي والاستخباراتي لتحالف العدوان في حربه وعدوانه على اليمن، بل جعلت حتى منظمات تدعي أنها تعمل من أجل التنمية ومن أجل المساعدات الإنسانية، تستخدم التمويلات الممنوحة لها في تنفيذ أنشطة عسكرية كالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية».
واحتوت الكمية المضبوطة من الأسلحة على قذائف مدفع هاوزر عيار 105 وقذائف مدفعية عيار 57، بالإضافة إلى أسلحة أخرى.
ولم تكن تلك المرة الأولى، فقد سبق أن عثرت القوات المسلحة اليمنية على أسلحة في مناطق عديدة من جبهات القتال في اليمن، تحمل شعار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. 

تاريخ فاضح من التدخل في شؤون الدول
في بوليفيا أعلن الرئيس إيفو موراليس عن طرد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من بلاده، متهماً إياها بالتآمر والتدخل في الشؤون البوليفية الداخلية. وقال في خطابه أمام آلاف المواطنين في العاصمة البوليفية لاباز، يوم 1 مايو 2013، بمناسبة عيد العمال: «قررنا طرد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من بوليفيا».
وشدد موراليس على أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي جاءت إلى البلاد عام 1964، تنفذ أهدافاً سياسية، لا اقتصادية، وقال إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومؤسسات أخرى «مرتبطة بالسفارة الأمريكية في لاباز تتآمر على الشعب والحكومة الوطنية».
وأردف قائلا: «بعد الآن لن تكون لدينا (USAID) التي تستغل إخواننا ورفاقنا من الكوادر الأساسية عن طريق إعطائهم صدقة». وسبق أن طرد موراليس عام 2008 السفير الأمريكي والممثلين عن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية من بوليفيا.
وفي السياق ذاته، وجهت روسيا صفعة قوية للولايات المتحدة بالكشف عن دور مشبوه لعبته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) باستخدام أموال «في محاولة للتأثير على العملية السياسية بما في ذلك الانتخابات على مختلف المستويات، ومؤسسات المجتمع المدني»، وبناء عليه قررت السلطات الروسية منع أنشطة الوكالة في روسيا منذ العام 2012، وأخطرت بهذا وزارة الخارجية الأمريكية.
وجاء القرار الروسي بعد عقدين من عمل الوكالة في روسيا، أنفقت خلالهما ما يقارب 2.7 مليار دولار أمريكي، حسب مصادر أمريكية، على مشاريع صحية وبيئية كستار لهدفها الحقيقي، المتمثل في دعم المنظمات غير الحكومية من خلال تقديم منح تخلق أدوات للتدخل الأمريكي في الشأن الداخلي الروسي.
وكان للقرار الروسي آثار سلبية على أنشطة الوكالة في دول العالم، حيث وجه الأنظار إلى خطورة الأثمان السياسية للمساعدات التي تقدمها واشنطن.
هذه الاتهامات ليست جديدة، وإنما قديمة، لكنها في الآونة الأخيرة بدأت تأخذ منحى خطيراً عندما باتت تعمل على ترجمة الأجندات الأمريكية، وتقوم بمهمة العميل السري الذي يزود دوائره الخاصة بالمعلومات ذات الصبغة الأمنية، والتي تشكل اختراقاً أو محاولة لتغيير البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية بطرق ظاهرها إنساني.