داني سيترينوفيتس
صحيفة "زمان إسرائيـل" العبريـة

الوجود المحتمل لصواريخ دقيقة بيد حزب الله في لبنان يشكّل "مغيّرا للعبة" في منظومة العلاقات بين الحزب و"إسرائيل"، ويُنتج بُعدا جديدا في ميزان الردع القائم منذ حرب لبنان في سنة 2006.
عرض حزب الله في الأشهر الأخيرة فيلما يهدد فيه "إسرائيل" بواسطة الصواريخ الدقيقة الموجودة بحوزته.
الفيلم الذي يحمل عنوان "أُنجز الأمر" ينضم إلى سلسلة منشورات من شهر أيلول /سبتمبر 2019 اعترفت فيها "إسرائيل" بوجود هذه الصواريخ على الأراضي اللبنانية، التي هي نتاج مشروعٍ جهيد من جانب قوة القدس وحزب الله لتحسين صواريخ "عادية"، وتحويلها إلى صواريخ دقيقة، وإقامة بنية تحتية لإنتاج صناعي لهذه الصواريخ.
على فرض أن حزب الله نجح في بناء قدرات صناعية تمكّنه من امتلاك عشرات، وربما مئات الصواريخ الدقيقة، فإن هذا تحوّل خطير يزيد بصورة دراماتيكية من قدرة الحزب على إلحاق الضرر بـ"إسرائيل" خلال معركة.
صحيح أن الحزب لديه اليوم عشرات آلاف الصواريخ لمديات مختلفة، بما فيها صواريخ "ثقيلة" مع رؤوسٍ حربية كبيرة يمكن إطلاقها إلى مسافة مئات الكيلومترات، لكن دخول عنصر الدقة هو متغيّر لم تواجهه "إسرائيل" في مواجهاتها العسكرية في ما مضى.
عمليا، هذه القدرة تمكّن حزب الله من الانتقال من حالة "قصف عددي" إلى قصفٍ دقيق، يضمن بإمكانية مرتفعة إصابة الهدف المختار. هذه الحقيقة تسمح لحزب الله بأن يطبّق فعليا معادلة "العين بالعين" التي يحاول إرساءها في مواجهة "إسرائيل" منذ سنة 2006، (أي أن كل ما تستهدفه "إسرائيل" في لبنان سيُستهدَف في "إسرائيل"، سواء كان بنى تحتية عسكرية أو مدنية أو مؤسسات سلطة)، ومن خلال ذلك زيادة قدرة الردع لدى الحزب بصورة مهمة.
في المقابل، يمكن رؤية فشل "إسرائيل" في منع تسلّح الحزب بأسلحة دقيقة على أنه فشلٌ كاوٍ يُلقي بشكّ كبير في قدرة المعركة بين الحروب، لكن علينا أن نتذكر أنه في التاريخ العالمي، وبالتأكيد الحديث، القدرة على منع دولة (أو منظمة إرهابية لديها قدرات دولة وتتمتع بدعم قوة عظمى على مستوى شرق أوسطي) من التسلح بأسلحة تقليدية هي موضع شكّ كبير.
استعراض تسلّح حزب الله، يُظهر أنه أيضا لو كانت هناك عرقلات ما في المشاريع المختلفة، في نهاية المطاف القدرة على منع حزب الله من الحصول على قدرات "شبه عظمى" في مجال صواريخ (ساحل ـ بحر) وصواريخ (أرض ـ أرض) ودفاع جوي هي موضع شكّ كبير، خصوصا عندما تكون هناك خشية كبيرة من ضرب الأشخاص المسؤولين عن هذه المشاريع أو ضرب لبنان نفسه.
وهكذا، في إطار حربٍ مستقبلية، يمكن لحزب الله أن يختار (وفقا لأهدافه وتقدّم القتال) ما بين إصابة "تكتيكية" يمكنها شلّ قاعدة أو تشكيل دفاعٍ "إسرائيلي" وبين إصابة استراتيجية لمواقع طاقة مختلفة. إصابات كهذه يمكن أن تؤدي إلى ضربة قاسية للاقتصاد "الإسرائيلي" وإصابة لرموز سلطة "إسرائيلية"، بصورة من الممكن أن تفرض قيودا قاسية على أهداف الجيش "الإسرائيلي" في القتال (والتي يمكن أن تبقى محدودة نسبيا خشية أن يفعّل حزب الله هذه القدرة).
من أجل "أخذ" هذه القدرة من حزب الله، القائمة في ترسانته، وتكرار ـ على سبيل المثال ـ عملية "الوزن النوعي" (وهي العملية التي استهلت حرب لبنان في سنة 2006 وانتزعت من حزب الله عمليا قدرة إطلاق صواريخ بعيدة المدى نحو "إسرائيل")، ستضطر "إسرائيل" لضرب كل الصواريخ الموجودة بحوزة الحزب. لكن، حتى لو تضرر عدد كبير من الصواريخ، فإن حفنة صغيرة من الصواريخ الدقيقة التي ستتبقى بحوزة الحزب يمكن أن تسبب دمارا كبيرا وضررا غير مسبوق في نقاطٍ مختلفة في "إسرائيل".
صحيح، من الممكن أنه شبيها بـmutually assured destruction (التدمير المتبادل الأكيد)، الذي ساد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في فترة الحرب الباردة، تحديدا وجود هذه الصواريخ سيُبعد بصورة مهمة خطر الحرب بين "إسرائيل" ولبنان، لكن الدمار الذي تستطيع هذه الصواريخ زرعه في "إسرائيل" يفرض اتخاذ إجراءات تهدف إلى انتزاع قدرة الدقة لدى حزب الله.
على ضوء علامة الاستفهام الكبيرة في ما يخص القدرة على انتزاع "قدرة الدقة" لحزب الله بوسائل عسكرية (ويمكن الافتراض أن حزب الله تعلّم جيدا درس عملية "الوزن النوعي")، ينتقل مسلاط الضوء إلى استخدام وسائل أخرى من أجل منع الحزب من استخدام القدرة التي أصبحت قائمة لديه.
من أجل منع حزب الله من استخدام هذه القدرة، وما وراء "تعزيز الردع" (الذي لن يتحقق منطقيا بتهديدات فقط. مثلما ثبت في أحداث سابقة ـ تقارير صحفية وتهديدات مختلفة ليس فقط أنها لا توقف الحزب، بل في كثيرٍ من الحالات تحثّه تحديدا على مواصلة خطواته)، على "إسرائيل" والمجتمع الدولي التفكير جيدا في كيف يمكن استغلال تسلسل الأحداث في لبنان من أجل الدفع إلى إضعاف حزب الله بصورة مهمة.
تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، والغضب القائم وسط الجمهور اللبناني على مسلكية الحزب، يفرضان الاشتراط الكامل لأية مساعدة لحكومة لبنان المستقبلية بتفكيك البنى التحتية التي تمكّن الحزب من إنتاج تلك الصواريخ.
أي أن هدف "إسرائيل" في الفترة الحالية في الساحة اللبنانية يجب أن يكون بناء منظومة مشتركة سياسية واقتصادية تستغل ضعف لبنان والغضب الجماهيري في لبنان. الهدف المركزي لهذه المنظومة يجب أن يكون إضعاف القوة العسكرية لحزب الله. من الواضح أنه لا يمكن تجريد حزب الله من سلاحه، ولذلك يجب تركيز الضغط على انتزاع قدرة الدقة لدى الحزب. كل جهدٍ حَرَكي [ناري] لانتزاع هذه القدرة أو غيرها يمكن أن يؤدي، وبالتأكيد على خلفية الوضع الصعب الواقع فيه الحزب، إلى مواجهة عنيفة لا يمكن التكهن بنتائجها. 
في الخلاصة، رغم معركة مشتركة (حَرَكية [نارية] ـ معركة المعركة بين الحروب، والدبلوماسية والجماهيرية ـ وبواسطة كشف معلومات استخبارية في وسائل إعلام في أنحاء العالم، والردع بواسطة كشف معلومات مهمة في ما يخص المشروع والمتورطين فيه)، نجح حزب الله ـ بحسب زعمه ـ في إرساء قدرة تحويل (وربما صنع) صواريخ دقيقة على الأراضي اللبنانية. هذه الحقيقة "مغيّرة للعبة" في علاقة "إسرائيل" مع حزب الله، وعلى "إسرائيل" استغلال اللحظة المناسبة التي نشأت في لبنان، والعمل على اشتراط أية مساعدة مالية للحكومة اللبنانية الجديدة بتفكيك تلك البنى التحتية التي تمكّن حزب الله من تعزيز قدرة الدقة.

4 سبتمبر/ أيلول 2020
"الميادين"