غازي المفلحي / لا ميديا -

لم تكد تمر 6 أشهر من عمر ثورة 21 أيلول 2014، حتى شنت دول الاستكبار العالمي عدواناً غاشماً على اليمن، بهدف إجهاضها وإعادة اليمن إلى حظيرة الوصاية والتبعية، إخضاع الشعب اليمني وتركيعه وإعادته إلى بيت الطاعة الإمبريالية.
ومع استمرار العدوان وفرضه حصارا شاملا على البلد، كان لا بد من تركيز الجهود على كيفية تطوير القدرات العسكرية اليمنية لصد هذا العدوان الكوني ومجابهته، وهو ما أدركته القيادة الثورية لتوجه بالعمل على تطوير القدرات العسكرية كما ونوعا، ولكن كيف سيتحقق ذلك في ظل ظروف العدوان والحصار؟!
وكانت البداية بالبحث عن العقول والقدرات اليمنية الفذة التي كانت مهمشة في عهد الوصاية والتبعية، واستثمار هذه العقول في تطوير القدرات العسكرية، وبالفعل توجهت روافع ثورة 21 أيلول الحقيقية من أيدي وعقول أبناء اليمن الشرفاء، نحو هذا المجال.
تعد الأسلحة الصاروخية الباليستية بمثابة عمود القوى العسكرية المسلحة في العصر الحالي، لذلك كان لا بد من التوجه نحو تطوير القدرات الصاروخية اليمنية، وهو ما حدث بالفعل، حيث استطاعت العبقرية اليمنية تطوير الصواريخ الباليستية الموجودة سابقاً، واستنسخت منها المئات وبقدرات أعلى، ووصلت لصنع الصواريخ المجنحة أو ما تسمى الصواريخ الجوالة، ثم دخلت هذه الأسلحة تدريجيا خط النار، واستطاعت بمعية سلاح الجو المسير قلب الطاولة على تحالف العدوان في عمق أرضه، فضلاً عن دك مرتزقته في الداخل بضربات محكمة.

سلاح العصر
منذ العام 1958 بدأ السباق العالمي المحموم بين الدول الكبرى والصاعدة لإنتاج الصواريخ الباليستية، وعلى المستوى العربي كانت هناك 6 دول فقط تمتلك هذه الصواريخ، وقد اشترتها ولم تنتجها، وهي اليمن وليبيا وسوريا ومصر والسعودية وإمارة دبي، وأغلبها صواريخ روسية الصنع، باستثناء المملكة السعودية، التي تمتلك صواريخ صينية.
كانت اليمن طوال تاريخها الجمهوري الذي يمتد لـ52 عاماً، تمتلك صواريخ (أرض ـ أرض) نوع سكود هواسونغ وتوشكا، وصواريخ (أرض ـ جو) نوع سام واستريلا الخاصة بالدفاع الجوي، وكان هذا هو كل مخزون اليمن من الأسلحة الباليستية والتكتيكية، وبأعداد محدودة حسب المعلومات التقريبية، حيث تقول بعض المصادر بأن اليمن كانت تمتلك 28 صاروخاً من الطرازات: فروغ - 7 وSS-21 وSCUD - B فقط.
لكن منذ انطلاق ثورة 21 أيلول 2014 الشعبية، أي خلال 6 سنوات فقط، ورغم العدوان الكوني والحصار الشامل، فإن اليمن تمتلك اليوم أكثر من 25 منظومة صاروخية باليستية، متعددة في المدى بين قصيرة ومتوسطة وتكتيكية، والنوعية (أرض ـ أرض)، بحرية، وصواريخ دفاع جوي جديدة (أرض ـ جو)، وأيضاً بأعداد كثيرة تخطت حاجز الـ1000 صاروخ، وهذا عدد الصواريخ التي استخدمت حتى الآن في المواجهة مع العدوان وليست المنتجة والمخزنة.
ومن المنظومات الصاروخية المصنعة محلياً والتي استخدمت في المعارك:
1 ـ منظومة بركان: (بركان1، بركان2، بركانM2).
2 ـ منظومة قاهر: (قاهر1، قاهرM2).
3 ـ منظومة النجم الثاقب: (النجم الثاقب، النجم الثاقب1، النجم الثاقب2).
4 ـ منظومة بدر: (بدر1، بدر1-p، وبدر المتشظي).
5 ـ منظومة زلزال: (زلزال، زلزال1، زلزال2، زلزال3).
إضافة إلى صواريخ مندب البحرية، وصواريخ قدس، وقدس المجنح، وذو الفقار، ونكال، وصمود، والصرخة، وهي صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى وتكتيكية وعملياتية تتراوح مدياتها بين 45 و1400 كيلومتر، وتحمل رؤوساً متفجرة يصل وزنها ما بين 50 كجم وطن، وزودت بمؤشرات دقة وتقنيات عالية قللت نسبة الخطأ في الإصابة وضاعفت سرعتها أضعافاً كثيرة، حيث تصل سرعة بعضها إلى 970 كيلومترا في الساعة، ودقة الإصابة مساحة 3 أمتار.
وحسب القوات المسلحة فقد أطلقت القوة الصاروخية من بداية العدوان وحتى نهاية العام الخامس منه، أكثر من 1067 صاروخاً باليستياً.
وأطلقت على أهداف عسكرية حيوية ومنشآت في العمقين السعودي والإماراتي أكثر من 410صاروخ باليتسي، اعترف تحالف العدوان بـ218 منها.
وأطلقت أكثر من 630 صاروخاً باليستياً على أهداف عسكرية معادية تابعة للمرتزقة في جبهات الداخل.

اليد الطولى
كانت القوة الصاروخية إلى جانب الطيران المسير هي ميدان التطور النوعي الحثيث في القدرات العسكرية اليمنية وبعقول وأيدي خبرات محلية خالصة.
تعد الصورايخ الباليستية من كبار البيادق الرابحة في معارك اليوم، وتفضلها الجيوش لعدة أسباب، أهمها:
1 ـ تمدها بما يسمى مضاعف القوة، حيث تقوم بتعويض القوات التي تفتقر نسبياً إلى النقص البشري والعتاد الجوي (طائرات) والبري (دبابات ومدرعات)، وهو ما كانت تفتقر إليه اليمن في ساحة المعركة.
2 ـ يصعب التعامل مع هذه الصواريخ من جانب الخصم، بعد إطلاقها، نظراً لقصر زمن طيرانها وسرعتها الفائقة.
3 ـ  قوة التدمير التي تحدثه مقارنة بانخفاض ثمن تصنيعها.
4 ـ إمكانية الاحتفاظ بها في حالة استعداد كامل، مما يجعلها قادرة على رد الفعل السريع، وتعويض التفوق الجوي المعادي، حيث يمكنها تحقيق المهام التي يصعب على القوة الجوية تحقيقها.
5 ـ تعتبر الصواريخ الباليستية أحد العناصر الرئيسية التي تستخدم كقوة ردع، كما أن امتلاك قوة صاروخية من هذا النوع يعتبر من أهم الضمانات لردع العدو عن ارتكاب حماقات خطيرة.

سلاح الجو
بدأ العمل على استعادة قوة الدفاع الجوي اليمني في العام 2015، حيث تم تطوير واستنساخ الصواريخ الروسية من فئة «سام7» و«سام6» و«سام2» و«سام3» و«R73».
شهد العام 2017 التجارب الأولى على منظومتين جديدتين، «سام6» أرض ـ جو، و«R73» جو ـ جو، السوفياتية الصنع، تم تعديلها ليتم إطلاقها من منصات ثابتة ومدولبة، بدلا عن العربات المجنزرة.
هذه التجارب أدت إلى تدشين منظومات الدفاع الجوي «فاطر 1»، المتطورة عن «سام6»، والتي يبلغ مداها 24 كيلومتراً، وتستطيع استهداف الطائرات المعادية على ارتفاعات تصل إلى 14 كيلومتراً، وزنة الرأس الحربي لها 60 كيلوجراماً، ويتم توجيهها بالرادار شبه النشط، عن طريق الرادار الخاص بمنظومة «سام6».
وقد تمكنت هذه المنظومة من إسقاط مقاتلة «تورنيدو» في محافظة صعدة، في يناير 2018. 
أما «R73»، فقد نتج عنه «ثاقب1»، ولم يمتلك سلاح الجوي اليمني منها إلا 150 صاروخاً، كانت خاصة بتسليح مقاتلات «ميج 29». وتم تحويلها إلى صاروخ أرض ـ جو وتحسين التوجيه الحراري لها، ويبلغ مداها 9 كيلومترات، بارتفاع يصل إلى 5 كيلومترات.
دخلت هذه المنظومة الخدمة في سبتمبر 2017، وسجَّلت إسقاطها الأول في الشهر التالي، لـ«أباتشي» إماراتية في الجوف، ثم عدد كبير من الطائرات المسيرة للعدوان.
صواريخ الاشتباك الجوي الروسية «R27T» التي كان يمتلك الجيش اليمني منها فقط 100 صاروخ. وقد تم تطويرها إلى منظومة «ثاقب2»، وعدلت ليتم إطلاقها من منصات أرضية، مع تحسين قدرة الباحث الحراري الخاص بها. ويصل مداه بعد التعديل 15 كيلومتراً، كما يصل إلى ارتفاع 8 كيلومترات.
منظومة «ثاقب3»، هو تطوير محلّي لصاروخ القتال الجوي الروسي متوسط المدى «R77»، الذي كان سلاح الجو اليمني يمتلك منه 100 صاروخ فقط. ويتميز بالتوجيه الراداري الذاتي، مع إمكانية تعديل التهديف عن طريق توجيه راداري خارجي إيجابي، ويبلغ مداه بعد تعديله نحو 20 كيلومتراً.
واستهدفت منظومة «ثاقب3» مقاتلات «F16» و«F15» وطائرات مسيرة ومروحية، وأسقطت طائرة «تورنيدو».
بالإضافة إلى منظومات تستخدم التتبّع والاستشعار الحراري بعيد المدى «ألترا 8500»، وقد كانت مخصّصة للعمل على متن المروحيات من أجل مهام المراقبة والدورية.
وحصلت القوات الجوّية اليمنية على 3 منظومات منها في يوليو 2009، ضمن مساعدات قدّمتها وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، للسلطات اليمنية. 
ونفذت كل هذه المنظومات الجوية على مدى 5 سنوات أكثر من 721 عملية تنوعت بين إسقاط طائرات وتصد وإجبار على المغادرة.
تم إسقاط أكثر من 371 طائرة للعدوان، منها 53 طائرة مقاتلة ومروحيات أباتشي و318 طائرة استطلاعية وتجسسية.

حَصادة الموت وبريد الرسائل
كانت القوة الصاروخية والطيران المسير حَصادة الموت للمرتزقة في الداخل، وكابوساً لدول العدوان باستهدافها الناجح للعديد من المنشآت العسكرية والاقتصادية الحيوية في عمق هذه الدول، بما يسمى «عمليات توازن الردع»، كما أنها كانت أفضل من حمل الرسائل وفاوض عن اليمنيين، وجعل دولة مثل الإمارات تعلن إعلاميا انسحابها من الأراضي اليمنية. 

عملية «توازن الردع الأولى»
كانت عملية توازن الردع الأولى في 17 أغسطس 2019، أكبر عملية في العمق السعودي منذ بدء العدوان على اليمن، ومن أقوى العمليات وأكثرها دقة، حيث استهدفت 10 طائرات مسيرة حقل ومصفاة الشيبة النفطيين جنوب شرق المملكة، على بعد 10 كيلومترات من الحدود مع الإمارات وإمارة أبوظبي، ويعتبر الحقل من أهم الحقول النفطية السعودية، وينتج نفطاً خاماً خفيفاً، يتجاوز إنتاجه مليون برميل يوميا.
فقد استطاعت الطائرات المحملة بالمتفجرات السير دفعة واحدة مسافة تتجاوز الألف كيلومتر لتصل إلى هدفها، حيث اعترفت السعودية بالعملية، إلا أنها حاولت التقليل من أضرارها.
وبقدر ما مثلت تلك الضربة نصراً تقنياً واستخباراتياً عسكرياً لليمنيين مقابل هزيمة للتقنية والاستخبارات الأمريكية التي تعتمد عليها السعودية، فإنها كانت رسالة كاملة للإمارات.

صراخ عالمي عملية «توازن الردع الثانية»
حدثت هذه العملية، في الساعات الأولى من فجر يوم السبت 14 سبتمبر 2019، وهي عملية عرف بها العالم أجمع، وربما كانت أكبر عملية عرفها العالم في الأراضي السعودية منذ بداية العدوان على اليمن، فبعشر طائرات مسيرة تم قصف مصفاتي نفط بقيق وخريص في أقصى شرق السعودية.
ووصل صراخ السعودية للعالم أجمع بعد أن انتشرت صور ومقاطع الفيديو للحرائق الهائلة بمصافي أرامكو في بقيق وخريص، بعد أن يئست من تغطية هذه الكارثة الكبيرة في الحقل الذي يعد أكبر مرافق معالجة الزيت في السعودية، وأكبر معمل لتركيز الزيت في العالم. وتزيد طاقة الحقل الإنتاجية عن 7 ملايين برميل من الزيت يوميا.
ويتم في معامل بقيق معالجة 70٪ من إنتاج أرامكو، الذي يمثل 6٪ من إجمالي الاستهلاك اليومي العالمي للطاقة النفطية.
أما حقل نفط خريص بمنطقة الأحساء فقد بدأ ضخ النفط فيه عام 2009، ويبلغ حجم احتياطيه 27 بليون برميل نفط، بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً.

صراخ إلى الداخل عملية «توازن الردع الثالثة»
حدثت العملية في 21 فبراير 2020، واستهدفت العمق السعودي، حيث اشتركت القوة الصاروخية بصاروخين من نوع «قدس» المجنح، وصاروخ «ذوالفقار» الباليستي بعيد المدى، وسلاح الجو المسير، بـ12 طائرة مسيرة من نوع «صماد3».
وهي إحدى أكبر العمليات من حيث قوة الهجوم ودقته ونوع الأهداف، وقد استهدفت شركة أرامكو وأهدافا حساسة أخرى في ينبع التي تعد ميناء السعودية الحساس وبالغ الأهمية لتصدير النفط، غير أن الصور والمقاطع الخاصة بهذه العملية لم تسرب، لأن السعودية قد جعلت ذلك أولوية لها بعد ضرب بقيق وخريص، وبالتالي فقد كان الأثر الإعلامي لهذه العملية الكبيرة في الأرض خفيفاً.

عملية «توازن الردع الرابعة»
حدثت هذه العملية يوم الثلاثاء 23 يونيو 2020، وتم فيها استهداف رمز قوة النظام السعودي والأكثر تحصينا (وزارة الدفاع ومقر الاستخبارات) في عاصمته الرياض، وقاعدة الملك سلمان الجوية المليئة بالخبراء والجنود الأمريكيين، إضافة إلى أهداف عسكرية في نجران وجيزان، وقد استمرت العملية لساعات طويلة.
وقد تم تنفيذ العملية الهجومية الأكبر على عاصمة العدو السعودي بعدد كبير من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة الهجومية، وهي صواريخ «قدس» و«ذوالفقار» وطائرات «صماد3» المسيرة.
شكلت عملية «توازن الردع الرابعة» رداً طبيعياً ومشروعاً على انتهاكات وجرائم تحالف العدوان بقيادة السعودية بحق الشعب اليمني، إلى جانب أنها تأتي في إطار حق الرد المشروع على استمرار العدوان وجرائمه وحصاره على اليمن، كما أنها كانت بمثابة إنذار لقوى العدوان باستحالة إيقافهم هذا النوع من العمليات العسكرية الكبيرة، رغم ما يمتلكونه من عتاد عسكري وأنظمة دفاع جوي حديثة ومتطورة عجزت عن صد الطائرات والصواريخ الباليستية.
تعد الصواريخ والطائرات المسيرة إلى جانب الرجال على الأرض وما تنتج بقية وحدات التصنيع، هي معادلة توازن النصر إن صح التعبير، واليد الطولى لليمن في أكبر معاركها المصيرية.