سقـط ترامب لكن الأنظمة الدموية الحامية لابن سلمان لا تزال باقية
- تم النشر بواسطة موقع ( لا ) الإخباري
كـارين عطـية
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، قال لي الكاتب السعودي المعارض جمال خاشقجي إنه "في السعودية لا يمكننا اختيار قادتنا. لا يسعنا إلا أن نأمل أن يكونوا جيدين".
بعد أقل من عام، قُتل خاشقجي، كاتب العمود المساهم في "واشنطن بوست"، على يد عملاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو زعيم لم يختره.
طوال فترة صعوده الملطخ بالدماء إلى السلطة ولتوطيدها، وضع محمد بن سلمان آماله في الرئيس دونالد ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر. لكن السبت الماضي، كانت الأخبار رسمية: صوتت الولايات المتحدة ضد ترامب، وانتخبت جوزيف بايدن الرئيس الـ46 للولايات المتحدة.
بحسب الحكمة التقليدية، بعد أن أرسل الشعب الأمريكي إدارة ترامب إلى خارج البيت الأبيض، يجب أن يرتجف محمد بن سلمان في ثوبه. لكن الحقيقة الأكثر قسوة هي أن الأنظمة التي ساعدت في تمهيد الطريق أمام المسار الحالي للاستبداد في المملكة السعودية لا تزال قائمة إلى حد كبير.
إن ترامب وكوشنر، منذ بداية إدارة ترامب تقريبا، أشارا إلى أن السعودية ستحصل على معاملة خاصة إضافية. وتفاخر ترامب عندما أصبح محمد بن سلمان وليا للعهد، وقال: "لقد وضعنا رجلنا في المقدمة"، بعد انتزاع السلطة من ابن عمه الأكبر، محمد بن نايف، في عام 2017.
كانت السعودية أول دولة سافر إليها ترامب في وقت مبكر في عام 2017، لحدث باهظ وضعه النظام السعودي، إذ قيل إنه أنفق ما يصل إلى 68 مليون دولار على القمة.
سيستمر محمد بن سلمان في القول: "كان ترامب الشخص المناسب في الوقت المناسب" للسعودية. وبحسب ما ورد، عرضت الحكومتان السعودية والإماراتية على حملة ترامب المساعدة للفوز في انتخابات 2016، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
في عام 2018، ورد أن محمد بن سلمان تفاخر بأن كان كوشنر "في جيبه"، وفقا لموقع "إنترسبت".
وأثناء تولي ترامب منصبه، اعتقلت السعودية شخصيات ونشطاء وناشطات مؤثرين، بمن في ذلك دعاة حقوق المرأة. كما حاولت خوض حرب متهورة ضد قطر، وفرضت حصارا عليها. وقيل إن كوشنر قدم نصائح لمحمد بن سلمان حول كيفية تجاوز العاصفة بعد جريمة القتل الشنيعة لجمال خاشقجي، وتباهى ترامب لاحقا للصحافي الشهير بوب وودوارد بشأن حماية محمد بن سلمان من رقابة الكونغرس. كما تباهى "بن سلمان" بحماية "ترامب" له خلال تداعيات مقتل الصحفي "جمال خاشقجي".
كان اغتيال "جمال" شخصيا ومدمرا. لكن الدولة اليمنية بأكملها تعرضت للضرب من قبل السعودية وشركائها في التحالف الخليجي الذي شن عليها غارات جوية ضدها منذ عام 2015. كانت الولايات المتحدة أحد الموردين الرئيسيين للقنابل للسعوديين في مستنقع من الدماء - حرب لا يمكن الانتصار فيها، وقُتل حوالى 13500 مدني يمني نتيجة هذه الهجمات المستهدفة.
وحتى بعد مقتل خاشقجي، عندما كان الضغط السياسي المتزايد يستهدف الولايات المتحدة لوقف تسليح السعوديين، لم ترفض إدارة ترامب التزحزح فحسب، بل استخدم ترامب أيضا صفقات الأسلحة وسعر النفط كسبب لتبرير الاستمرار في الانخراط مع السعوديين.
إن الوضع سيئ للغاية إلى درجة أن المسؤولين الأمريكيين قلقون الآن من احتمال تعرضهم للمحاكمة بتهمة جرائم الحرب لمواصلة بيع الأسلحة للسعوديين على الرغم من تزايد عدد القتلى في اليمن.
وبينما كان ترامب على استعداد لتجريد نفسه من أي آداب أخلاقية والتورط مع نظام محمد بن سلمان، إلا أنه، في الواقع، ليس المُمكّن الوحيد للسعودية. ومن المفارقات أن التركيز على ترامب يبدو وكأنه يتجاهل حقيقة أن "مجموعة العشرين" قد استمرت إلى حد كبير في العمل كالمعتاد مع السعودية.
من الأمثلة على الأنظمة الملطخة بالدماء الحامية لـ"بن سلمان"، فإنه بعد مقتل جمال خاشقجي، تعهدت كندا بتعليق مبيعات الأسلحة للسعودية. لكن هذا الصيف، استأنف جيراننا في الشمال (كندا) الصفقات، واستنتجوا على ما يبدو أن مقتل أكثر من 13 ألف يمني لا يساوي عقدا قيمته 14 مليار دولار. أيضا لم تقرر بريطانيا استئناف مبيعات الأسلحة إلى السعودية هذا العام فحسب، بل حاولت كذلك الضغط على ألمانيا لفعل الشيء نفسه.
كما يواصل المجتمع الاقتصادي الدولي إعطاء الحياة والشرعية للنظام السعودي. تولت السعودية رئاسة "مجموعة العشرين" هذا العام، ومن المقرر أن تستضيف قمة مجموعة العشرين في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. وعلى الرغم من الانتهاكات بحق السجناء وتعذيب الناشطات، واغتيال أحد أبرز أصوات السياسيين والحقوقيين، ما زالت مجموعة العشرين تغلق فمها وتغض الطرف عن انتهاكات ابن سلمان، بل وتسوقه كنموذج عالمي مسؤول بالحكم.
وخلال الأيام الأخيرة، تعهدت المنظمات غير الحكومية وجماعات الشفافية في جميع أنحاء العالم بمقاطعة "مجموعة العشرين" احتجاجا على سجل السعودية الحقوقي. لكن المملكة بذلت قصارى جهدها في الترتيبات ومحاولة تخطي الأمر، ودعت بعض كبار المفكرين في العالم للانضمام إلى الاجتماع ومتابعته، بل من المتوقع أن يحضر القمة وزير الخارجية الأمريكية المنتهية ولايته "مايك بومبيو".
استغل الاقتصادي جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل، وقت التحدث في حدث سعودي الأسبوع الماضي لانتقاد محمد بن سلمان ولفت الانتباه إلى خاشقجي. ومع ذلك، استمرت تمثيلية السعودية في "مجموعة العشرين".
إن لدى إدارة "جو بايدن" فرصة لإعادة العلاقة مع السعودية إلى علاقة تبني المزيد من الضمانات ضد الإفلات من العقاب المتفشي الذي تفاقم في السنوات الخمس الماضية. ولكن طالما استمر المجتمع الدولي في غض الطرف عن أسوأ انتهاكات المملكة، فإن أيدي الحراس المزعومين للنظام العالمي الليبرالي ملطخة بالدماء أيضا.
"الخليج الجديد"
13 نوفمبر/ تشرين ثاني 2020
المصدر موقع ( لا ) الإخباري