أنس القاضي / مرافئ لا -

مقولة: «نشتي نعيش»، وبتعبير ثانٍ: «أهم شيء نأكل ونشرب»، وبتعبير ثالث: «لا علاقة لنا بالسياسة»، وغيرها من المقولات التي لها هذا المضمون انتشرت كالنار في الهشيم في زمن الحرب، انتشار هذه المقولة بالغ الخطورة في أوساط الشباب لتناقضها مع واقع الحياة القائم على التناقض والتدافع والصراع والشباب العامل الحاسم فيه، وفي نهاية المطاف فهذه المقولة لا تنأى بمن يقولونها عن تداعيات الصراع السياسي وألسنة اللهب فينتقلون إلى التذمر. 
هذه المقولة ليست وليدة عام ولم تنطلق من شخص ابتداءً ثم تعممت؛ فقد جاءت تعبيراً عن حالة نفسية اجتماعية تشكلت طوال الفترة الماضية، فخلال العقود الثلاثة الأخيرة ضُربت الحياة السياسية وقُيدت المشاركة الديمقراطية واتسعت الانتهازية والصراعات حول الفتات بين السلطة والمعارضة، وظهرت الديناصورات السياسية، فرئيس الجمهورية ورئيس الحزب وعضو البرلمان لا يتغيرون رغم أن الزمن يحفر الأخاديد في وجوههم، كما انتشرت خلال هذه الفترة منظمات المجتمع المدني الغربية تمويلاً ومنهجا فلسفياً، وجاءت نكسة ثورة 11 فبراير 2011م لتقضي على آمال الشباب في التغيير السلمي. 
هذه المقولة يرددها الحالمون مع إضافات بأنهم يُريدون العيش «ولو كان الحاكم في اليمن يهودياً إسرائيلياً أو أمريكياً أو الملك السعودي أو القطري، ولو كانت اليمن دون سيادة ومُلحقة بدولة أجنبية، ومُجردة من السلاح»، فأهم شيء «نشتي نعيش»!
تلك الأوهام والتطلعات الخيالية تتحطم على صخرة حقيقة أن الدولة الفاقدة سيادتها لا يُمكن أن تعيش فيها كما تريد، ولن تضمن فيها خبزك ولا حلمك ولا قيمة عملتك الوطنية، والتجارب التاريخية في ليبيا والعراق والصومال بعد التدخلات الأجنبية تثبت هذه الحقيقة. 
يمكن للإنسان أن يعيش كريماً وكما يريد ويطمح فقط من خلال النضال من أجل تحقيق هذه الأهداف الشخصية، والتي لا يُمكن أن تتحقق على نحو أكمل إلا بالنضال الوطني من أجل صيانة الاستقلال الوطني.
أثبتت سنوات الحرب العدوانية على بلادنا أن أصحاب هذه الأفكار ليسوا على حق في شيء، فكل من عمل قبل الحرب من أجل مصلحة ومصير فردي ولم يتحرك في مواجهة العدوان حين بدأ، كل هؤلاء لم يكونوا بمنأى عن تداعيات الحرب، بل تحطمت مصالحهم الشخصية والفردية بفعل القصف والحصار واستهداف العملة الوطنية ونقل البنك ونهب إيرادات النفط والغاز، كما خسروا خدمات المؤسسات الحكومية والوطنية العامة.