عدن/ مهدي الصبيحي / لا ميديا -

بين يدي فجر ثورة 14 أكتوبر 1963 المجيدة، ونهار 30 نوفمبر 1967 المجيد، نقف إجلالا وإكبارا أمام عظمة الحدثين، وعلى شرفات التاريخ نقف ونستلهم إشراقات الماضي ونستقرئ جسارة أحداثه المضيئة في سياقها الطبيعي، ونضعها بتجرد مع واقع اليوم، وحاضر اللحظة الراهنة، أمام ثواره الأوائل وأجيال الاستقلال المتعاقبة في تالي السطور.
قبل 57 عاما كان شطر الوطن اليمني جنوبا يئن تحت نير احتلال الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها، وفي صبيحة 14 أكتوبر 1963 فجر ثوار التنظيم السياسي للجبهة القومية ثورتهم من قمم جبال ردفان الأبية، وأعلنوا بدء الكفاح المسلح لتحرير الجنوب اليمني المحتل، لتتوج نضالاتهم بعد أربع سنوات بطرد الغزاة وقواتهم وقواعدهم العسكرية وإسقاط أقنعة أدواتهم المحلية من مختلف مناطق الجنوب الثائر ونيل استقلاله المجيد في 30 نوفمبر67 وفرض سيادته الوطنية على كامل ترابه بعد 128 عاما من الهيمنة الاستعمارية.
وبعد مرور 57 عاما على انطلاقة ثورة أكتوبر المجيدة، وفي الذكرى الـ53 للاستقلال التي تطل مناسبتها اليوم وأبناء الجنوب ومحافظاته مازالوا يرزحون تحت الاحتلال السعودي الإماراتي كأدوات إقليمية للهيمنة العالمية نفسها، نقف على إطلالة التاريخ وواقع اللحظة الراهنة، ونستعرض جزءاً من مخططات الهيمنة الاستعمارية وأطماعها القديمة /الجديدة، من خلال بعض الوثائق السرية الدامغة للاستعمار البريطاني، المتعلقة باحتلاله للجنوب منذ يناير 1839 إلى نوفمبر 1967، والتي رفع الحجب عنها مؤخرا بعد أن كانت مخفية طوال العقود الماضية، والتي لا تختلف عما يحدث اليوم من مخططات استعمارية في المحافظات الجنوبية المحتلة، والتي تعد امتدادا لتلك الهيمنة العالمية وإن اختلفت أقنعة أدواتها التنفيذية المحلية ومؤامرات أدواتها الإقليمية ماضيا وحاضرا.
 
تكريس مناطقية الجنوب المقسم وسلخ هويته اليمنية 
طيلة فترة الاحتلال البريطاني لمستعمرة عدن، عمد إلى سلخ المدينة من هويتها اليمنية، بالتوازي مع تكريسه لتقسيم المناطق الجنوبية والشرقية والغربية المجاورة لها إلى كانتونات جغرافية جهوية ومناطقية وقبلية أطلق عليها المحميات تجاوزت 25 كيانا بين سلطنة ومشيخة وإمارة، وفق سياسته الاستعمارية المشهورة «فرق تسد»، وأخضعها جميعا تحت سيطرته بموجب اتفاقيات صلح ومعاهدات حماية، وغيرها من أساليب الهيمنة الاستعمارية، إلا أن وثائق رسمية بريطانية، رفعت عنها السرية مؤخراً، وتعود إلى مرحلة الحرب العالمية الأولى وما بعدها، كشفت أيضا أن الاحتلال البريطاني لم يكتف فقط بتكريس تقسيم الجنوب المقسم واستمرار تفكيكه وتفتيته إلى كانتونات مناطقية وقبلية، بل سعى أيضا إلى سلخ تلك الكيانات المناطقية عن هويتها اليمنية وتمزيق وحدتها الوطنية من خلال تكريس سياسة فصلها عن جغرافية الوطن اليمنية وطمس هويتها الثقافية والتاريخية، وهي السياسة التي اعتمدت عليها بريطانيا بشكل أساسي أكثر من تقسيماتها المناطقية والقبلية للجنوب نفسه التي فرضتها على أدواتها المحلية من مشائخ وسلاطين وعملاء تلك الفترة.

خطة الضابط «والتون» ورفاقه
من ضمن تلك المخططات الاستعمارية التي سعت بريطانيا لفرضها وتكريسها كواقع لتحقيق مطامعها وأهدافها السياسية والاقتصادية طيلة فترة احتلالها للجنوب وسلخ مناطقه عن هويتها اليمنية، تأتي ما كشفته وثائق 3 من ضباط استخباراتها الذين كانت تعتمد عليهم في حكم المناطق الجنوبية، وأولهم الضابط «والتون» الذي يعد من أهم الخبراء في مستعمرة عدن والمناطق الجنوبية المجاورة لها، إلى جانب الضابط «جاكوب» الأكثر دراية وخبرة بالشأن اليمني، بالإضافة إلى ضابط ثالث، الذين كلفتهم الحكومة البريطانية بتقديم رؤاهم ومقترحاتهم حول ما ستكون عليه الجغرافيا اليمنية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وهي نفس المخططات نفسها التي مازالت حاضرة حتى اللحظة الراهنة من خلال تنفيذها عبر أدواتها المحلية والإقليمية، ما يدل على أن بريطانيا كانت ولاتزال تسعى ليس فقط لتفتيت الجنوب إلى كانتونات صغيرة قبلية خاضعة لسيطرتها، بل سلخها عن جغرافية اليمن الطبيعية وتقسيمها إلى أقاليم وكيانات مناطقية وتحديد شكل وهوية تلك الكانتونات بما يخدم مطامعها ومخططاتها الاستعمارية.
 
مستعمرة «الحديدة عدن»
وتقوم خطة الضابط والتون ورفاقه بحسب ما كشفت عنه الوثائق على إنشاء مستعمرة «الحديدة عدن»، التي تهدف للسيطرة على أهم المناطق الاستراتيجية في الركن الجنوبي الغربي لليمن، بدءاً من الحديدة وتعز وباب المندب وصولا إلى عدن وبقية المناطق الشرقية، فالسيطرة عليها تعني السيطرة على اليمن والتحكم بباقي مناطقه الأخرى.
وعلى الرغم من مرور نحو 100 عام على خطة الضابط «والتون» ورفاقه، إلا أن بريطانيا مازلت تعتمد عليها بشكل أساسي في وقتنا الحاضر، وقد عادت لتنفيذها من جديد، إلا أنها هذه المرة استخدمت أدواتها في الخليج، وفي مقدمتها دويلة الإمارات، لتنفيذ الخطة من خلال تعزيز تواجدها في الساحل الغربي للسيطرة على تلك المنطقة الاستراتيجية والجزر اليمنية، ودفعها المزيد من قواتها العسكرية ومرتزقتها الذين استأجرتهم من الخارج بالتعاون مع الكيان «الإسرائيلي»، بالإضافة إلى أدواتها المحلية من عناصر ما يسمى «المجلس الانتقالي»، والعميل طارق عفاش ومرتزقة التيار السلفي في ما تسمى «ألوية العمالقة».

مرتزقة سودانيون
ومن المفارقات أن التقارير السرية التي كتبها الضابط والتون بخصوص هذه الخطة، أشارت إلى أنه «لا بد من استخدام مرتزقة سودانيين، وأيضاً تدريب قوات محلية»، ما يؤكد عودة الاحتلال البريطاني لتنفيذ مخططاته في المنطقة، وأن ما وضع من خطط قبل أكثر من 100 عام يتم تنفيذها حرفياً اليوم، حيث استخدم تحالف الاحتلال السعودي الإماراتي المرتزقة السودانيين بدءاً من باب المندب وحتى مناطق جنوب الحديدة، بالإضافة إلى تشكيل مليشيات محلية وهي التي يقودها اليوم المرتزق طارق عفاش و»ألوية العمالقة» بالساحل الغربي.

قاعدة عسكرية للهيمنة على شرق أفريقيا
وفقاً لما ورد في كتاب «تاريخ اليمن مقبرة الغزاة» الصادر العام الماضي للباحث اليمني عبدالله بن عامر، فإن خطة والتون تقوم على إنشاء فرقتين عسكريتين لاحتلال تعز، وإنشاء مستعمرة بحرية متصلة برياً ما بين الحديدة وعدن.
وأكدت الوثائق السرية البريطانية أن الهدف من هذه القاعدة العسكرية هو أن تكون قاعدة انطلاق للجيش البريطاني للهيمنة والسيطرة على مناطق شرق أفريقيا، ما يعني أن الاحتلال البريطاني اتخذ من مستعمرة عدن ومن تلك المناطق وبقية الجزر البحرية اليمنية على الساحل الغربي قواعد عسكرية ومراكز للسيطرة والهيمنة العالمية على المناطق المجاورة لليمن ومنها شرق أفريقيا، ويبدو أن أبناء المحافظات الجنوبية المحتلة لا يدركون حقيقة الدور العسكري الحالي الذي تلعبه دويلة الإمارات وأدواتها المحلية (المجلس الانتقالي) والذي تقف خلفه بدرجة رئيسية بريطانيا، ولهذا لم يكن من المستغرب أن ينكر المرتزق عيدروس الزبيدي رئيس «الانتقالي» في زيارته لبريطانيا في مارس العام الماضي، الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، بقوله: «إن بريطانيا لم تكن تحتل الجنوب، بل كانت شريكاً له في تلك الفترة».

خطة جاكوب لسلخ الهوية الوطنية واستبدالها بالمناطقية القبلية
ومن ضمن الوثائق البريطانية السرية لفترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تأتي الخطة التي وضعها الجنرال الإنجليزي جاكوب، والتي هدف الاحتلال البريطاني من خلالها إلى تشكيل قوات عسكرية محلية على أساس قبلي ومناطقي تكون مهامها حفظ مصالحه في المناطق المجاورة لمستعمرة عدن وقمع التمردات ضده بضرب بعضها البعض، بالإضافة إلى حاجته إلى تخفيف العبء عن قواته في الجنوب المحتل عقب انسحاب الأتراك من المناطق الشمالية وقيام كيان وطني ونظام سياسي جديد ممثلا بالمملكة المتوكلية اليمنية بقيادة الإمام يحيى حميد الدين.

 سقوط أول رهان 
رغم حرص جاكوب في خطة تشكيل أول فرقة عسكرية في الجنوب عام 1918، على أساس مناطقي وقبلي بعيد عن الهوية الوطنية اليمنية الجامعة من أبناء القبائل في المناطق الجنوبية، إلا أن النزعة القومية اليمنية ظهرت في أول مواجهة عسكرية لتلك القوات مع قوات الإمام يحيى ونظامه السياسي الجديد في المناطق الشمالية.
فعندما قام الإمام يحيى باستعادة مناطق الساحل الغربي الواقعة تحت سيطرة الأدارسة بعد أن سلمتها له إثر سيطرتها عليها في الحرب العالمية الأولى، أرسل الإنجليز قوة عسكرية مكونة من تلك العناصر التي تم تشكيلها من أبناء الجنوب إلى جزيرتي ميون في باب المندب وكمران في البحر الأحمر، تحت قيادة الجنرال لورانس لمساندة حلفائها الأدارسة ولوقف زخوفات قوات الإمام يحيى في تلك المناطق أو محاولة تمدده نحو الجنوب، إلا أن تلك القوات الجنوبية المشكلة من قبل الاحتلال البريطاني رفضت قتال قوات الإمام، بل قامت بقتل قائدها في ميون والفرار إلى منطقة الشيخ سعيد الواقعة تحت سيطرة الإمام يحيى، وهو ما أدى إلى تسريح ما تبقّى من تلك القوات عام 1925، نظرا لتشكيلها خطراً على الاحتلال البريطاني بدلاً عن كونها أداة له، وسقطت بذلك خطة جاكوب عن ضعف النزعة القومية اليمنية التي راهن عليها.

 تعديل خطة جاكوب 
هذه التجربة استدعت بريطانيا إلى تعديل خطة جاكوب، وذلك بعد اشتداد المناوشات العسكرية على حدود الشطرين (وفق الاتفاقية التركية البريطانية لترسيمها في 1914)، ورفض الإمام يحيى لها، فقامت بريطانيا ابتداءً من عام 1928، بتأسيس تشكيلاتها العسكرية الجديدة، وحرصت فيها على تدمير النزعة الوطنية وسلخ الهوية اليمنية من خلال مسمياتها المناطقية والقبلية، فظهر «جيش عدن أو «جيش الليوي»، الحرس الحكومي، الحرس القبلي، جيش البادية الحضرمية، الجيش اللحجي، جيش المكلا النظامي، الجندرمة القعيطية والكثيرية»، وغيرها من المسميات ذات الولاءات القبلية، ليتمكّن الاحتلال من استخدامها ضد بعضها في قمع التمردات في المحميات وإخضاع كل قبيلة بجيش أخرى، أو لإخماد أية ثورات ضد قواته المحتلة، ولم تشكل أي خطر على الاحتلال أو مناهضة تواجده في المناطق الجنوبية المحتلة.

مخطط الهيمنة العالمية وأدواتها الإقليمية
إن ما تقوم به أدوات الهيمنة الاستعمارية العالمية وما يجري على أرض الواقع في المحافظات الجنوبية المحتلة، هو امتداد لمخططات الاحتلال البريطاني القديم، الهادفة السيطرة على مناطق الجنوب الاستراتيجية عبر تشكيلات مليشيات الاحتلال السعودي الإماراتي في الوقت الحاضر في الجنوب المحتل، مثل ما تسمى النخب الشبوانية أو الحضرمية والبادية والأحزمة الأمنية في أبين ويافع ولحج وردفان والصبيحة، القائمة على المناطقية والقبلية، والبعيدة عن أي ولاءات وطنية، لاستمرارية ضرب بعضها ببعض كونها قائمة على ذلك الأساس القبلي والمناطقي، وأضيف إليها تشكيلات مرتزقتها السلفية والإرهابية وعناصرها المحلية والخارجية التي لا يجمعها ببعض أي رابط وطني غير رابط الارتزاق والولاء للخارج، في إطار سلخ وإضعاف الهوية القومية اليمنية الجامعة، بما في ذلك إعادة إحياء مسميات الكيانات السياسية التي كانت تطلقها بريطانيا على الجنوب اليمني كالجنوب العربي، وهي التسمية التي اعتمدتها بريطانيا بين 1959 و1967 مع تأسيس «اتحاد إمارات الجنوب العربي»، قبل أن تضم إليها عدن وتعدل التسمية إلى «اتحاد الجنوب العربي»، وهي نفسها التي أوعزت بها لعملائها في ما يسمى «المجلس الانتقالي الجنوبي» بتسمية كيانهم على غرارها، ككيان سياسي يمثل أبناء المحافظات الجنوبية المحتلة، وهو مطلب حقوقي يختفي خلفه هدف سياسي استعماري استغل قضية الجنوب السياسية ومطالب أبنائه الحقوقية ومعارضتهم للوحدة مع الشمال، فيما الهدف الأساسي منه هو تنفيذ مخطط الاستعمار البريطاني عن طريق أداته الإماراتية التي تحتل المحافظات الجنوبية والجزر اليمنية في محاولة منها إعادة مسميات الاحتلال البريطاني القديمة للجنوب اليمني ومناطقه التي رفضتها في حينها قيادات ثورة أكتوبر والجبهة القومية ووفدها في مفاوضات الاستقلال بجنيف عام 1967، عندما أصر على تسمية الدولة الوليدة «جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية»، ورفض مقترح رئيس الوفد البريطاني بأن تكون المفاوضات باسم الجنوبي العربي أو اتحاد إمارات الجنوب العربي، وهي تسمية الاحتلال البريطاني الرسمية لجنوب اليمن المحتل بحسب وثائق مفاوضات الاستقلال.

مملكة نجد وأطماع بني سعود في أراضي اليمن 
منذ التبني البريطاني الأمريكي لبني سعود في مطلع القرن الماضي، ودعمهم في قيام وتأسيس مملكتهم في نجد تحت رعايتهم في ثلاثينيات القرن نفسه، سعوا جميعا لتوسيع نفوذ مملكتهم، لاستقطاع أجزاء واسعة من أراضي الجزيرة العربية وفي مقدمتها الأراضي اليمنية، وضمها إلى جغرافية حليفتهم الجديدة، وبذلوا كل جهودهم وأموالهم لسعودة هويتها التاريخية وطمس معالمها الحضارية وإلحاقها بملكهم، ولم يتوانوا في استخدم كل دسائسهم ومؤامراتهم لمنع قيام أي نظام أو حكومات وطنية مناهضة لسلطتهم، ومحاربة كل الثورات اليمنية ووأدها أو إضعافها، كي لا تشكل أي خطر على أطماعهم ومخططاتهم التوسعية.

التوسع شمالا
بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وانسحاب قواتها من شمال اليمن وتسليمها للإمام يحيى، وقيام المملكة المتوكلية، دخل بنو سعود وحلفاؤهم الإنجليز في حروب مع المملكة المتوكلية، انتهت باستقطاع أجزاء واسعة من أراضي شمال اليمن وضمها إلى مملكة بني سعود وإمارة الأدارسة، بدعم سياسي وعسكري بريطاني.
لقد حاول الإمام بسط نفوذ مملكته على باقي أراضي وأجزاء اليمن الواقعة تحت الاحتلال البريطاني وكياناته جنوبا وشمالا وغربا، فخاض حروباً ضد سلاطين جنوب اليمن المرتبطين بالإنجليز جنوبا، وكان جيشه على بعد 50 كيلومتراً من عدن، قبل أن تتدخل بريطانيا عام 1928 وتقصف مدن قعطبة وتعز بطائراتها الحربية لمدة 5 أيام. فأدرك الإمام أن توقيع معاهدة مع الإنجليز أمر لا مفر منه، خصوصاً أن قوات ابن سعود بدعمه، كانت تهدد المناطق الشمالية للبلاد، بعد أن كان الإمام قد توجه في 1932 إلى مناطق قبائل وائلة ومنها إلى نجران موطن قبيلة يام، واستطاع بعد أن ناصره عدد كبير من قبائلها طرد قوات بني سعود من المنطقة، بالإضافة إلى دخوله في حروب مماثلة مع الأدارسة استعاد من خلالها مدينة الحديدة وأجزاء واسعة من الساحل الغربي بعد أن كانت بريطانيا قد احتلتها في الحرب العالمية الأولى وسلمتها لحلفائها الأدارسة، قبل أن تتخلى عنهم ويلتحقوا ببني سعود ويوقعوا معهم في 1926 اتفاقية ومعاهدة حماية عرفت بمعاهدة دارين بحضور النقيب ويليام هنري شكسبير، إثر تقدم قوات الإمام ومحاصرتها لمدينتي صبيا وجيزان، أهم مدينتين ضمن الإمارة الإدريسية، ورفضه الاعتراف بها مقابل حمايتها، بحجة أن الأدارسة المنحدرين أصلاً من المغرب العربي دخلاء على البلاد التي كانت دوما جزءاً من البلاد اليمنية التي حكمها أجداده.
هذا الموقف الحاسم من الإمام دفع الأدارسة إلى الاستنجاد ببني سعود الذين قامت دولتهم ببسط نفوذها على بلاد عسير، وهي المعاهدة التي لم يعترف بها الإمام، مما أدى إلى مواجهات واشتعال حرب بين الطرفين عام 1934 انتهت بتوغل القوات السعودية داخل الأراضي اليمنية بتحالف ودعم بريطاني، لم يكن بمقدور قوات الإمام يحيى ودولته الوليدة مواجهة هذا التحالف واستعادة أجزاء عسير، وكانت نتيجة أيضا لتوقيع الاتفاقية بين الطرفين التي عرفت واشتهرت باتفاقية الطائف عام 1934، وقد نصت المعاهدة بين الإمام والإنجليز على ضرورة تجديدها كل 40 سنة، ومع بني سعود كل 20 سنة، وكانت هذه الاتفاقية هي ما حدد حدود ما عُرف بشمال اليمن بين بني سعود في شماله، والإنجليز وسلاطين ما عُرف باليمن الجنوبي في جنوبه، ومن ضمن ما جاء في الاتفاقية أن تُضم جيزان إلى السعودية عقب وفاة الأمير الإدريسي.

الأطماع جنوبا.. سقوط التاج الإمبراطوري 
ظلت اليمن بموقعها الجغرافي المتميز محل أطماع الهيمنة الاستعمارية العالمية قديما وحديثا، وبحسب الوثائق والوقائع التاريخية فإن الأطماع الاستعمارية للاستحواذ على موقع اليمن الاستراتيجي قديمة قدم هذا البلد وحضارته الموغلة في أعماق التاريخ واستمرار تعرضه لموجات الغزو الخارجي بدءاً من الاحتلال الروماني والفارسي والحبشي والبرتغالي والعثماني وصولا إلى الاحتلال البريطاني وأطماعه بهذا البلد التي بدأت منذ القرن السابع عشر الميلادي عندما حاولت قواته العسكرية احتلال جزيرة ميون الاستراتيجية الواقعة في مدخل باب المندب، لتتوسع أطماع الإمبراطورية البريطانية باحتلال مدينة عدن في الـ19 من يناير1839، بهدف إحكام سيطرتها الكاملة على طريق الملاحة البحرية بين الشرق الغرب والتحكم بمستعمراتها في شرق وجنوب أفريقيا وغرب وجنوب آسيا انطلاقاً من موقع عدن الجيوسياسي وباب المندب وبقية الجزر اليمنية في البحرين الأحمر والعربي، إضافة إلى مناطق ما كان يسمى المحميات على ضفاف سواحل الجنوب الشرقية والغربية التي كبلتها منذ ثلاثينيات القرن الماضي بمعاهدات حماية ومسميات شتى لكيانات مناطقية وجهوية استعمارية، وهو ما أسقطته مع غيره من تلك الكيانات والكانتونات بندقية الثورة في 14 أكتوبر 1963، وراية الاستقلال وفرض السيادة الوطنية على كامل التراب في نهار 30 نوفمبر 1967.
 
استبدال الأقنعة المحلية بالعقال الخليجي
منذ اللحظة الأولى لبدء سقوط تلك الأطماع الاستعمارية وأقنعتها المحلية مع انطلاق أول رصاصة من بندقية ثوار أكتوبر المجيدة، عمدت قوى الهيمنة الاستعمارية، إلى استبدال أدواتها المحلية بأدواتها الإقليمية، فأسندت إليها مهمات وأد أي توجهات وطنية وإجهاض أي تحولات ثورية تتقاطع مع مصالحها في ذلك الركن اليمني القابع في الجنوب الغربي من القارة الآسيوية، فكان كيان بني سعود المستحدث هو الحليف الأقرب لجغرافيته والربيب المطيع للاستعمار البريطاني في تنفيذ مخططاته ومحاولة الإبقاء على أطماعه والاحتفاظ بموقعه الاستراتيجي وهيمنته العالمية على طريق الملاحة الدولية، واستمرار الاستحواذ على ثرواته الطبيعية.

سقوط مؤامرة الاتحاد الشرقي
عندما شعرت الحكومة البريطانية بدنو لحظة فقدانها تاج ملكها ودرة أطماعها (مدينة عدن)، وفشل كياناتها ومسمياتها الاستعمارية الأخرى وسقوط أقنعتها المحلية، تحت ضربات ثوار الجبهة القومية، سعت إلى أن تكون المناطق الشرقية (حضرموت والمهرة) هي البديلة للاحتفاظ بتلك الأطماع، وحاولت من خلال مخطط جديد تمثل في قيام كيان فيدرالي محلي إقليمي تحت رعايتها، وأسندت تنفيذه إلى أدواتها الإقليمية من بني سعود مع أدواتها المحلية في كل من حضرموت والمهرة، وفي الثالث من مايو 1965، تم بناءً على طلب سعودي التوقيع على إنشاء ما سمي بـ»الاتحاد الشرقي» بين كل من السلطنات القعيطية والكثيرية والمهرية، ونصت وثيقة الاتفاق الموقع بين ممثل بني سعود وممثل السلطنة القعيطية على قيام الحكومة البريطانية بمنح الاتحاد الشرقي الاستقلال الفوري، مقابل رعايته للمصالح البريطانية، ودمج الاتحاد الشرقي في اتحاد كونفدرالي مع السعودية.

سقوط الأحلام التوسعية
لم تتوقف الأطماع السعودية وحلم توسعاتها في التهام جغرافية مناطق الجنوب اليمني وتحديدا في حضرموت والمهرة، وبعد إسقاط بندقية ثورة أكتوبر المجيدة لمؤامرة قيام الاتحاد الفيدرالي ومحاولتها سلخ المناطق الشرقية عن هويتها اليمنية، حاول الملك فيصل بن عبدالعزيز ضم الجنوب إلى الأراضي السعودية، وتكشف فيه سعيه آنذاك في شراء الجنوب وفصل حضرموت عن الجنوب لضمها إلى السعودية.. وكشف عبدالقوي مكاوي في صحيفة «الجمهورية» المصرية في العدد 481 الصادر بتاريخ 23 فبراير 1967 عما سماه «مؤامرة إنجليزية سعودية لفصل حضرموت عن الجنوب وضمها للأراضي السعودية من خلال مخطط بريطاني سعودي رسم لما بعد خروج القوات البريطانية من المناطق الجنوبية المحتلة، وأسند تنفيذه لسلطان سلطنة الكثيري بحضرموت وشريف بيحان والمستشار البريطاني».
وتضمنت الوثيقة بحسب تصريح مكاوي «أن هؤلاء الثلاثة قاموا بدور كبير في تجنيد عدد كبير من أبناء القبائل في المناطق الشرقية وتدريبهم في نجران وضمهم إلى جيش المرتزقة ودعمهم بالأسلحة التي اشتراها الملك فيصل من أمريكا وبريطانيا لوأد ثورتي سبتمبر وأكتوبر في شمال وجنوب اليمن على حد سواء»، وهو ما أثار بني سعود وتدبيرهم لجريمة اغتيال أنجال عبدالقوي مكاوي الثلاثة وشقيقته بنسف منزلهم وقتل جميع من فيه، بسبب ما كشفه في تصريحاته تلك.
وكان علي السلامي، عضو مجلس قيادة جبهة التحرير، أكد تلك المؤامرة بقوله: «إن أحد السلاطين قام بزيارة السعودية وعرض على الملك فيصل أسماء أعضاء العصابة التي أشرفت على نسف منزل عبدالقوي مكاوي، مما أدى إلى استشهاد أبنائه الثلاثة وشقيقته، حيث وافق الملك فيصل على تمويلها ومنح أفرادها المنفذين مرتبات ثابتة».

منذ مطلع ستينيات القرن الماضي سعى بنو سعود جاهدين ـ وبدعم بريطاني أمريكي ـ إلى الاستيلاء على مناطق اليمن الشرقية الغنية بالنفط وإلحاقها إلى كيانها، وبعد أن اكتشفت شركة "بان أميركان" عام 1961، كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود، زاد حلم أطماعها في التوسع بضم تلك المناطق الشاسعة إليها، وبالتعاون مع حلفائهم الأمريكان تم توقيف شركة "بان أميركان" بالتزامن مع استمرار محاولات ضم مناطق ثمود والاستحواذ على ثرواتها النفطية، ووفقاً للمصادر التاريخية، فقد أوعزت الرياض لأحد تجار حضرموت الحاملين الجنسية السعودية، ويدعى "أحمد سعيد بقشان"، بالقيام بعملية شراء أراض واسعة في ثمود، وفصلها عن حضرموت وضمها إليها، إلا أن تلك المحاولات أيضا أفشلتها الجبهة القومية التي اتخذت من الكفاح المسلح خيارا وحيدا لمقاومة المحتل البريطاني ونيل الاستقلال الناجز وإسقاط مخططات الاستعمار البريطاني وأدواتهم المحلية والإقليمية واسترجاع كامل الأراضي اليمنية والثروات المسلوبة وتحقيق وحدة الشعب في إقليم يمني موحد من الغيضة إلى ميدي، وهي الأهداف الوطنية التي أثارت الهيمنة العالمية وحلفاءهم بني سعود، واعتبروا تحقيقها خطراً يهدد مصالحهم الاستعمارية، ومنذ الوهلة الأولى لقيام ثورة أكتوبر حاولت إسقاطها بشتى الوسائل والدسائس والمؤامرات، وخلال فترة الكفاح وبعد الاستقلال حاولت توطيد تواجدها العسكري في مناطق الشرورة والوديعة واستقطاع أجزاء واسعة منها، والتي مازالت تحت سيطرتها حتى اليوم، كما عمدت إلى تهجير سكانها حينا وإغرائهم بالمال حينا آخر، وأوقفت عبر أياديها الاستعمارية كافة أعمال التنقيب في تلك المناطق الممتدة من منطقة الشرورة وحضرموت وثمود والخراخير في المهرة طيلة العقود الماضية، وحرمان الشعب اليمني من استخراج ثرواته الطبيعية والنفطية الهائلة بالضغط والإغراء للحكومات اليمنية المتعاقبة حينا واستمرار محاولاتها إجهاض ووأد ثوراتها الوطنية التي كان آخرها ثورة 21 أيلول وقياداتها الثورية، بعد أن شعر بنو سعود بخطورة تهديد الثورة لتقليص نفوذها السياسي في الشأن اليمني وتمددها في جغرافيته الطبيعية التي كان آخرها تنازل نظام المخلوع صالح لها بما يقارب 300 ألف كيلومتر منها عام 2000، وإنهاء اتفاقية الطائف، بالإضافة إلى الدفع بهم كوكلاء إقليميين لوأد ثورة 21 أيلول لخطورة تهديدها لمطامع الهيمنة الاستعمارية العالمية التي تحاول اليوم استعادتها عبر طموحات أدواتها الإقليمية والمحلية لتنفيذ مصالح قوى الهيمنة ومطامعها الرئيسية القديمة والحديثة بغطاء دولي وقرارات التدخل في الشأن اليمني، تحت ما يسمى "الفصل السابع" حينا، أو بموجب ما يسمى "اتفاق الرياض" بين مرتزقة بني سعود ومليشيات أبوظبي، والذي يمنحهم حق التدخل العسكري الكامل في المحافظات الجنوبية، وهو الاتفاق الذي سقط كخدج استعماري جديد قبل أن يرى النور، وسقطت معه كل أقنعته المحلية والإقليمية وقوى الهيمنة الاستعمارية.

وجهة الأطماع العالمية وانكشاف طموحات أقنعتها الإقليمية والمحلية 
أهداف القوى الاستعمارية العالمية ومطامعها القديمة الجديدة المقنعة بطموحات دويلات الجوار الثانوية، انكشفت اليوم بجلاء مع سقوط أدواتهم المحلية المستخدمة في مستنقع صراعاتهم البينية في المحافظات الجنوبية المحتلة، وتعثرها في تنفيذ المخططات الاستعمارية، وفشل محاولات استعادة مشاريعها القديمة من جديد، فرغم حرص قوى الهيمنة على إدارة الحرب منذ بدء العدوان على اليمن وفق مصالحها ومطامعها فيه، إلا أن تلك المخططات سقطت أمام مشاريع عالمية عملاقة أولها "مشروع طريق الحرير" واتفاقيات الصيني وإيران وروسيا وأكثر من 123 دولة، وانهارت معها الطموحات الثانوية الإقليمية والمحلية وسقطت كل أقنعتها.
فخلال السنوات الخمس الماضية من العدوان جرت مياه كثيرة في أودية وشعاب اليمن، وأغرقت كل الطموحات الاستعمارية وأدواتها الإقليمية والمحلية.

خط الحرير.. عودة الشرف والألق إلى عدن
في 2013 وقعت الحكومة اليمنية عدة اتفاقيات لمشاريع استراتيجية مع الحكومة الصينة، كان أبرزها تطوير وتشغيل ميناء عدن بتكلفة تقدر بنصف مليار دولار أمريكي، وإلغاء سيطرة موانئ دبي الإماراتية على الميناء الذي جرى تجميد نشاطه بصورة متعمدة، بالإضافة إلى اتفاقيات تعاون مشتركة تعهدت الصين فيها بدعم عدد من مشاريع البنية التحتية والخدمات، ورغم أن العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي حال دون تنفيذها، إلا أن التحركات الصينية وعودة اهتمامها باليمن بعد 5 سنوات من العدوان أربكت مخططات الهيمنة الاستعمارية بعد أن كشف السفير الصيني لدى اليمن كانغ يونغ عن تطلع بلاده إلى استئناف مشاريع التعاون وتفعيل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في مختلف المجالات الاستثمارية والمشاركة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، إلى جانب الاستثمار السياحي في جزيرة سقطرى اليمنية بعد أن يعم السلام في البلاد، بالإضافة إلى التعاون بين البلدين بشكل أكبر في إطار "مشروع طريق الحرير" نظرا لموقعها الاستراتيجي وأهمية مدينة عدن وما يتمتع به ميناؤها كنقطة أساسية في الطريق التجاري الجديد إذ إنها تربط قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا بعضها بالبعض، والذي يأمل من خلاله عودة الشرف والألق إلى عدن، وتأسيس علاقة استراتيجية جديدة بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية والعلمية والتكنولوجية وإحياء العلاقات التجارية التاريخية بين اليمن والصين باعتبار أن اليمن كانت من أقدم الدول عبر التاريخ المنخرطة ضمن طريق الحرير القديم منذ القرن الثاني قبل الميلاد بشبكة الطرق البرية والبحرية التي ربطت بين الصين وأوروبا مرورا بالشرق الأوسط، بطول يتعدى 10 آلاف كيلومتر، وهو المشروع الصيني العملاق الذي تسعى بكين إلى إعادة إحيائه، وتهدف الصين من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى عبر تطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 60 بلدا وتوثيق الروابط التجارية والاقتصادية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا وتشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز وخطوط طاقة كهربائية وإنترنت وبنى تحتية بحرية، ما يعزز اتصال الصين بالقارتين الأوروبية والأفريقية، وهو المشروع الذي أثـــار حفيظـــة دول الهيمنــة الاستعمـــارية العالمية وأدواتها المحلية، وعمدت عبرها إلى تعطيل تنفيذه وعرقلته بتحالفات عدوانية جديدة.

عدن سقطرى..  في تحالف ثلاثي "إماراتي إسرائيلي أمريكي" لمواجهة الصين
أمام هذه الطموحات الصينية ومحور موقع اليمن في دائرة الصراع العالمي، عمدت قوى العدوان العالمية بعــد فشل أدواتهــا الإقليميـــة والمحلية في تحقيق مخططاتها الاستعماريــــة بصمــــود القــــــوى الوطنيـــة شمالا، وتصدع تحالفاتها وتصاعد حدة صراعاتها البينية جنوبا، إلى كشف أوراق مخططاتها وأهدافها الحقيقية من خلال فضح علاقة أدواتها الإقليمية السرية بالكيان الإسرائيلي والإعلان عنها رسميا بعد عقود من الممارسات السرية، وهو ما كشفته صحف صينية عقب إعلان دويلة الإمارات رسميا تطبيعها مع الكيان الصهيوني الغاصب، الذي قالت إنه يأتي ضمن تحالف أمني بحري ثلاثي يضم الولايات المتحدة في جزيرة سقطرى اليمنية وميناء عدن، لمواجهة الطموحات الصينية.
وأكدت صحيفة «South China morning post» الصينية، في تقرير لها، أن الولايات المتحدة تسعى بنشاط إلى الاستفادة من دورها المحوري في إقامة علاقات دبلوماسية بين "إسرائيل" والإمارات ودول خليجية أخرى بما في ذلك السعودية، وذلك بهدف تكثيف مقاومتها لمصالح مبادرة "الحزام والطريق"، مشروع طريق الحرير الصينية في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وشرق البحر المتوسط.
وأشارت الصحيفة، إلى أن الاتفاق الثلاثي، الذي أعلن على لسان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، وأشادت به إدارة ترامب باعتباره "تاريخيا"، قد تضمن في إطاره خططا لتحالف أمني بحري ثلاثي من خلال سيطرة الإمارات على جزيرة سقطرى عبر أدواتها المحلية والحصول على "امتياز الوصول" إلى ميناء عدن، بهدف تأمين المصالح الأمريكية والإسرائيلية وملاحتها التجارية عبر مضيق باب المندب، بعد أن فقدت أبوظبي امتياز الاحتفاظ بموانئ القرن الأفريقي التي أسقطتها التحركات الصينية للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية بعد أن قامت جيبوتي بطرد شركة موانئ دبي العالمية صاحبة الامتياز طويل الأمد لمحطة حاويات ميناء "دوراليه"، وباعت حصتها الاستراتيجية، إضافة لحقوق التشغيل، إلى شركة "تشاينا ميرشانتس بورت هولدنجز" (ومقرها هونغ كونغ).

"صفعة القرن".. أكبر اتفاق جيوسياسي صيني إيراني
الأكثر من كل ذلك في مسار سقوط أقنعة الهيمنة الاستعمارية العالمية تمثل في "صفعة القرن" التي منيت بها القوى الاستعمارية وأدواتها الإقليمية والمحلية ليس في اليمن فقط، بل في منطقة الشرق الأوسط، والذي كان عنوانه "العصر الصيني الروسي الإيراني" في اتفاق جيوسياسي يعد أكبر اتفاق في القرن الحادي والعشرين وقعته إيران مع الصين بشكل رئيسي ومع روسيا بشكل ثانوي، شمل اتفاقية عملاقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وهي الاتفاقية التي وصفها محللون وخبراء بأنها تدشن عهدا جيوسياسيا جديدا في العالم برمته وليس فقط الشرق الأوسط.
وتفيد الخطوط العريضة التي تسربت حتى الآن حول هذه الاتفاقية باستثمار الصين 400 مليار دولار في إيران تهم مختلف القطاعات مثل البنية التحتية من الطرق والسكك الحديدية والملاحة الجوية وتحديث الأسطول التجاري البحري وقطاع الاتصالات، ثم الاستثمارات الضخمة ستذهب إلى قطاع البترول والغاز. وفي المقابل، تحصل الصين على امتيازات في مجال الغاز والبترول، وسيكون الأداء بالعملة الوطنية لكل بلد. وعلاوة على هذا، سترخص إيران للصين بالتواجد العسكري في البلاد رفقة الروس.
وتعد الاتفاقية التي سيصادق عليها برلمانا البلدين لتدخل حيز التطبيق مفاجأة حقيقية للعالم لسببين، الأول هو ضخامة الاستثمار الصيني الذي يبلغ 400 مليار دولار على مدى 25 سنة، بمعدل 16 مليار دولار سنويا. ولا يمكن العثور في الاستثمار الدولي على استثمار من هذا النوع وبهذا الحجم. بينما يتجلى السبب الثاني في النتائج الجيوسياسية الهائلة التي ستترتب على هذا الاتفاق.
وأمام كل هذه التغيرات ومشاريع العصر الجيوسياسية تبقى الجغرافيا اليمنية صامدة في وجه الهيمنة العالمية وإسقاط كل أقنعتها الإقليمية والمحلية، وحدهم أنصار الله كحركة سياسية وطنية يخوضون معركة الكرامة والسيادة، ومعهم في ذلك أنبل وأشرف الرجال من أبناء الوطن اليمني المدافعين عن طهر وعزة أرضهم من أطهر قمة على شماريخ جباله في شماله إلى أقدس ذرات رمال في صحارى جنوبه.