لا ميديا -
عندما نأتي إلى زمننا هذا نتطلع إلى الإمام عليٍّ عليه السلام، وهو في هذا الموقع، في موقع القدوة والقيادة، وهو أيضاً في موقع النموذج الأكمل، والمصداق الأول لكل تلك العناوين والمواصفات الإيمانية العظيمة، فنرى فيه مدرسةً متكاملةً معطاءةً وغنية، نستهدي بها، نستهدي بسيرتها، نستهدي بما قدمه في مواقفه، في صبره، في عطائه، ونجد فيه النموذج الإنساني الراقي المكتمل، الذي قدمه القرآن أيضاً في صورة الإنسان، في عطائه الإنساني، وهو كما قال عنه سبحانه وتعالى، وهو يقدم صورةً من عطائه مع أصحاب الكساء: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 8-10]. وهكذا تقدمه هذه الآيات المباركة وهو في عطائه إلى هذا المستوى الذي يؤثر على نفسه في أضيق الحالات، في أشد الظروف، في أقسى الظروف، على المستوى المعيشي، فيؤثر حتى بطعامه الذي لا يمتلك غيره، يؤثر الفئات المحتاجة، من مسكينٍ ويتيمٍ وأسير، ويبقى جائعاً. هذا هو عليٌّ عليه السلام في عطائه الراقي جداً، وبإخلاصٍ عظيمٍ لله سبحانه وتعالى، ليس لأهداف أخرى، حتى على مستوى الشكور، على مستوى الثناء، على مستوى المديح، لم يسع لذلك من خلال عطائه، كان ذلك النموذج الراقي في عطائه، في إخلاصه، تجسدت حالته الإيمانية في اهتمامه بأمر الناس، واهتمامه بعباد الله، ورحمته بالمستضعفين، ودفاعه عنهم، وعطائه لهم، مع خوفٍ من الله سبحانه وتعالى، ومحبةٍ عظيمةٍ لله جلَّ شأنه، وصلةٍ إيمانيةٍ راقية، ثم كان هو ذلك الذي عندما أتت الشهادة قال كلمته الشهيرة: "فزت ورب الكعبة"؛ لأنه كان على يقين من سلامة منهجه، من صحة موقفه، كان على بصيرةٍ عاليةٍ تجاه مسيرته ومواقفه، كان يدرك أيضاً فضل الشهادة، وعظيم منزلتها، وعظيم منزلته هو فيما أداه، وفيما توفق له، وفيما كان عليه من إيمانٍ عظيم، وفيما عمل به وقدمه من العمل الصالح العظيم، وبقيت أعماله، وآثار أعماله، ممتدةً فيما قدمه، وفيما أسهم به، في رفع راية الإسلام، وفي تخليد الحق، وفي خدمة المستضعفين، ممتدةً إلى يوم القيامة.
مدرسةٌ وقدوةٌ ومنهجيةٌ نستفيدها من الإمام عليٍّ عليه السلام في مرحلةٍ نحن في أمسِّ الحاجة إلى ذلك، وكان حبه علامةً فارقةً بين الإيمان والنفاق، لهذا الدور الذي يؤديه في مستقبل الأمة، ويبقى علامةً فارقةً بين الإيمان وبين النفاق؛ لأن الإيمان في امتداده الأصيل جسَّده عليٌّ، وقدمه علي، والنفاق كان دائماً في الاتجاه المناوئ لعلي، والمعارض لعلي، والباغض لعلي، والكاره لعلي، والمستاء دائماً من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
من محاضرة السيد القائد