ترجمة خاصة / زينب صلاح الدين / لا ميديا -
سودارسان راغافان واشنطن بوست 21- مايو 2021

كانت علاقات السيسي الحميمية مع الرئيس دونالد ترامب -مع دنو مغادرته السلطة- على المحك. توعد الرئيس الحالي جو بايدن بأنه لن يكون هناك أي «شيكات على بياض» بعد اليوم؛ تقدم لـ«ديكتاتور ترامب المفضل»، محذراً السيسي بأن يحسن سجله الفظيع في حقوق الإنسان. حتى إنه في الأشهر الأربعة الأولى من رئاسته لم يتصل بايدن بالسيسي، وكان هذا تجاهلاً غير متوقع لحليف شرق أوسطي رئيسي.
بعد ذلك تفجر الصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني من جديد وانتهز السيسي الفرصة.
كانت علاقات السيسي الحميمية مع الرئيس دونالد ترامب -مع دنو مغادرته السلطة- على المحك. توعد الرئيس الحالي جو بايدن بأنه لن يكون هناك أي «شيكات على بياض» بعد اليوم؛ تقدم لـ«ديكتاتور ترامب المفضل»، محذراً السيسي بأن يحسن سجله الفظيع في حقوق الإنسان. حتى إنه في الأشهر الأربعة الأولى من رئاسته لم يتصل بايدن بالسيسي، وكان هذا تجاهلاً غير متوقع لحليف شرق أوسطي رئيسي.
بعد ذلك تفجر الصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني من جديد وانتهز السيسي الفرصة.
تعد مصر من بين القوى الإقليمية التي تملك علاقات وطيدة مع الطرفين «الإسرائيليين» وحماس (الجماعة المسلحة) التي تحكم غزة، وقد تطورت هذه العلاقات بشدة على مر السنين.
في يوم الخميس، وافقت كل من حماس و«إسرائيل» على وقف إطلاق النار الذي مثلت فيه مصر المفتاح الرئيسي للتوسط.
بدا لكثير من المحللين والدبلوماسيين أن الرابح الوحيد والواضح في المواجهة الأخيرة بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين هو السيسي.
قال مصطفى كامل السيد، وهو أستاذ في العلوم السياسية في جامعة القاهرة: «في مواجهة التصريحات المتعلقة بتراجع أهمية مصر في سياسات الشرق الأوسط، أثبت الرئيس السيسي أن مصر وهو نفسه كليهما مهمين. ولقد أظهر للولايات المتحدة أن بإمكانه أن يكون لاعباً مؤثراً على المشهد في الشرق الأوسط».
وكان صانعو القرار الأمريكي دعوا إلى تخفيض مبلغ 1,3 مليار، وهو المساعدة العسكرية التي تقدم سنوياً لمصر، في محاولة لخلق ضغط أكبر على هذه الأخيرة كي تحسن سجل حقوق الإنسان لديها. ولكن ذكر محللون أن يد مصر الآن في عقد الهدنة قد تغير الرواية في واشنطن.
وبعد الإعلان عن الهدنة أعرب بايدن عن امتنانه الشديد للسيسي وفريق الوساطة التابع له للعبهم ذلك الدور الحاسم في هذه الخطوة الدبلوماسية. وفي الساعات السابقة وخلال مكالمة هاتفية وافق كل من بايدن والسيسي على أن «يبقيا على اتصال دائم» وفقاً لبيان البيت الأبيض.
كما أنه لم يكن هناك أي ذكر في البيان لأي مناقشة حول انتهاكات حقوق الإنسان أو شن الحملات على الحرية الإعلامية والسياسية من قبل نظام السيسي.
وفي سلسلة من التغريدات يوم الجمعة، أعرب السيسي عن سعادته في تلقي مكالمة بايدن وشكره على دوره «في إنجاح مبادرة وقف إطلاق النار المصرية».
وغرد السيسي أيضاً قائلاً: «هذا يؤكد عمق وقوة العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية»، وقال إنه يتطلع إلى مزيد من التعاون.
كما وصف قادة أوروبيون وإقليميون آخرون السيسي على سبيل التقدير -في إشارة إلى مكانة مصر القديمة منذ عقود- بأنه يمثل قوة استقرار في الشرق الأوسط حتى وإن كان نظام السيسي يعتبر النظام الأكثر قمعاً في تاريخ مصر الحديث.
غرد محمد المنشاوي كاتب عمودي في جريدة الشروق اليومية المصرية مشيراً إلى حوار السيسي مع بايدن: «أعتقد أن الكسبان الحقيقي الوحيد من دائرة العنف هذه هو مصر ورئيسها (السيسي) الذي حصل على المكالمة المنتظرة بينما انتهى المطاف بجميع الأطراف باللاشيء!».
وعلى مستوى الإقليم، عززت الوساطة الناجحة مكانة مصر في وقت كانت فيه محتجبة خلف منافسين مثل السعودية والإمارات وتركيا وحتى روسيا.
في مصر، استخدم موالو السيسي وسائل التواصل الاجتماعي لشكره على قيادته وعلى دفاعه عن قضية الشعب الفلسطيني. إنه دعم هام للغاية إذ إنه أتى في الوقت الذي ينتقد فيه السيسي بشكل كبير على تدميره للأحياء كجزء من مشاريع البنية التحتية الضخمة -بما فيها العاصمة الإدارية الجديدة- وعلى عدم فعل الكثير لتخفيف فقر بلده المدقع.
كما غردت سارة أتلام مرشدة سياحية في القاهرة: «نحن فخورون جداً برئيسنا».
في السابق خاضت مصر أربع حروب مع «إسرائيل» ما بين العامين 1948 و1973. بينما في عهد السيسي تعمقت العلاقة بين مصر و«إسرائيل». إن البلدين اللذين وقعا على اتفاق سلام في العام 1979 قد عملا بشكل وثيق في القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية. وفي 2016 شكلت كل من مصر و«إسرائيل» وحماس اتحاداً غير متوقع لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سيناء الخارجة عن القانون والواقعة على الحدود مع غزة، وفقاً لمسؤولين مصريين و«إسرائيليين».
وفي الوقت نفسه، حافظت مصر على علاقاتها مع حماس لأسباب عملية. تأسست حماس في 1987 كفرع من جماعة الإخوان المسلمين -حركة إسلامية سياسية قائدها محمد مرسي الذي انتخب رئيساً في 2012 عقب ثورات الربيع العربي. وفي السنة التالية قاد السيسي انقلاباً عسكرياً أطاح بمرسي وتم إعلان الإخوان المسلمين كجماعة خارجة عن القانون.
عندها أنهت حماس علاقاتها جزئياً مع الإخوان المسلمين في محاولة لإرضاء مصر والدول العربية الأخرى التي تخشى التحديات الإسلامية التي قد تواجهها قيادتها.
وفي أوقات سابقة كانت مصر أيضاً قادرة على ممارسة الضغوط على حماس من خلال سيطرتها على حدودها مع قطاع غزة. فقد تمت دعوة مصر إلى التوسط بين «إسرائيل» وحماس للتوصل إلى وقف النار في حروبهما الثلاث الماضية.
وفي هذه المرة، سارعت مصر إلى إرسال الوساطات إلى كلا الطرفين، وشارك السيسي نفسه في مقابلة ثلاثية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والملك الأردني عبدالله في بداية هذا الأسبوع.
وعندما بدت الشروط الكاملة للاتفاق غير واضحة، قالت مصر إنها سترسل وفدين أمنيين إلى «إسرائيل» وغزة لمراقبة وقف إطلاق نار وتنفيذه.
وعد السيسي بمنح مبلغ 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة والسماح للجرحى الفلسطينيين بدخول مصر عن طريق معبر رفح الحدودي المغلق لتلقي العلاجات. وتم نقل تلك الوعود في وسائل الإعلام المصرية التابعة للحكومة لتحسين صورة السيسي وتحسين مواقفه إزاء القضية الفلسطينية.
تصدر عنوان «دعم مصر المستمر لفلسطين» في مجلة «مصر اليوم» التابعة للدولة مع صورة وطنية لوجه السيسي محاطاً بالعلم المصري. وفي يوم الجمعة، كان هاشتاج «السيسي ينقذ أهل غزة» أكثر انتشاراً في مصر.
قال السيد: «بالحصول على موافقة وقف إطلاق النار أظهر السيسي أنه متماش مع مشاعر الشعب المصري».
تعكس الرسالة تحدي السيسي: المحافظة على شراكة مع «إسرائيل» حتى إذا كان المصريون من بين شعوب العالم العربي الأكثر عدائية لـ«إسرائيل».
إن أي علاقات يتم تشكيلها مع اليهود يتم اعتبارها في إطار الخيانة للقضية الفلسطينية حتى في الخطاب العام للقنوات الفضائية الموالية للسيسي ولبعض الشخصيات الإعلامية. في مواقع التواصل الاجتماعي استنكر المصريون التطبيعات الأخيرة مع «إسرائيل» من قبل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب في ظل المبادرات الإدارية لترامب.
حتى القرارات الصغيرة المتعلقة بـ»إسرائيل» تسبب غضباً في مصر.
في نوفمبر، هرع المصريون إلى مواقع التواصل الاجتماعي كي يدينوا بشدة مغنيين مشهورين -أحدهما «إسرائيلي» والآخر مصري- على التقاطهما صورة تجمعهما معاً انتشرت بسرعة انتشار الفيروس. ومنعت نقابة الفنانين المصريين الفنان المصري من الغناء في البلد، معتبرة أنه شوه صورة مصر.
لكن من جهة أخرى تتم معاقبة المسيرات المؤيدة للفلسطينيين من قبل حكومة السيسي، إذ استهدف مؤيدي القضية الفلسطينية بمن فيهم الناشط رامي شعث الذي سجن لمدة عامين دون محاكمة عادلة، ومؤخراً تم القبض على دكتور يعالج جريحاً فلسطينياً في سيناء.
ويقول ناشطون إن السيسي -على الرغم من ترحيب وسائل الإعلام الحكومية بتعاطفه مع الفلسطينيين- إلا أنه لايزال يشارك «إسرائيل» في حصار خانق لغزة يضعف اقتصاد هذه المنطقة. قال سيث بندر مدير المناصرة في برنامج الديمقراطية للشرق الأوسط: «إن مساعدات إعادة الإعمار التي قدمها السيسي هي على الأرجح محاباة».
قال بندر: «يقدم الرئيس السيسي نفسه كداعم ومؤيد للفلسطينيين. لكن في المقابل باعتقاله لأولئك الذين دافعوا عن حقوق الفلسطينيين أو الذين أعلنوا تضامنهم معهم في الفترات الأخيرة.. يظهر النظام ألوانه الاستبدادية الحقيقية واهتمامه الضئيل -في واقع الأمر- بالفلسطينيين».