بشرى الغيلي / لا ميديا -
يقال من «ملك قوته... ملك حريته»، هذه حقيقة ماثلة وتتجلى بوضوح لاستنهاض واسترجاع الدور الزراعي الريادي لليمن الذي خضع في السابق لوصايةٍ تمنعه من تحقيق الاكتفاء الذاتي، والتركيز على زراعة الموارد سريعة النضوب والتي تجعله دائما تحت تبعية الاستيراد الخارجي، من هنا جاءت توجيهات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي للاهتمام بالزراعة وإحداث ثورة زراعية على مختلف الأصعدة، وكلية الزراعة كانت تستقبل في المتوسط 170 طالبا وطالبة في حين أن طاقتها الاستيعابية المسماة للكلية 400 طالب، هذا العزوف كانت له أسبابه كقلة الوعي لدى طلاب الثانوية بأهمية التخصص بالمجال الزراعي حسب الطلاب المشاركين بهذا التحقيق، وعدم التنسيق بين الجهات المختصة والجامعات والمعاهد وغيرها من الأسباب التي تغيرت بنسبة كبيرة مؤخرا من خلال التشبيك بين كليةِ الزراعة ومؤسسة بنيان، والذي نتج عنه الكثير، وكأول ثمارها زرع مليون شتلة عنب بأمانة العاصمة من خلال طلاب الكلية، وغيرها من الأنشطة القائمة حاليا.. الكثير من التفاصيل توضحها «لا» من خلال هذا التحقيق مع مجموعة من المختصين وطلاب الكلية، فإلى السياق.

مهندسة زراعية
رابعة عبدالكريم الخزان ـ محافظة حجة/ مستوى ثالث ـ تخصص بساتين، تقول بأن هدفها الذي تطمح لتحقيقه بعد تخرجها يتمثل في نشر الوعي والتنمية الزراعية على أوسع نطاق، ورفع اقتصاد البلد من القطاع الزراعي، وما يحقق الاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة للاستيراد يصبح البلد مصدراً على مستوى العالم، واستدلت بمقولة: «من ملك قوته ملك حريته».

فقر الإنتاج الزراعي
عبدالرحمن المؤيد ـ مستوى أول/تخصص عام، يقول إنه التحق بكلية الزراعة استجابة لدعوة السيد القائد وحثه على الاهتمام بالجانب الزراعي، ولرغبةٍ في داخله لتقوية الإنتاج الزراعي على مستوى الوطن، أما عن هدفه بعد التخرج يضيف المؤيد: تحقيق الاكتفاء الذاتي زراعيا.

خلق ثورة زراعية
عبدالعزيز محمد الأكوع تخصص عام ـ مستوى أول، يقول إن ما دفعه إلى تخصص الزراعة هو أن الوطن بحاجة ماسة للزراعة كونها العمود الفقري للبلد، وما عزز فيه روحية الاندفاع أكثر توجيهات السيد القائد للزراعة والاهتمام بها، وأن هدفه بعد التخرج خلق ثورة زراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وإعادة المجد الزراعي كما كان في عهد الأجداد.

تحقيق الاكتفاء الذاتي
عبدالرحمن الدانعي ـ مستوى أول ـ تخصص عام، يضيف إلى ما سبق من الآراء أن ما دفعه للتخصص في الجانب الزراعي توجيهات السيد القائد نحو الجانب الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وكذلك واجبه الوطني واستشعار المسؤولية الملقاة على عواتق النشء والشباب أمام الشعب وما يتعرض له من عدوانٍ سافر استهدف الحرث والنسل، ويضيف أنه يهدف بعد تخرجه إلى إيجاد آلية لخلق تنافس بين المزارعين وتحويلها إلى سقي أراضيهم من خلال وضع قنوات ري يفعلها المزارعون عبر مبادرات مجتمعية.

حاجة البلد لخبراء زراعيين
تختم هذه الرزنامة من آراء طلاب كلية الزراعة بنوك خالد محمد عبده/ محافظة صنعاء مستوى أول ــ تخصص عام، والتي تقول بأن من الأسباب التي جعلت الإقبال ضعيفا خلال الفترة السابقة عدم معرفة خريجي الثانوية العامة بأهمية هذا المجال، وابتعاد المدارس وعدم تخصيص جزء أو جانب نشاطي للقيام بالزراعة وتذكر الحضارة اليمنية القديمة في جانب الزراعة، وتفضيل الكليات الأخرى على الزراعة.
وتؤكد أنه لم يكن في السابق تواجد حقيقي لأصحاب القرار في مجال الإنتاج الزراعي، وافتقار بعض الإمكانيات التي تؤدي إلى تدريب الطالب عملياً، وعدم وجود وظائف مضمونة لهذا المجال، وتضيف أن ما دفعها لدراسة الزراعة عند سماعها لتوجيهات القيادة القرآنية في محاضرات تتحدث عن الزراعة وأهميتها، كذلك حاجة البلد لخبراء مختصين في المجال الزراعي.

إهمال الحكومات السابقة
لأهمية الموضوع تواصلت «لا» بالدكتور عادل محمد طه الوشلي ـ عميد كلية الزراعة والأغذية والبيئة بجامعة صنعاء، الذي أوضح الكثير من النقاط التي بدأها عن أبرز الإشكاليات التي كانت تعاني منها الكلية في الفترةِ السابقة وتأثيرها على ضعف الإقبال للالتحاق بالدراسةِ فيها بدايةً من تدني الوعي المجتمعي بأهميةِ الزراعة والذي يعتبر أكبر إشكالية تسببت بضعف الإقبال على الكلية، وكان ذلك انعكاسا أن اليمن واجهت إهمال الحكومات السابقة وعدم الاهتمام بالزراعة متجاهلة وجود ثراء بيئي وتنوع مناخي، وكانت قد قامت حضاراته القديمة كلها اعتمادا على الزراعة، واليمن بلد زراعي وهبه الله الكثير من المميزات، فكان لذلك أثر سلبي على مكانة الزراعة، غافلين أهمية النهوض بدور الزراعة في حياتهم بما يمكنهم من محاربةِ الجوع وبتحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء، والقضاء على الفقر بتوفير فرص العمل التي تعمل على تحسين معيشة المجتمع، وبما يمكنهم من تحقيق تنمية وبناء اقتصاد وطني قوي، وبما يؤمنهم من استقلالية للإرادة الوطنية وحرية في اتخاذ القرارات السيادية في مواجهة قوى الهيمنة العالمية.

لقاءات مشتركة لدراسة المشكلة
في جزئيةٍ أخرى أوضحها الوشلي حول انتعاش الكلية مؤخرا وتزايد الإقبال عليها بخاصة بعد ربطها مع مؤسسة بنيان في ما يخص الجانب الزراعي وظهور العديد من أوجه ومجالات التنسيق والتعاون بين الكلية والمؤسسة، يضيف أنه كان متوسط عدد الطلاب الجدد الذين يلتحقون للدراسة بالكلية سنويا 170 طالباً، في حين أن الطاقة الاستيعابية المسماة للكلية 400 طالب، وكانت زيادة عدد الملتحقين للدراسة بالكلية تمثل تحديا لرئاسة الجامعة وكل من اللجنة الزراعية والسمكية العليا ومؤسسة بنيان التنموية، مما استدعى عقد عدة لقاءات مشتركة لدراسة المشكلة ومحاولة معالجتها، وأثمر التنسيق بين رئاسة جامعة صنعاء ومؤسسة بنيان التنموية واللجنة الزراعية والسمكية العليا عن إصدار الأستاذ الدكتور القاسم محمد عباس ـ رئيس جامعة صنعاء، قراراً بتخفيض نسبة القبول إلى 60 ٪ وتمديد فترة التسجيل وزيادة الطاقة الاستيعابية إلى 600 طالب، وعملت جامعة صنعاء بالتعاون مع اللجنة الزراعية والسمكية العليا بقيادة السيد إبراهيم المداني، ومع مؤسسة بنيان التنموية بقيادة الدكتور محمد المداني، على توجيه التعليم الزراعي نحو تسليط الضوء على مؤسسات التعليم الزراعي، ومنها كلية الزراعة وأهميته وفرص العمل التي يوفرها القطاع الزراعي ومجالات الاستثمار فيه والمشاريع الزراعية الصغيرة المضمونة النجاح، فكانت حملة توعوية متميزة موجهة لجميع فئات المجتمع بمن فيهم الآباء والأمهات، لحثهم على توجيه أبنائهم للالتحاق بالتعليم الزراعي والذي تمثل الكلية إحدى مؤسساته، وقد كان لهذه الحملة الإعلامية الموجهة نحو التعليم الزراعي الدور الكبير في استعادة أهمية الزراعة ودور التعليم الزراعي إلى المكانة اللائقة في وجدان ووعي المجتمع اليمني وزيادة عدد الملتحقين بالكلية.
ويوضح الوشلي أن مؤسسة بنيان واللجنة الزراعية والسمكية العليا عملتا على الدفع بأعداد كبيرة من الطلاب من مناطق مختلفة للالتحاق بالكلية، كما أصدر أ. د. القاسم محمد عباس مبادرته بإلغاء النظام الموازي، فكان لذلك كله الأثر الكبير في وصول عدد الملتحقين للدراسة بالكلية إلى 550 طالباً، مشيراً إلى أن اهتمام مؤسسة بنيان التنموية في الدفع بدور الكلية يأتي من منطلق إيمانها بأهمية الاعتماد على منتسبي الكلية من الطلاب في العمل المجتمعي التشاركي، لذا قامت المؤسسة بتسمية أحد طلابها منسقاً عاماً للمبادرات الطلابية في مجالات العمل المجتمعي التطوعي، ويعمل على تنسيق العمل بين المؤسسة والكلية من خلال نقل أفكار للمبادرات المجتمعية في المجالات الزراعية المختلفة إلى طلاب الكلية وتنظيمهم وتوعيتهم وتحفيزهم نحو التطوع للمشاركة فيها، كما كانت مشاركة مؤسسة بنيان التنموية في المهرجان الزراعي السنوي 2020 عاملاً كبيراً في نجاح المهرجان الذي أقيم بالكلية.

تفعيل وتحفيز الطلاب
على ذكر مؤسسة بنيان توقفنا معها لتطلع القارئ الكريم حول الفكرة العامة التي قامت من خلال التشبيك مع كلية الزراعة، فأوضح ذلك المهندس وائل مهدي ـ منسق برنامج الأمانة وصنعاء في مؤسسة بنيان التنموية، الذي أوضح قائلا: اللجنة الزراعية والسمكية العليا كان لها الدور الأبرز في توجيه الاهتمام إلى كلية الزراعة، ومؤسسة بنيان التنموية تعتبر اللجنة الزراعية والسمكية العليا قائدة العمل الزراعي في اليمن ومن أهم الشركاء لها في الميدان، وكان دورنا في الكلية يتركز على تفعيل وتحفيز الطلاب والطالبات في كلية الزراعة خصوصا وفي جامعة صنعاء على المشاركة في الثورة الزراعية التي أطلقتها القيادة الثورية والسياسية، والتي تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولاحقا نهدف إلى تفعيل طلاب وطالبات الجامعات اليمنية الرسمية والخاصة، وكان لطلاب كلية الزراعة دور كبير في مبادرة غرس مليون شتلة عنب في أمانة العاصمة عبر مبادرة «جنات من أعناب»، كما تم سابقا تدريب 300 رائد تنموي في الجامعة.

قادة للتنمية الزراعية داخل الجامعة
كل هذه الجهود المشتركة بين الكلية ومؤسسة بنيان تؤتي ثمارها من خلال التعاون والتنسيق بينهما، إذ أوضح المهندس ضياء الحق العزكي ـ ضابط مشروع الجامعات والمعاهد لمؤسسة بنيان، أن مؤسسة بنيان تشتغل مباشرة مع الطلاب والطالبات بعد أن تم التنسيق مسبقاً مع رئاسة جامعة صنعاء، وعمادة كلية الزراعة، وعرفوا منهجية المؤسسة والهدف من المشروع الذي يسعى لبناء قادة للتنمية داخل الجامعة من خلال التوعية والتدريب للطلاب المبادرين، وسفراء للتنمية في مناطق سكنهم ومحل الإقامة الدائم لهم، وفتحوا بحمد الله كل الأبواب في وجه مؤسسة بنيان وأبدوا تعاونهم الكامل مع المؤسسة ومع أبنائهم الطلاب، وتساند كلية الزراعة الأنشطة التي تنفذها مؤسسة بنيان والطلاب المبادرون بتوفير القاعات والفصول والمعامل، وتساندهم بالآلات والأدوات التي يحتاجونها عند تنفيذ المبادرات الطلابية داخل جامعة صنعاء، إضافة إلى الدعم المعنوي وتشجيع الطلاب لمثل هذه المبادرات التي تخدم المجتمع وتخدم الجانب العملي التطبيقي من الدراسة في كلية الزراعة، كون أغلب ما ينفذ من أنشطة طلابية ضمن المجال الزراعي له علاقة بما يدرسه الطلاب في الكلية.

مليون شتلة عنب
تم مؤخراً تشكيل لجان زراعية من طلاب الكلية لدعم الجبهة الزراعية، عن الهدف من إنشائها عن ماهية المهام التي ستقوم بها، والمجالات التي تنشط فيها ومباشرة عملها على أرض الواقع ويوضح الدكتور الوشلي بالقول: شكلت مؤسسة بنيان لجاناً لدفع طلاب الكلية على التطوع في العمل المجتمعي ضمن فعاليات عام التطوع في العمل المجتمعي التشاركي الذي بادرت به مؤسسة بنيان التنموية، إذ وفرت هذه اللجان الفرصة لطلاب الكلية للتطوع في عديد من المبادرات بمختلف المناطق التي ينتمون إليها، وكان من أهم هذه المبادرات التي تمت على أرض الواقع مبادرة «المليون شتلة عنب» التي كان إسهام طلاب الكلية فيها متميزا.

الاكتفاء الذاتي يساعد على تحقيق سرعة الانتصار على العدوان
أما كيف يمكن أن نجعل من كلية الزراعة ذات دور جوهري وأساسي لتحقيق النهضة الزراعية المنشودة في إطار ترجمة توجيهات سيد الثورة للاهتمام بالزراعة كمدخل لتحقيق الاكتفاء الذاتي؟ يوضح الدكتور الوشلي قائلا: عندما وجه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله) بضرورة الاهتمام بالزراعة، كان خطابه موجهاً لجميع المؤسسات الحكومية المعنية والقطاع الخاص وقبلهم للمواطن اليمني بجميع فئات المجتمع، وكان خطابه توجيهياً توعوياً وتحفيزياً بإدراكه لأخطاء العهود السابقة التي ركزت على الموارد الاقتصادية القابلة للنضوب وأهملت الزراعة التي يؤثر تدهورها على استقلال الشعوب وتضع حريتها تحت سيطرة القوى الاستعمارية، ولبصيرته الصائبة بأن تحقيق الاكتفاء الذاتي عامل أساسي للصمود أمام الحصار الجائر، ويساعد على سرعة تحقيق الانتصار على العدوان، وأن الاستغلال المستدام لكنز التنوع البيئي والمناخي الذي وهبه الله لليمن يمكن به أن يتخطى باليمن من تحقيق الاكتفاء الذاتي إلى تعظيم الناتج القومي من الإنتاج الزراعي لكونه المورد الاقتصادي الأمثل الذي يجب الاعتماد عليه والذي به يمكن للدولة أن تحقق تنمية اقتصادية شاملة في الزراعة وفي العديد من المجالات الأخرى، وعلى رأسها الصناعة والتجارة.

بناء الكوادر البشرية المؤهلة
ختم الدكتور الوشلي بهذه الإضاءة المهمة بأن ربط التعليم الزراعي بخطط القطاعات الحكومية واستثمارات القطاع الخاص بالإضافة إلى العمل المجتمعي التشاركي، هو أمثل الطرق لبناء دور جوهري لمؤسسات التعليم الزراعي لكل خريج من خريجي الكلية في تحقيق نهضة زراعية مؤكدة، فعندما يكون هناك دور محدد مسبقاً لأحد المشاريع الزراعية سواء الحكومية أو بالقطاع الخاص أو بمنظمات المجتمع المدني يكون للكلية ببرامجها التعليمية دور بناء الكوادر البشرية المؤهلة وفق الخطط الزراعية للدولة، وهذا ما وعت إليه قيادة اللجنة الزراعية والسمكية العليا فعملت على إنشاء برنامج للدبلوم الزراعي (لم يبدأ بعد) اعتمد على توفير فرص عمل لخريجيه من خلال دعم مشاريع تخرجهم ومتابعتهم بتنفيذها في قراهم وعزلهم بما يحقق زيادة الوعي المجتمعي بأهمية الزراعة ودورها في تحسين معيشته، وبالمثل هناك أهمية أن يتم ربط التعليم بالكلية لمرحلة البكالوريوس وأيضا جميع الأنشطة البحثية لطلاب الدراسات العليا والأكاديميين بخطط الدولة التنموية لجميع مجالات الإنتاج الزراعي الحكومي والخاص.