ليزا جاردنر / مرافئ -
أمام البحيرة النائمة الشبيهة بالأميرة النائمة، التي تنتظر عريسها كي يُقبل ثغرها الرّطب الشّهيّ ويهبها الحياة، وُجِدَتْ منطقة «الليك ديستركت «The Lake District» شمال غرب إنجلترا في «كبمريا» «Cumbria». ولعلّنا لا نجانب الصّواب حين نقول إنّنا لا نبالغ في التغزّل بجمال هذه البحيرة الفاتنة ومائها النقيّ يتلألأ كالنجوم الساطعة في قلب السماء أو كأحجار الألماس النادر الذي يبرق بصفائه تحت أشعة الشمس الذهبية، وكأنّ الخالق رسمها لوحة فنية تجذب الفنانين وتستهويهم بسحرها، وتُلهم جميع الكتاب والمبدعين في كل أنحاء العالم. كما يمكن أن نعتبر هذه البحيرة مأوى المحبين وملجأ الحائرين التائهين من البشر.
تحدثت بصوت خافت إلى قطرات ماء البحيرة، لأصف لها جمال مدينة «إب» في اليمن؛ ذاك الجمال الإلهي الذي خلقة الله وأبدع في صنعته، فوهبَنا قطعة من الجنّة فوق كوكب الأرض. حدثتُها وقلت لها بهمسات صوتي: «دعيني أحدثكِ أيتها البُحيرة النائمة عن أرض الجنّة التي تسمّى إب». فسألتني قطرات الماء النديّة في تعجُّب: «ما دلالة اسم إب؟!». فأجبتها: «اختلف المفسرون في اسمها، فمنهم من قال إن إب عبارة مشتقة من شهر آب البهي، ويقول آخرون إن اسم إب يرجع الى كلمة الأب الحنون الذي تزوّج من الأرض وأنجب مدينة إب في أبهى حلة خلقها الله في الوجود.
إنّ هذه المدينة المنسيّة صنفها عالم الأرض المخفي من عجائب الدنيا السبع لأنّها عروس العالم، ومحور الكون. هناك في مدينة إب يختلف تلألُؤ النجوم وتباين ضوئها حسب نفحات الرّب. وقد ينفخ الله في قطرات المطر فتستحيل إلى أحجار كريمة تُلقّح الأرض وتسقي تربة إب. إنّ هذه المياه تحتضن التربة في زواج مبارك لتُنجب سهولاً وجبالاً مكسية باللّون الأخضر الخلاّب، وكأنها عقيق يماني نادر يشق الجبل ويغني مع الفنان الراحل أبو بكر سالم: وامغرّد بوادي الدور من فوق الاغصان
 وامهيج صبابتي بترديد الالحان
ما بدا لك تهيج شجو قلبي والاشجان
لا انت عاشق ولا مثلي مفارق للاوطان 
في «وادي الدور» يغرد كل شيء حتى الحجر. ستعتريك الرّهبة وستقف محتاراً ومندهشاً أمام الطرق الخضراء الملتهبة والملتوية بين جبال إب مناديا: يا قارع الطريق، أرأيت كيف تحضنني برفقٍ ملائكة الرب وتغني العذراء بحب بين ذينك السفح والوادي! هنا ينحدر العالم في صفاء ودياني ويتغذى اللون الأخضر البهي من روح القدس، لينبت أشجاراً وبشراً في هيئة ملائكة، ليصبح الجمال وصمة مميَّزة يُضفي على أهل إب وأرضها وسمائها رونقا جوهرانيٍّاً... بينما يعانق الضباب البارد السماء الزرقاء وتُقبل ندى الأمطار التربة لتُنقّيها من أي رجس أو خطيئة. كيف لا، وإب قطعة من جنة الله في الأرض! حيث ينادي اخضرار المدينة أفئدة العارفين والموجوعين بترنيمة ربانية لا يسمعها سواهم، لتقول لهم: هُبُّوا إليّ سأُعافيكم من كل أوجاكم! يا عشاق الليل والنهار هبوا إليّ لأعزف لكم لحن الحب والجمال، هنا الحضن الدافئ الأخضر الذي سيُحيي فيكم القلب المتحجّر،.. ليندمج مع اخضرار الأرض والرّوح، وينبض الحجر بدقات الحياة والنجاة، ويذوب الكلام تحت قُبلة في ثنايا أوراقي العذراء. هنا يبرز بهاء الحياه وإكسيره ونوره. حدثوني عن إب. كما ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. حدثوني عن إب، عن أبي، عن آب، حدثوني عن إب، عن الجنة المفقودة.
 عندها انحنت بحيرة «الليك ديستركت» The Lake District وقالت: خُذيني إلى إب فأنا عاشقة ولْهانة.
وهنا استيقظت الأميرة النائمة لتبحث عن حبها الدفين في بلاد العجائب، في مدينة إب.