«لا» 21 السياسي -
تكشف أرقام وزارة الدفاع الأمريكية أن واشنطن أنفقت ما مجموعه 88 مليار دولار منذ سنة 2002، على إعداد وتدريب الجيش الأفغاني. وحسب عدد من التقارير العسكرية التي سرّبت الصحافة الأمريكية بعض مضامينها، فهذا الجيش يعاني فسادا متجذرا، فضلا عن كونه «ضحية» لتقييم مفرط في التفاؤل من قبل المسؤولين الأمريكيين الذين أخفوا في بعض الأحيان أدلة تظهر الفساد المتجذر في هذا الجيش.
وقفز عدد الجنود الأفغان من 6 آلاف جندي قبل الغزو الأمريكي، وعدم وجود قوات الشرطة سنة 2003 إلى 182 ألف جندي و118 ألف رجل شرطة خلال العام الماضي، ما يعني أن 300 ألف جندي وعنصر شرطة منتشرون في مختلف الولايات، في بلد تعداد سكانه 40 مليون نسمة.
ولكن هذه الأعداد تصطدم بحقيقة تتكشف تدريجيا، وهي ظاهرة «الجنود الأشباح» التي طالما حذرت منها تقارير مؤسسات رقابية أمريكية، إذ يتم تسجيل جنود ورجال شرطة وهميين من أجل الحصول على أجورهم. كما تكشف هذه التقارير أن هناك شكا حقيقيا يحوم حول البيانات العسكرية التي تقدّم عن القوة الفعلية للجيش الأفغاني وقدرته على القتال. فقد نبه تقرير أمريكي قبل فترة بأن 60 ألفاً من ذلك الجيش هي أسماء لجنود وهميين يقبض قادة الجيش رواتبهم.
الشللية، الفساد، اللااحترافية، الولاءات المتعددة، انشغال قادة الجيش بالتجارة والتهريب، قادة الجيش الذين استرخوا طويلاً ولم يخوضوا أي قتالٍ حقيقي... بعض من أسباب هذا الانهيار السريع والمريع للجيش الأفغاني ذي الماركة الأمريكية.
لم يتم تدريب القوات الأفغانية على التعامل مع التمردات الداخلية والتعامل مع حروب العصابات، بل على صد العدوان الخارجي، واعتمدت تلك القوات تماماً على الغطاء الجوي والمعلومات الاستخبارية الأمريكية. كما اعتمد القادة العسكريون الأفغان على توصيات القائد العسكري آدم مايك مولر، التي تقضي بالاهتمام بتحصين المدن الكبرى وإهمال القرى، ومنها انطلقت حركة طالبان وشلّت طرق الإمداد، فأدى ذلك إلى عزل الجنود داخل هذه المدن ثم استسلامهم بعد أن جعلتهم السرعة التي انسحبت بها أمريكا من دون غطاء وفي حالة صدمة.
لم ينجح الجيش الأفغاني طوال هذه السنوات في تكوين سردية تجعل الجنود يقاتلون من أجلها، وأخفق في تأسيس عقيدة مستمدة من ناموس المجتمع.
إضافة لكل ذلك فقد نجحت طالبان في إيصال رسالة دعائية إلى أفراد الجيش الأفغاني، بكون قواتها هي قوات مؤهلة للقتال، ولها عقيدة قتالية مؤمنة بها، وتتعامل بمنطق ثوري لتغيير النظام القائم، مقابل الجنود الذين يقاتلون للحفاظ على هذا النظام، كما تعاملت بذكاء مع المعركة، فهي كلما اقتربت من ولاية تبدأ الاتصالات مع قادتها وزعماء العشائر هناك، وتمنحهم الأمان والوعد بعدم المساس بوضعهم.
وكمكافأة نهاية الخدمة ترك الأمريكيون مجنديهم في وجه ريح طالبان والتي بالمقابل أورثوها أسلحة بمليارات الدولارات، ومن تلك الأسلحة أكثر من 2000 عربة مدرعة بما فيها عربات همفي وما يصل إلى 40 طائرة منها طائرات بلاك هوك وطائرات هليكوبتر هجومية استكشافية وطائرات بدون طيار.