«لا» 21 السياسي -
على وقع تقدم قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية المتسارع والمهم في جبهة جنوب مدينة مأرب بُعيد توغلها فجأة وتوقفها فجأة أيضاً 
في/ عند عمق محافظة شبوة الاستراتيجية، تتقاطع خطوط المد الإقليمية والجزر الدولية هنا حيث تتفوكس الجغرافيا مصلحةً وملاحة ويتكثف التاريخ عناوين وتفاصيل، وتتمحور مكنونات استراتيجيات القوى العالمية المتنافسة، وتتحاور كانتونات تكتيكات القوى الإقليمية الصاعدة، 
وتتجلى اليمن في لحظتها الراهنة بؤرة العالم حيث تتعاضد على مركزها كل عوامل النفوذ المتضادة كما تنبثق منها جميع نتائج السيطرة المتقابلة.
في العدد الماضي من «21 أيلول السياسي» تحدثنا عن أهمية اليمن في ميدان المواجهة الدولية، خاصة في ساحة المنافسة الأمريكية الصينية في بحر العرب والمحيط الهندي. غير أن ذلك لا يغدو حصراً لتلك الأهمية أو تحديداً لكل مساحاتها الممتدة شمالاً وجنوباً ولجميع ساحاتها المتعامدة طولاً وعرضاً.
لو تتبعنا في عجالةٍ تدحرج أحداث المنطقة وحوادث الإقليم خلال الأسابيع والأيام الماضية لرأيناها تتدحرج من/ إلى الحدث اليمني بمدخلات العدوان الأمريكي السعودي، ومخرجات نصر اليمنيين الناجز غير العاجز، وهزيمة المشروع الصهيوني في المنطقة..
واشنطن تسلم «طالبان» حكم كابول وتدفع بتنظيم «داعش خراسان» لواجهة الذبح من جديد. وتوترٌ متصاعد في حدود إيران مع أفغانستان كما مع اذربيجان.. تأزيم المشهد العراقي مجدداً في ظل نتائج انتخابية غير حاسمة ومختلف عليها بالتوازي. بلينكن يلتقي السعوديين، وزيارة مرتقبة للمبعوث الأمريكي الخاص بإيران روبرت مالي إلى السعودية والإمارات وقطر عقب أيام من زيارة مماثلة لمستشار الأمن القومي سوليفان. عدوان صهيوني جديد على سورية وإعلام «إسرائيلي» يتحدث أن الهجوم الأخير نفذ من التنف، ما يعني احتمال أن الطائرات «الإسرائيلية» كان عليها المرور فوق الأردن والذي تبادل عاهله مؤخراً الحديث مع الرئيس السوري بشار الأسد كما واستقبل بعدها أمير قطر تميم بن حمد. تبع ذلك مباشرةً إقدام قوات سمير جعجع على قتل متظاهرين مدنيين محسوبين على المقاومة في بيروت وفي وضح النهار، في محاولة جادة وواضحة لتفجير حرب أهلية جديدة. تصعيد ملحوظ في الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين الأسرى داخل السجون وخارجها. معاودة العمليات الإرهابية في اليمن وتحديداً في عدن ومناطق الجغرافيا المحتلة وظهور سافر للمارينز في وادي حضرموت. واشنطن تعرض مكافأة خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات جديدة عن متورطين جدد مسؤولين عن الهجوم على المدمرة «كول» في عدن في الثاني عشر من أكتوبر 2001 أدى إلى مقتل 17 وإصابة 60 من جنود المارينز. انضمّام الصين للمرّة الأولى إلى مجموعة الدول العربية الرافضة لتمديد مهمّة فريق الخبراء بشأن اليمن في مجلس حقوق الإنسان. سعي سعودي حثيث وغير مسبوق نحو المفاوضات مع إيران في العراق وإرسال وفد أمني سعودي إلى دمشق لجس نبضها وإمكانية مساهمتها في إخراجها من المأزق اليمني كثمن للعودة السياسية إليها تزامناً مع تقدم الجيش اليمني واللجان الشعبية إلى عصب الاقتصاد اليمني في مأرب، في محاولة سعودية أخيرة وبائسة ويائسة لمنع سقوط ورقة الرياض الأقوى وتأخير إعلان نهاية هيمنة بني سعود على اليمن وبدء نظام إقليمي جديد وفشل المشروع الصهيوني في المنطقة بخسارة الحرب على اليمن حسب تقرير لصحيفة «هارتس» العبرية ختم توصيفه لما يحدث للسعودية ومن ورائها أمريكا ومن خلفها كيان الاحتلال بالقول إن «إسرائيل» لم تكن سوى وسيط بين الرياض وواشنطن يحصل على العمولة ولكنه لا يستطيع تسليم البضاعة.
في نظريته عن المحور الجيوستراتيجي للتاريخ اعتبر السير هالفورد ماكيندر منطقة الشرق الأوسط (الشرق الأدنى) إقليماً هامشياً من الناحية الاستراتيجية، واعتبر الأراضي الممتدة من جبال الأورال وبحر قزوين إلى شرق أوروبا هي قلب العالم ومحور التاريخ، ولم يدرك مثلا أن انسحاب بريطانيا من شرق السويس ومن المنطقة كان بداية غياب شمس الإمبراطورية، كما لم ينتبه أيضاً إلى دور منطقة الشرق الأوسط المركزي في تقرير تاريخ العالم منذ إمبراطورية الإسكندر المقدوني حتى إمبراطورية فكتوريا التي غابت عنها الشمس، وهذا ما يفسر الصراعات الدائمة والمستمرة في هذه المساحة الجغرافية الممتدة من جبال زاغروس غرب إيران إلى محور جبال طرطوس وحتى طبرق شرقا، ومن شمال شرق المتوسط إلى الجنوب حيث باب المندب وخليج عدن والبحر العربي وخليج عمان ومضيق هرمز الذي تطل عليه من الناحية الشرقية جبال زاغروس في إيران.
عوداً على بدء فإن نتيجة معركة التحرر والاستقلال التي يخوضها اليمنيون منذ سنوات هي التي ستحدد تاريخ المنطقة وستعيد لها دورها المحوري في تقرير مسار التاريخ الذي دشنه اليمنيون أنفسهم من مأرب وسيستأنفونه منها. وإن غداً لناظره قريب.