علي نعمان المقطري / لا ميديا -
يعتبر الهدف الأساسي والرئيسي للحملة الهجومية الوطنية الراهنة هو تحرير مأرب، المركز العدواني الأكبر ومركز ثقل الجيش العدواني كله، والمعقل الأكبر للعدوان، ومركز تجمع واحتشاد أغلب قواته العدوانية المهددة للعاصمة صنعاء ومركز الوطن المستقل وعصب الحرب الوطنية التحررية، باعتبار السيطرة على مركز ثقل الحرب يشكل نهاية حاسمة للحرب العدوانية الجارية منذ سنوات سبع.
وكانت القيادة العسكرية الثورية للوطن قد استغرقت في برامج مكثفة من البناء العسكري الشامل استهدفت تغيير التوازنات الاستراتيجية بشكل كامل من خلال الإعداد التام للمعارك الكبيرة الحاسمة التي يمكن أن تودي إلى حسم الصراع وقلب علاقات القوى على الأرض من خلال جهود تراكمية طويلة المدى، تشمل الوصول إلى خلق بنية عسكرية حربية متكاملة تكون قادرة على الرد على تحديات القوى العدوانية المتطورة والمتفوقة التي تسيطر على المجالات الجوية والبحرية والفضائية والمعلوماتية والاستراتيجية والمعنوية انطلاقا من التخطيط الطويل المدى المعتمد على عناصر الصبر الاستراتيجي ومراكمة القوى وتعزيز نقاط القوة وتجاوز نقاط الضعف والتغلب عليها واستهداف تحديد واستكشاف نقاط ضعف العدو البنيوية والضغط عليها واختراقها، وقد سارت مسيرة التحرير الوطني والصمود والمواجهة على أسس واقعية موضوعية علمية وذاتية سليمة.

أطوار مختلفة واستراتيجيات متعددة في مسيرة التحرير الوطني
قطعت المسيرة الوطنية أطوارا تدريجية مرحلية متعددة في مواجهة العدوان الحربي الشامل في ظل الحصار الشامل والعام وإعلان الحرب علينا من قبل عشرات الدول الإمبريالية الاستعمارية من أنحاء العالم التي جيشت علينا ملايين المرتزقة مباشرة وغير مباشرة وبكل القدرات والإمكانات المالية والتسليحية والتقنية والسبرانية والدعائية والسياسية والدولية.
وعشية العدوان وضحاه كانت البنية الأمنية والعسكرية مكشوفة للأعداء من كل جانب، فقد كشفت الأنظمة التابعة السابقة المرتهنة للسعودية الاستعمارية من عهد الإرياني والعمري والأحمر وإلى عهد عفاش ونظامه وما بعده من هادي وعلي محسن وحميد الأحمر، كلها قد واصلت تدمير البنية الأمنية والعسكرية الوطنية بشكل مخطط لتسهيل احتلال اليمن والسيطرة الشاملة عليه طمعا في ثرواته ومواقعه وخيراته وخوفا من قوته الكامنة ومن دوره الحضاري التاريخي.
وفي أواخر عهد صالح وهادي كانت أجواء اليمن مفتوحة تماما أمام الأعداء، من خلال تدمير الشبكات الصاروخية المدافعة عن أجواء اليمن وبحاره وحدوده البحرية والبرية، استجابة لأوامر الرجعية السعودية والإمبريالية الأمريكية ـ البريطانية ـ الصهيونية.
ولا يمكن فهم وإدراك حجم الخطر الذي كان يتهدد اليمن وسيادته وكرامته وعزته وشرفه واستقلاله إلا بالإشارة إلى طبيعة الوضع الاستراتيجي والأمني والوطني والقومي لليمن. وهناك مجموعة من الملامح الهامة التي تختزل الأخطار والكوارث التي يعانيها اليمن منذ نصف قرن، والتي كان يتجاهلها العديد من الباحثين الـ"ماولينينيين" الذين كانوا يحتلون مراكز الأبحاث والدراسات الأكاديمية والمعلوماتية والجامعات والمعاهد السياسية والاستراتيجية وكراسي الفكر الرسمي والمنافق وكانوا يتمولون من المراكز الرجعية والغربية والنظام التبعي، ويحددون ما يُقال وما لا يُقال للشعب من حقائق ومعلومات تتصل بتاريخه وحقوقه وسيادته وترابه، ويصمتون عن كل شيء أساسي خوفا من حجب العطاء والامتيازات المادية، وكانت أهدافهم تتمثل فيما يلي:
1 ـ تجريد البلاد من كل سيادتها وتكريسها طائعة خانعة أمام المستعمر السعودي الأنجلوأمريكي وتحويل الدولة اليمنية إلى مجموعة من الخدم المتلقين للمعونات من العدو الذي يحتل الأرض اليمانية منذ القرن الماضي وما يزال، والامتناع عن استخراج الثروات النفطية المتوفرة، لإبقاء الأمة فقيرة محرومة ضعيفة محتاجة يمزقها الإفقار والإملاق والحاجة والجوع والتشرد والبحث عن لقمة العيش في مختلف بلاد العالم، وتحويل الشعب وجعله أقرب إلى المتسولين، وإهدار طاقاته وقدراته ومواهبه وحقوقه على مذبح التقرب للمستعمر والغازي الأجنبي.
2 ـ فرض أنظمة زمر وطغم التسلط والفساد والانحلال والإجرام، ورعايتها وحمايتها وتمويلها وتعزيزها في وجه الشعب التواق للحرية والاستقلال والكرامة والرفاه الشريف العادل والعام اعتمادا على قدراته وثرواته، وقمع الشرفاء والوطنيين والمصلحين والزج بخيرة اليمنيين وشبابهم وأبنائهم في السجون والمعتقلات.
3 ـ نهب الثروات الوطنية النفطية والغازية والمعدنية لصالح العصابات الأجنبية الغربية والسعودية وأسيادها، وتقاسم حكام الأنظمة السابقة مع تلك العصابات النهابة للثروة. وأبسط مثال على ذلك النهب المتعاون هو التقاسم الذي كان حاصلاً من جهة عفاش وعلي محسن وعيال الأحمر مع الشركات المنتجة للنفط والغاز، تقاسم الغلال التي تذهب مباشرة إلى جيوبهم دون أن تقيد في موازنات الدولة العامة، ولا تذكر فيها سوى الرقم اليتيم الذي لا يتجاوز نصف مليون برميل فقط وإخفاء الباقي من أثمان المنتج البالغ حسب تصريحات الشيخ عبدالله الأحمر قبل وفاته مليونين ونصف مليون برميل من النفط، وكذلك صفقات بيع الغاز اليمني إلى كوريا الجنوبية لمدة عشرين سنة قادمة بعُشْر سعره الرسمي في السوق مقابل عمولة شخصية لزعيم النظام وزبانيته قدرت بعدة مليارات من الدولارات، ومثلها صفقة بيع التراب اليمني وترسيم الحدود مع المحتل السعودي مقابل رشوة بلغت أكثر من ستين مليار دولار، ذهبت إلى جييب عفاش وزبانيته، وهناك الكثير من الأمثلة في هذا المجال.
4 ـ الامتناع والكف عن الاعتماد على الذات في نفقات الدولة والحكومة، مقابل الاعتماد الكامل على حسنات السعودية وما تدفعه من نفقات وأموال إلى جيوب المسؤولين والقادة والشيوخ من المرتزقة، وتحويل مؤسسات الدولة إلى أجهزة تابعة للسفارات، وخاصة السفارتين السعودية والأمريكية اللتين يتلقون منهما التوجيهات والأوامر وتفرض عليهم المشاريع والخطط العدوانية الاحترابية الداخلية والأهلية لتمزيق وحدة اليمن.
5 ـ الكف عن الدعوات للوحدة اليمنية مع جنوب الوطن.
6 ـ تصفية كل وطني أو مصلح، بتنظيم المذابح والانقلابات الدموية البشعة، كما حصل مع الشهيد الرئيس الحمدي ومع الرئيس السلال ومع الشهيد الإمام يحيى وغيرهم من الوطنيين من قبل.
7 ـ تجنيد الجيش اليمني القديم في عهد عفاش وعلي محسن والأحمر لشن الحروب العدوانية على الشعب في صعدة والجنوب وغيرهما من مناطق الشعب الثائر الحر الرافض للتبعية.
8 ـ استنزاف أموال الوطن والدولة اليمنية عبر اختلاسها من قبل مؤسسات البيروقراطية العسكرية القبلية والتجارية الفاسدة.
9 ـ إبقاء الشعب اليمني والدولة اليمنية وموظفيها في حالة احتياج دائم وإفقار وإذلال لتسهيل السيطرة وفرض النفوذ الأجنبي السياسي والعقيدي والأيديولوجي الشامل على اليمن.
10 ـ محاربة الهوية الوطنية والإيمانية الإسلامية والعقيدية اليمنية الراسخة المستقاة من النبي الكريم ومن خليفته ووصيه الإمام علي (عليه السلام) مدينة علمه ومكمن أسراره والحريص على رسالته وفارس دعوته، وفرض دعوات استعمارية مزورة للدين، كالوهابية والسلفية السعودية ذات التوجه الإرهابي، والتي يستغلها المستعمر للسيطرة على العالم الإسلامي والعربي والتمكين للصهيونية.
11 ـ إضعاف الجيش اليمني والقوات المسلحة وتجريد الشعب من أسلحته والاتجار الشخصي بها لصالح عائلة الحكم العميل.
12 ـ التعدي على جميع القيم الوطنية والإنسانية والدينية والأخلاقية من قبل سفراء الدول الإمبريالية المسيطرة وتحولهم إلى حكام ناهين وآمرين على الحكم والدولة والجيش اليمني والحكومات وتعيين الوزراء والمسؤولين وتحديدهم يتم بالقرارات الصادرة من الرياض ومن السفارة السعودية المشؤومة. 
13 ـ التمهيد الدولي والقانوني للعدوان على اليمن وغزوه العسكري بوضع اليمن تحت البند أو الفصل السابع من قبل أنظمة التبعية الهادوية العفاشية والمبادرة الخليجية والوصاية الأجنبية ونزع الشرعية الدستورية عن اليمن واستقلاله ودولته وكرامته وشرعنة استباحته الدولية الناتوية المشتركة بقيادة الحلف السعودي ـ الأمريكي ـ الصهيوني.

كان ذلك هو الواقع التاريخي الحقيقي القائم في بلادنا اليمن عشية العدوان، وكان لا بد من مواجهته بكل تحدياته بقلب شجاع وإرادة حديدية صلبة، لا تكل ولا تهن ولا تتردد، وبإدراك شامل لكل مصاعبه ومشكلاته، وهذا ما أظهرته قيادة الثورة اليمنية الجديدة الوطنية التحررية، من صفات وخصال وقدرات وإبداعات وانتصارات وإنجازات ومواكبة للأحداث واستباق التحديات القادمة والقائمة، ولم يكن ممكنا ذلك إلا بقيادات أسطورية، ثورية، قوية، شابة، ذات عزيمة لا تلين ولا تهاب الاستعمار ومنازلته في كل الساحات والميادين، اعتمادا على ما يتوفر من إمكانيات مهما تكن بساطتها وفقرها، فليس الافتقار المادي حجة لقبول الواقع الاستعبادي الاستعماري الفاسد في ظل رعاية الله القوي الجبار القادر على كل ظالم وجبار ومستبد وباطر مهما تكن قوته وقدراته.
وقد وجد الجيش اليمني نفسه في أوضاع مازالت مزرية ولم يتجاوز بعد أوضاعه القديمة الموروثة من الحقبة السابقة التي استمرت حوالى نصف قرن من الوصاية والتبعية والتخلف والفساد والانحراف الشامل والانحلال السياسي والاجتماعي والإداري والعسكري البيروقراطي. 
ولكن بعد ثورة 21 أيلول/ سبتمبر الجديدة بقيادة حركة أنصار لله الثورية الوطنية التحرية استلمت قوى الثورة الشعبية السلطة وقيادة البلاد والقوات المسلحة، وأعادت إجراء عملية بناء شاملة لها في ظل مواجهة الحرب والعدوان والمعركة والتحديات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والدولية الشاملة.
ويمكن القول بأن التمهيد للعدوان الشامل قد جرى طوال عقود من التبعية والوصاية والسيطرة الامبريالية السعودية الأمريكية الصهيونية ومنذ العام 1970، حين وقعت حكومة الانقلاب العسكري الرجعي في صنعاء معاهدة الوصاية السعودية الدائمة على الحكم برئاسه القاضي الإرياني ومحسن العيني في جدة السعودية، وتعهدا بكل خنوع وتبعية وخضوع في معاهدة العار والذل المشؤومة تلك التي ما يزال البعض يتغزل بها شعرا ونثرا وفكرا مهلهلا بادعاء "تحقيق المصالحة الوطنية والسلام والاعتدال السياسي الزائف". 
وأعظم ما حققته الثورة الشعبية الجديدة هو تحطيم نظام الاستبداد والفساد والوصاية والخنوع والتبعية السعودية الأمريكية الصهيونية القائم آنذاك، والذي تحولت أطرافه وأجزاؤه إلى شذر مذر تسفه الأتربة ورياح العواصف، وفتحت الثورة لأول مرة الطريق واسعا أمام جميع اليمانيين، ولأول مرة منذ نصف قرن، من الأغلال والاستبداد والاستعباد والاستغلال والاستكبار إلى استعادة الكرامة الوطنية والسيادة والاستقلال والحرية، بضربة واحدة مباركة من سيوف الحق مجاهدي الوطن وثواره الأخيار يوم 21 أيلول/ سبتمبر 2014 الذي سيظل خالدا في نفوس الأحرار والثوار.
وهذ الهدف والإنجاز العظيم للشعب والوطن هو ما تريد الرجعية اليوم تجريدنا منه مجددا بوسائل الإخضاع الحربي الشامل والحصار والترويع والتجويع والإفناء، بكل ما لديها من قوى وقوات وأموال وقدرات، ولكن هيهات هيهات أن تحقق ذلك ما دام هناك أرواح تتنفس وقلوب تشعر وتحس وتحب الخير والأخيار وتكره الأعداء والشر والأشرار، وبهذه الرؤية العقيدية الحربية الواضحة، ومنها تتشكل عقيدتنا القتالية الثابتة في مواجهة العدوان.
لقد أثبت العدوان أن التعايش بين الجانبين مستحيل، فإما هو وإما نحن، وهذه أرضنا وطننا منذ مليون عام على هذه الأرض.