تقرير: نشوان دماج / لا ميديا
الـ30 من تشرين الثاني/ نوفمبر، اليوم الذي كان فيه لليمن، وللأمة العربية قاطبة، أن تحتفي برحيل آخر جندي بريطاني من عدن في العام 1967، تتويجاً لثورة الـ14 من تشرين الأول/ أكتوبر المجيدة.
 بالأمس، وبعد مرور 54 عاماً، حلت ذكرى عيد الجلاء مع محتل وقح يريد بأدواته أن يسرق تاريخ وتضحيات أمة، ويعيد إلى المشهد سلطنات غابرة اقتداء بسيده البريطاني، جاعلاً من أدواته الرخيصة تلك تتصدر المظاهرات والفعاليات في عدن وشبوة وحضرموت وغيرها من محافظات الجنوب المحتلة، فيما صوت المواطن غائب تماماً بفعل القمع و"الإرهاب" الذي يمارسه ضده تحالف الاحتلال السعودي الإماراتي ومرتزقته في شرعية العمالة ومرتزقة "الانتقالي الجنوبي". وما كان أحراها من مناسبة وأدعى استحضارها لتهتف عدن مجدداً ومعها كل اليمن من المهرة إلى صعدة: برع يا استعمار!
 فيما غاب صوت عدن وبقية محافظات الجنوب مقموعاً ومرهوباً بفعل آلة الإرهاب وسياسة التجويع التي تمارسها ضده قوات الاحتلال وحكومة الارتزاق منذ سنوات، خرج أدوات الاحتلال، أمس، في عدد من المحافظات المحتلة متصدرين التظاهرات في ذكرى عيد الجلاء، ومعبرين عن صوت سيدهم الإماراتي في مناسبة ليست لهم، بل هي ضدهم تماماً؛ مناسبة يتذكر فيها اليمنيون جنوباً وشمالاً طرد آخر جندي بريطاني، جارفة معه سلطنات عميلة، ليأتي مستعمر آخر بعد عقود من التحرر محاولاً إحياءها من جديد.
فقبل 54 عاماً من الآن، وتحديداً في الـ30 من تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، تتوجت ثورة الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 1963 باستقلال الجزء الجنوبي المحتل من أرض اليمن ورحيل آخر جندي بريطاني منه، مسقطة معه سلطنات ومشيخات وتبعات سياسات التجزئة والكيانات الاجتماعية التي زرعها الاستعمار تحت تسميات مختلفة منحت كل كيان صفة الحكم الذاتي.
ومثلما فعل المستعمر البريطاني الذي صنع السلطنات والمشيخات عام 1900، تحاول قوات الاحتلال السعودي الإماراتي اليوم إعادة تلك السلطنات والمشيخات إلى الواجهة، وإعادة كل من سيوفر لها غطاءً للمضي حد السفه في احتلال المحافظات الجنوبية وفرض سيطرتها على موانئها وشواطئها ونهب ثرواتها النفطية وتحويل شواطئها الساحرة والغنية بالثروة السمكية، وإنشاء قواعد عسكرية بالتعاون الوثيق مع العدو الصهيوني والأمريكي.
فبعد أن وجدت تلك القوات أن كل أدواتها التي عملت على تشكيلها منذ البداية، بدءاً بحكومة الارتزاق مروراً بقوات العميل طارق عفاش في الساحل الجنوبي، وليس انتهاء بـ"الانتقالي" وتفرعاته من "نخبة" و"حزام أمني" وغيرها، ها هي ذي تحذو حذو المستعمر البريطاني في السابق، باحثة لها في أسماء متحفية استعادتها من تاريخ غابر لتعيدها إلى السطح مجدداً.
التوجه الجديد، الذي تكشف خلال العامين الماضيين، يصب في إطار مساعي الرياض وأبوظبي لاستمرار احتلالهما وسيطرتهما الكاملة على المحافظات الجنوبية تحت غطاء أدوات محلية كالكيانات الاجتماعية والسياسية التابعة لها، وفي مقدمة هؤلاء شخصيات مازالوا يعتبرون أنفسهم بمثابة سلاطين.

ابن عفرار في المهرة والعولقي في شبوة
في محافظة المهرة، استعان تحالف الاحتلال بالمرتزق عبدالله بن عيسى آل عفرار، كتعبير عن إرث غابر لما كان يدعى سلطان المهرة وسقطرى، وذلك لفرض تواجد قواته المحتلة في المحافظة ومنح تواجده العسكري رضا وقبولاً مجتمعياً بعدما اتسع نطاق المناهضة الشعبية من قبل قبائل المهرة الأحرار الذين وصفوه بالاحتلال ودعوا إلى مقاومته بكل السبل.
بن عفرار لم يحظ في وقت من الأوقات بأي شعبية، سواء في المهرة أم في سقطرى، فكانت عودته كغيابه، حيث كانت القبائل له ولسيده الإماراتي بالمرصاد، حتى إن الرجل عند وصوله إلى المهرة قادماً من عدن فوجئ بحالة رفض كبيرة من قبل الشارع المهري، تمثل بإحراق الإطارات وباستقبال بارد ربما كان المحتل قد حاول تسخينه بكل ما لديه من أموال وإمكانات.
ومثلما دفعت قوات الاحتلال بابن عفرار إلى المهرة لتطويع القبائل المهرية الرافضة لها من خلال شراء المزيد من الولاءات وتحجيم دور التيارات القبلية المناهضة للتواجد الأجنبي في المهرة وسقطرى؛ دفعت الإمارات الشهر الماضي بما يسمى سلطان قبيلة العوالق، كبرى قبائل محافظة شبوة، المرتزق عوض الوزير العولقي، إلى الواجهة للعب دور قبلي وسياسي وبأموال طائلة جعلتها في متناول يده، مستغلة فشل الخونج في شبوة منذ سيطرتهم على المحافظة، أواخر آب/ أغسطس 2019، ببناء حاضنة شعبية وارتكاب العديد من الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان، مما هيأ المجتمع الشبواني في معظم المديريات، بحسب مراقبين، وبناء على ما يتم دفعه من أموال طائلة، إلى الاصطفاف مع العولقي نكاية بالخونج.
إعادة قوات الاحتلال الإماراتي للعولقي، والذي قدم من أبوظبي، تزامنت مع انسحاب تلك القوات، الشهر الماضي، من أحد معسكراتها في منطقة العلم تنفيذاً لاتفاق أبرم مع خونج التحالف، برعاية سعودية، أواخر آب/ أغسطس الفائت، ومنحت فيه قوات الاحتلال الإماراتي مهلة شهرين لإخلاء مواقعها من شبوة، لكنها رفضت الانسحاب من ميناء بلحاف الاستراتيجي، واكتفت بسحب قواتها من معسكر العلم بمديرية جردان الواقعة بالقرب من محور مديريات بيحان بالمحافظة نفسها، والتي تم تحريرها على يد أبطال الجيش واللجان الشعبية الشهر الفائت.
منذ الأيام الأولى لعودته، باشر عوض العولقي (الذي أصبح يطلق عليه سلطان العوالق) تحركاته في المحافظة وفقاً لتوجهات أبوظبي، وذلك بعقد تحالفات مع مراكز قوى قبلية وسياسية في شبوة، ليتمكن من حشد الكثير من قبائل شبوة مستغلاً الأموال الطائلة التي يمنحها لشراء ولاء تلك القبائل. لكنه، ومع كل تلميع صورته كمحرر واعد ضد قوات الخونج، صدم المجتمع القبلي بتوجهه باستدعاء قوات أجنبية إلى شبوة تحت يافطة مواجهة الخونج.
أياً كانت محاولات المحتل الجديد في استمرار بقائه عن طريق صناعة مثل تلك الكيانات المتحفية في الواقع الاجتماعي، فلن يكون بذكاء المحتل القديم الذي رحل في النهاية مذؤوماً مدحوراً. وحتى إذا تنزلنا بأنه يمتلك مثل ذلك الذكاء فإن التجربة النضالية التحررية التي خاضها الجنوب المحتل مع الاستعمار البريطاني، وما كان لأكثر السلطنات من دور مخزٍ ومتواطئ حينها مع المحتل، لن تجعله ينجح في تجريب المجرب عبر شخصيات كاريكاتورية هزيلة هذه المرة اسمها ابن عفرار أو ابن العولقي.