«لا» 21 السياسي -
الصهيونية كانت هي القوة الدافعة والمرجع الأساس للشخصيات التي وقفت وراء إشهار وتأسيس منظمة حقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 1948، ووقفت أيضاً وفي انتهاكٍ فاضح لتلك الحقوق خلف قيام الكيان الصهيوني قبل ذلك التاريخ بسبعة أشهرٍ كاملة. فيما يلي ملخص عن أبرز تلك الشخصيات الصهيونية:
 لعب الدبلوماسي الفرنسي اليهودي رينيه كاسان دوراً مهماً في الدفع بباريس للتصويت على قرار تقسيم فلسطين (181) بدلاً من الامتناع، وعمل كذلك على الدفع باليهود للهجرة إلى فلسطين وشراء الأراضي الزراعية من أجل الاستيطان. هو ذاته كاسان الذي مُنح جائزة نوبل للسلام في 1968 لدوره في صياغة ما يسمى «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان». وهو بالمناسبة من أصر على تسمية هذا الإعلان بالعالمي بدلاً من الدولي، وهو توصيف يحيل إلى عالمية التحالف اليهودي الذي كان يقوده من موقعه كممثلٍ لفرنسا في الأمم المتحدة.
 اشتهر المحامي البولندي اليهودي رافائيل ليمكين بصياغة مصطلح الإبادة الجماعية، واعتماده كاتفاقية في جمعية الأمم المتحدة كأخطر الجرائم في القانون الإنساني عام 1948، فيما كان هو نفسه عضوا في الحركة الصهيونية البولندية، وأحد داعمي المشروع الصهيوني، في تناقض صارخ بين دعوته لتجريم الإبادة الجماعية ومناصرته للصهيونية التي في جوهرها تقوم على عقيدة إبادية يلخصها شعار «أرض بلا شعب وشعب بلا أرض» الذي أباد فلسطين رمزياً قبل الشروع في تدميرها واقعاً.
 المحامي البولندي لوتر باخت اشتهر بدوره الرئيس في إدراج الجرائم ضد الإنسانية في قائمة الاتهامات في محاكمات نورنبرغ، إلى جانب صياغته للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية. عُرف أيضاً بالمشاركة في صياغة وثيقة إعلان استقلال الكيان الصهيوني. وفيما يعتبر مؤسسا لمشروع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كان يسدي النصح للصهاينة في كيفية هضم حقوق الفلسطينيين الأساسية.
 لعب الدبلوماسي والمحامي الليتواني الصهيوني جاكوب روبنسون على واجهتي الصهيونية وحقوق الإنسان، حيث ركز في بحوثه على الهولوكوست والتعويضات المترتبة عليها، وعلى تعزيز مفهوم حقوق الإنسان وسيلة للدفاع عما يسمى حقوق الشعب اليهودي العالمية والعابرة للحدود.
 أسس المحامي البريطاني الصهيوني بيتر بينينسون منظمة العفو الدولية (أمنستي انترناشيونال) في 1961 لمناصرة سجناء الرأي في العالم، وهو أيضاً مؤسس منظمة راعية للاجئين اليهود الألمان في إنكلترا قبل ذلك بثلاثة عقود، وهو أحد المدافعين عن السردية الصهيونية.
 أمن الأمريكي اليهودي جاكوب بلوستين مشاريع حقوق الإنسان الصهيونية بثروته النفطية وقربه من صناع القرار في واشنطن، وهو صاحب فكرة إحداث منصب لمفوض سام لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة حينما كان مندوبا لأمريكا في المنظمة الأممية في الوقت نفسه الذي رأس فيه اللجنة اليهودية الأمريكية، إحدى أقوى المنظمات اليهودية الأكثر تمثيلاً للأمريكيين اليهود الأثرياء.
 يلقب الحاخام البريطاني اليهودي موريس بيرلزويغ ببطل الصهاينة وبأبي صهاينة حقوق الإنسان، وهو أحد أهم مؤسسي المؤتمر اليهودي العالمي، إحدى أقوى منظمات الضغط في أمريكا. وكان بيرلزويغ ممثلاً عن ذلك المؤتمر في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وكان يحث على المطالبة بوطن قومي لليهود حقاً من حقوق الإنسان التي كان ينسبها لتعاليم التلمود وعالميتها.
هكذا وبينما تقف الصهيونية والقيم الإنسانية على طرفي نقيض، فقد يفاجأ البعض باكتشاف أن الآباء المؤسسين لمنظومة حقوق الإنسان الدولية كانوا ناشطين صهاينة شاركوا بفاعلية في تأسيس قيام الكيان الصهيوني وفي ترويج فكرة أن الإنسانية مُدينة لثلة من الصهاينة. وقد لعب هؤلاء كما يلعب أحفادهم الآن على حبلي الصهيونية والإنسانية في إطار منظومة حقوق وقوانين تمت بلورتها على مقاس اليهود، وإن أضفوا عليها صبغة العالمية من أجل هدف واحد ووحيد، هو زرع وبقاء وحماية نظام الأبارتهايد الاستعماري الاستيطاني المسمى «إسرائيل».