نشوان دماج / لا ميديا -
في ثمانينيات القرن الماضي، جرى الحديث عن تنقيبات للنفط في محافظة الجوف، وذهبت بعض الشركات الأجنبية إلى هناك واضعة دراساتها وشارعة في العمل، باعتبار أنه تم العثور على بحيرة نفطية هائلة، ليأتي الأمر بإيقاف كل شيء وعودة الشركات أدراجها ونسيان الأمر كأن لم يكن. جاء الأمر بطبيعة الحال من السفارة السعودية بصنعاء، وبشكل مباشر وفاضح يكشف إلى أي مدى كانت تلك السفارة هي الحاكم الفعلي الذي يقرر ما يقرر في اليمن؛ فأصبح الحديث منذها عن حديقة خلفية اسمها الجوف لمملكة اسمها السعودية في دولة اسمها اليمن. لم يكن الحديث اعتباطاً أو مجازاً؛ وإنما بالفعل كانت السعودية تعتبر أن أي استثمارات في الجوف تعني مساساً بنفطها ومصالحها، وبالتالي لا بد من إبقاء تلك الحديقة الخلفية على حالها دون مساس.
بمساحة إجمالية تقدر بحوالي 39,495 كم2، ظلت محافظة الجوف إلى ما قبل الوحدة أكبر المحافظات مساحة في الجزء الشمالي، وثاني كبريات المحافظات في اليمن الموحد. تحيط بها من الشمال محافظة صعدة، ومن الجنوب محافظتا مأرب وصنعاء، ومن الشرق صحراء الربع الخالي، ومن الغرب محافظتا صعدة وعمران. وتعتبر مدينة الحزم مركز محافظة الجوف التي تنقسم إلى 12 مديريّة وهي: الحزم، الخلق، خراب المراشى، خب والشعف، الحميدات، برط العنان، المطمة، المصلوب، المتون، الغيل، الزاهر، ورجوزة.
ومع أن مساحة الجوف شاسعة قياساً ببقية المحافظات، باستثناء حضرموت والمهرة، إلا أن نسبة سكان المحافظة لا تتجاوز 2% من العدد الإجمالي لسكان اليمن. كما أنه بالرغم مما تتمتع به المحافظة من ثروات هائلة ومساحة زراعية كفيلة بتحقيق الأمن الغذائي لليمن والجزيرة العربية، حسب اقتصاديين، فقد ظل حضور الدولة فيها هشاً إلى درجة الغياب، باستثناء بعض الشكليات من مكاتب حكومية منحصرة في مديرية الحزم، مركز المحافظة، ومعسكرات بآليات محدودة موزعة على مناطق متفرقة في أنحاء المحافظة مترامية الأطراف.

الجوف في زمن الوصاية السعودية
رتبت السعودية نوعاً من العلاقات الحاكمة والمتحكمة بطبيعة الحياة في محافظة الجوف، عبر شخصيات قبلية موالية واقتطاع مساحات لكل منها أشبه بالمفارز، مع مخصصات مالية سخية يتم تسليمها بالعقال السعودي، تكون مهمة تلك الشخصيات تثبيت وضع قائم يضمن لها بقاء المحافظة حديقة خلفية، أو بالأصح حظيرة خلفية.
استمر الحال طويلاً، وطويلاً جداً؛ زاد من تعزيزه الحالة القبلية السائدة في المحافظة وتأجيج الصراعات والثارات بين القبائل، وغياب الدولة كمفهوم وكمؤسسات غياباً شبه تام طيلة عقود بأكملها.
وإذا كانت محافظة الجوف قد حرمت طيلة كل أنظمة الحكم منذ قيام ثورة 26 سبتمبر، فإن النظام السابق، باعتباره الأطول مدة، لم يعمل على إنهاء مشاكل الثأر التي أرَّقت الناس هناك وضاقوا بها ذرعاً بقدر ما أنه زاد من تأجيجها خدمة لسيده السعودي، ناهيك عن أن ذلك النظام الذي استمر في الحكم طيلة ثلاثة عقود ونيف لم يعمل على إيجاد أي تنمية حقيقية في الجوف.
ولعل أقرب مثال على ضيق قبائل الجوف ذرعاً بسياسة النظام السابق وغياب الدولة عن محافظتهم طيلة عقود، ما جاء في اللقاء الموسع الذي عقده الملتقى الأول لمكونات المجتمع بمديرية الخلق في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2013، بعنوان «الرؤية المستقبلية لأبناء محافظة الجوف تنموياً واجتماعياً وسياسياً»، بمشاركة جميع مكونات المحافظة من أحزاب وتنظيمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني ووجهاء ومشائخ وجمع غفير من المواطنين ومكونات ثورية، من ضرورة أن تقوم الدولة بواجبها في إنهاء مشاكل الثأر التي أرَّقت الجميع، وكذا «ضرورة إيجاد تنمية حقيقية في الجوف التي حرمت منذ قيام ثورة 26 سبتمبر وحتى يومنا هذا» بحسب ما خرج به اللقاء الذي طالب يومها «بتطبيق سيادة القانون، وسرعة إنزال الشركات التنقيبية عن النفط والغاز»، باعتبار أن محافظة الجوف تتميز بمخزون هائل من هذه الثروة.
لكن حتى وإن تحدث البيان عن تنظيمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني، فإن الحضور السياسي والحزبي في تلك المحافظة كان مختلفاً عن غيرها من المحافظات، فالمؤتمر والإصلاح (الخونج) مثلاً، باعتبارهما أقوى الأحزاب اليمنية في المرحلة السابقة، كان حضورهما كمليشيا مسلحة في الجوف أكثر من حضورهما كحزبين سياسيين.
ومع ذلك، فإن الجوف ظلت حزبيا محافظة محسوبة على الخونج، الذين مكنتهم السعودية عبر علي محسن الأحمر من التغلغل داخل البنية القبلية الواحدة، المتمثلة في «دهم» كجامع لذو حسين وذو محمد ومن إليهما.
فناجي بن عبدالعزيز الشايف مثلا، المنحدر من ذو حسين، والذي تقلد منصب شيخ مشايخ بكيل، وهو الكيان القبلي الأكبر الذي يضم دهم وغيرها، لم يكن حضوره السياسي، باعتباره في حزب المؤتمر، يمثل في الجوف الثقل الذي يمثله أمين العكيمي الذي ينتمي لحزب الخونج. حيث كان هذا الأخير صاحب نفوذ أكبر من الشايف، حتى لو كان في الحضور القبلي أقل مرتبة منه.
كانت مديرية الحزم، مركز المحافظة، ترجمة صادقة لسيطرة الخونج أكثر من أي تنظيم آخر على محافظة الجوف. ومثلما قلنا، فإنه حتى هذا «التنظيم» لم يكن حضوره في الجوف كحزب بقدر ما كان حضوراً مليشياوياً بامتياز، فهو يتلقى أوامره من علي محسن الأحمر أكثر مما يتلقاها من اليدومي أو غيره من قادة الواجهة السياسية لـ»الإصلاح». 
وبالتالي نستطيع القول بأن محافظة الجوف، وبمباركة حثيثة من السعودية، بالإضافة إلى تخلي الدولة عن مسؤولياتها، كانت قد تُركت لحزب أو تنظيم الخونج، أو بالأصح للجناح المسلح فيه، والمتمثل في الفرقة الأولى مدرع التي شكلها علي محسن الأحمر ومثلت طيلة عقود بؤرة للتنظيمات التكفيرية والعمليات الإرهابية والتفجيرات التي كانت تحدث هنا وهناك. فكانت «الفرقة» هذه هي المتحكمة بالمحافظة وفق خطة مرسومة من قبل السعودية، وهي صاحبة العين النشطة واليد الطولى وسط الجماعات القبلية، بحيث استطاع علي محسن أن يكسب ولاء الكثير من مشايخ الجوف وضمهم إلى صفه، أو بالأصح إلى صف الريال السعودي والسلاح السعودي، حتى أصبحت كل قبيلة عيناً على أختها تقريباً، فالجميع يسبح بحمد السعودية، والجميع يستلم منها أبو عقال؛ وكلا بحسب ثمنه.
هذا بالإضافة طبعاً إلى أن السعودية طيلة تلك العقود حشدت ستة ألوية عسكرية وزودتها بعتاد عسكري متطور وجندت الآلاف من المأجورين من بينهم ثلاث كتائب للتكفيريين.

إنهم يلهثون وراء النفط اليمني
في نوفمبر 2016، وإبان حملته الانتخابية، لخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السبب الحقيقي وراء العدوان (التدخل العسكري السعودي في اليمن) تحديداً في المحافظات الغنية القريبة من حدودها، قائلا: «إنهم (السعوديون) يلهثون خلف نفط اليمن، الذي يوجد خلف حدودهم المشتركة مع اليمن، ولا شيء آخر»؛ في إشارة مباشرة إلى محافظة الجوف على وجه الخصوص.
صيف 1984، أعلنت شركة هنت الأمريكية اكتشافاً نفطياً كبيراً في «القطاع 18» النفطي الذي يمتد من مديرية خب والشعف شرق محافظة الجوف حتى منطقة صافر بمحافظة مأرب. اعترضت الرياض حينها على التنقيب وافتعلت أزمة مع نظام عفاش، بحجة أن الحدود جنوب شرق نجران ما تزال غير مرسمة. وهو ما أدى إلى انسحاب الشركة إلى منطقة صافر بمأرب، بحيث أغلقت الرياض بالقوّة قطاعين نفطيين بعد اكتشاف وجود كمّيات كبيرة من النفط فيهما غرب اليتمة، وحقلاً غازياً آخر أثبتت الدراسات امتلاكه كمّيات كبيرة من الغاز المسال.
ومنذ ذلك الحين، حرصت السعودية على إحباط أي محاولة للتنقيب، وعملت على وضع الجوف، بشكل عام، ومديرية خب والشعف بشكل خاص، تحت وصايتها، فارضة رقابة أمنية في منطقة اليتمة من خلال نشر عناصر استخباراتية من القبائل أنفسهم لمراقبة أي تحرّكات أو محاولات لاستئناف التنقيب في عدد من الحقول القريبة من المنطقة الحدودية.
كما أن «معاهدة جدة» لترسيم الحدود التي أبرمها النظام السابق مع السعودية عام 2000، شملت جزءاً كبيراً من الحدود على تماس مع محافظة الجوف. ونص أحد بنودها على عدم التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما في منطقة تبعد 40 كيلومتراً عن الحدود، إلا بموافقة كلا الجانبين، وهو ما التزمت به اليمن فيما لم تلتزم به المملكة. وتشير مصادر إلى أن السعودية منحت الحكومة اليمنية مناطق صحراوية في حضرموت واستحوذت على مناطق غنية بالنفط في الجوف ومأرب وصحراء الربع الخالي.
وبموجب «معاهدة جدة»، عمدت السعودية على مدى العقدين الماضيين إلى تغيير المعالم الحدودية المرسمة في الجوف والتوغّل داخل الأراضي اليمنية، وتحديداً في المناطق القريبة من اليتمة. ووفقاً لمصادر قبلية في الجوف، فإن الرياض استحوذت على أكثر من 20 كلم، وقدّمت العلامات الحدودية فيها وضمّتها إلى أراضيها.

بئر معطلة بقرار سعودي
منذ الثمانينيات حتى مطلع الألفية الجديدة، كان هناك اتفاق بين الحكومة اليمنية وشركة «هنت» الأمريكية للتنقيب عن النفط في محافظة الجوف، ضمن قطاع «مأرب- الجوف» النفطي، لكن العملية توقفت أكثر من مرة بسبب تعذر وصول تلك الشركات إلى المواقع المحددة في مناطق الجوف اليمنية. وتشير الروايات إلى أن زعامات قبَلية موالية للسعودية وقفت خلف منع عمليات التنقيب.
برز هذا المنع بصورة واضحة عام 2013، وذلك عندما عاودت شركة «صافر» عمليات الاستكشاف والتنقيب مستهدفة حفر أربع آبار في منطقة الخسف بالجوف، في ما يُعرف بـ»القطاع 18»؛ لكنها واجهت تصعيداً سعودياً من خلال ملف ترحيل المغتربين اليمنيين.
وأرجع سياسيون ومحللون، في حينه، أسباب توقف أعمال التنقيب عن النفط والغاز في محافظة الجوف إلى عوامل سياسية وأمنية، وأخرى مرتبطة بالتدخلات السعودية، فيما كشف مسؤولون -بينهم وزير الإدارة المحلية حينذاك علي محمد اليزيدي- عن ممارسات سعودية لمنع التنقيب عن النفط في المناطق الحدودية معها.
وفيما حُظر على اليمن القيام بأي نشاط نفطي في هذه المحافظة المتصلة بشريط حدودي مع السعودية، عبر صحراء الربع الخالي، التي تُعدُّ بحيرة نفطية واحدة، جرى استنزاف تلك البحيرة من قبل الجانب السعودي طيلة سنوات. وكشفت تقارير إعلامية عن عمليات سرقة تقوم بها السعودية للنفط اليمني من مناطق حدودية، حيث نقل موقع «أمريكان هيرالد تريبيون» -في تقرير له- عن خبير اقتصادي يمني قوله إن السعودية تسرق احتياطيات اليمن من النفط الخام في المناطق المتاخمة لها، بالتعاون مع شركة الطاقة الفرنسية العملاقة «توتال».
وأضاف الموقع -نقلاً عن خبراء اقتصاديين- أن السعودية تقوم بسرقة ما نسبته 63% من النفط الخام اليمني، بالتعاون مع مسؤولين في حكومة العميل هادي، بينهم هادي نفسه، مشيرين إلى أن السعودية أنشأت قاعدة نفطية بالتعاون مع شركة «توتال» الفرنسية في الأجزاء الجنوبية من منطقة «خراخير» بالقرب من محافظة نجران الحدودية السعودية، وتستغل النفط من آبار المنطقة.
وتحدث الموقع بأن السعودية سبق أن وقعت «اتفاقية سرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لمنع اليمن من استخدام احتياطاتها النفطية على مدى السنوات الثلاثين الماضية». وأضافت المصادر ذاتها أن «الأبحاث العلمية والتقييمات التي أجرتها شركات الحفر الدولية تُظهِر أن احتياطيات اليمن النفطية أكثر من الاحتياطيات المشتركة لجميع دول الخليج».
وكانت وثائق سرية كشفها موقع «ويكيليكس»، من ضمنها برقية سرية للسفير الأمريكي الأسبق لدى اليمن «ستيفن سيش» عام 2008، قد ذكرت امتلاك اليمن احتياطيات نفطية في محافظة الجوف، مما يجعلها واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط في المنطقة والعالم.

تسارع الخطى نحو التحرير
بعد خمس سنوات من العدوان، نفذت قوات الجيش واللجان الشعبية أولى عملياتها الفاصلة لتطهير الأرض المغتصبة، وهي عملية «البنيان المرصوص» نهاية يناير 2020، التي أفقدت تحالف العدوان ما جمعه في سنوات، فاتحة الطريق نحو تطهير واسع للأراضي اليمنية من الغزاة والمحتلين وعملائهم، وتكللت بتطهير مديرية نهم ذات التضاريس الوعرة وتحرير أجزاء من محافظتي مأرب والجوف.
هذه العملية أنهت حلم تحالف العدوان في الوصول إلى صنعاء، وفي المقابل فتحت الطريق إلى الجوف ومأرب ذات الطبيعة الجغرافية السهلة، خصوصاً مع امتلاك اليمن منظومات دفاع جوي متقدمة تكنولوجيا، التي تم الكشف عن أربع منها جرى تطويرها بخبرات يمنية بحتة.
بعدها بأقل من شهرين، وتحديداً يوم الثلاثاء 17 آذار/مارس 2020، جاءت الضربة الثانية، ليعلن متحدث القوات المسلحة العميد يحيى سريع تحرير محافظة الجوف عدا بعض المناطق الصحراوية في مديرية خب والشعف وصحراء في منطقة الحزم، خلال العملية العسكرية الواسعة «فأمكن منهم»، التي شاركت فيها القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير بأكثر من 50 عملية استهدف بعضها عمق العدو السعودي، وهو ما يشير إلى أن السعودية لم تعد قادرة على حماية عملائها على الأرض حتى على الأراضي الحدودية المكشوفة، كما يكشف تنامي قدرات «صنعاء» العسكرية التي باتت قادرة على خوض المعارك وتحقيق الانتصارات على أراض تعرف عسكريا بالرخوة.

السعودية تستميت
دفع العدو السعودي بثقله العسكري لوقف تقدّم قوات الجيش واللجان الشعبية في مديرية خب والشغف شرقي مركز محافظة الجوف، وهي المديرية الواقعة على الحدود السعودية اليمنية بمساحة 82٪ من إجمالي مساحة الجوف. ورغم بُعدها عن مركز المحافظة بأكثر من 70 كلم، تمكّنت قوات الجيش واللجان من التوغّل فيها وصولاً إلى منطقة اليتمة.
تحرير اليتمة (تبعد 20 كلم عن الحدود) بتعاون من أبناء المنطقة واتفاق مع عدد من القبائل، قوبل من الرياض بتصعيد جوي غير مسبوق عبر عشرات الغارات، ما دفع قوات الجيش واللجان الشعبية للانسحاب إلى محيط مدينة اليتمة. وبالتزامن مع استمرار الغارات العدوانية، سارعت الرياض إلى الدفع بقوات سعودية وأخرى من المرتزقة وتوزيع مبالغ مالية كبيرة على مشائخ قبليين، مطالبة بنقض الاتفاق مع قوات الجيش واللجان، ومهدّدة قبائل حدودية تحمل تابعيات سعودية بقصف قراها في حال وقوفها مع أبطال الجيش واللجان.
حالة الفزع السعودي من تقدّم قوات الجيش واللجان في منطقة اليتمة بدت واضحة، وسببها اعتبار الرياض التطوّر تهديداً خطيراً لأمنها القومي، رغم أن التقدّم حدث داخل الأراضي اليمنية. فاستخدمت المملكة سياسة الأرض المحروقة لوقف التقدّم ولاستعادة مدينة وسوق اليتمة، لإبعاد خطر اقتراب قوات الجيش واللجان من حدّها الجنوبي إلى ما بعد منطقة المهاشمة التي تبعد عن اليتمة قرابة 25 كلم.
الاستماتة السعودية لمنع تقدّم قوات الجيش واللجان في مناطق تقع على حدود التماس مع نجران، ساندتها تعزيزات عسكرية من المعسكرات التكفيرية الموالية لها في قوات العميل هادي بمنطقة البقع التابعة لمحافظة صعدة الواقعة غرب اليتمة، وكذلك وصول لواء عسكري مما سمي القوات المشتركة (تعدّ خليطاً من عناصر موالية للسعودية وأخرى موالية للإمارات) إلى اليتمة.

«فجر الصحراء» توجت تحرير الجوف وأنهت الوصاية السعودية إلى الأبد
لم يكن تحرير محافظة الجوف حدثاً عابراً، بل ضربة موجعة في قلب الكيان السعودي.
إن منطقة اليَتَمَة تكتسب أهمية استراتيجية نظراً لمرتفعاتها التي تعطي سيطرة نارية على مناطق واسعة، إضافة إلى قربها من منطقة البقع الرابطة بين محافظتي الجوف وصعدة ومن منفذ الخضراء الرابط بين اليمن والسعودية، ما يعني أن قوات الجيش واللجان أصبحت على تماس مباشر مع القوات السعودية.
في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2021، بادرت قوات الجيش واللجان الشعبية للسيطرة على عدد من المواقع في سلسلة جبال قَشعَان ووادي سِلّبَة، والتي تكمن أهميتها الاستراتيجية في إشرافها على منطقة اليَتَمَة، المركز الإداري لمديرية خَبْ والشَّعْف، وصحراء الأجاشِر الممتدة بين محافظتي الجوف ونجران.
جرى الإعداد التام لعملية «فجر الصحراء» بحيث تكون مباغتة للعدو، من حَيثُ جمع المعلومات والاستطلاع المتعدد والتغطية الجوية والضربات الأولية بأسلحة نوعية والسرعة المتطلبة والآليات الناقلة للجنود والتأمين والتموضع، وبدأت الوحدات العسكرية في تنفيذ هجومها من عدة محاور، ونجحت في إرباك العدو الذي حاول الدفع بالمزيد من المرتزقة إلى الخطوط الأمامية، فيما راح يكثف طيران العدوان من غاراته، حيث شن أكثر من ستين غارة في محاولة لإعاقة تقدم المجاهدين، لكنه فشل في ذلك.
كما شاركت قبائل الجوف بكل ثقلها وفاعليتها إلى جانب قوات الجيش واللجان الشعبية، وحضر مجاهدوها الأبطال بشكل لافت ومستمر في معركة الحرية والاستقلال، ما يثبت للقاصي والداني أن أبناء الجوف يرفضون أن تظل مناطقهم تحت سلطة الاحتلال الأجنبي، ويؤكدون بذلك موقفهم الثابت مع الشعب واليمن الحر.
لقد عانى أبناء محافظة الجوف كثيراً من التدخلات السعودية السافرة، والتي وصلت إلى جعل محافظتهم بمثابة حظيرة خلفية لكل قذارات المملكة من تكفيريين وخونج ومرتزقة، ومنعهم من حفر آبار النفط والمياه والاستفادة من المياه الجوفية وفرض التعامل بالعملة السعودية بدلاً من اليمنية في عدد من مناطق الجوف.
وفي غضون ثلاثة أيام كانت عملية «فجر الصحراء» قد تكللت بالنجاح الكامل وتوجيه ضربة قاصمة للعدو من حيث لم يكن يتوقعها على الإطلاق، فكان من نتائج العملية تحرير مساحة إجمالية تقدر بـ1200 كيلومتر مربع. 
هذه العملية النوعية لم تكن مجرد انتصار متراكم للجيش واللجان الشعبيّة إلى جانب الانتصارات السابقة، بل تعد انتصاراً تاريخياً لليمن واليمنيين، فلأول مرة في تاريخ الجمهورية اليمنية، استطاعت قوات الجيش واللجان الشعبية إثبات معنى فرض السيادة الوطنية على هذا الجزء من الجغرافيا، والذي ظل تحت الوصاية السعودية ما يقرب من ستة عقود. 
كما كان لعملية «فجر الصحراء» أن تدحر مؤامرة ما يسمى «إقليم سبأ» الذي مرّره السفير الأمريكي في مؤتمر الحوار، وتقضي على آمال وطموحات السعوديّة وَأحلام العكيمي والعرادة بالانفراد بمحافظتي الجوف ومأرب النفطيتين تحت مسمى «إقليم سبأ» في إطار المخطط التقسيمي التفتيتي لليمن والمنطقة وفق المشروع الأمريكي الصهيوني في تفتيت المفتَّت وتقسيم المقسَّم.