رئيس تحرير موقع:theblogcat
ترجمة خاصة عن الألمانية: نشوان دماج / لا ميديا -
أتذكر إحدى الأمسيات الغابرة عام 1991. كنت جالساً مع بعض الأصدقاء في مقهى SAIS نتحدث عن مستقبل الولايات المتحدة مع بضعة طلاب فائقي الذكاء، بينهم عقيد في الجيش الباكستاني، ونقيب أمريكي خدم في إحدى حاملات الطائرات، ودبلوماسي إسباني: اتفقنا على أن «النظام»، إذا جاز القول، كان مثالياً، وأن الولايات المتحدة لن تنهار إلا إذا تعرضت لصدمة خارجية عنيفة. لقد اتفقنا جميعاً على أن التوليفة المشكلة من أفضل ماكينة دعائية في التاريخ، ومن الانشداه لساعات أمام التلفاز، وأخيراً من جهاز قمعي فعال للغاية، ستفضي إلى دكتاتورية شبه تامة: نظام لن يؤدي إلا إلى وهم الديمقراطية وسلطة الشعب. 
لاحقاً، في 2017، قرأت كتاب JM Greer الرائع (Twilight's Last Gleaming). وأريد أن أقول إن هذا الكتاب هو أحد أفضل الكتب التي تحدثت عن انهيار الولايات المتحدة مستقبلاً، حتى لو كان مجرد رواية (مكتوبة بشكل رائع). لأنه يوضح ببراعة الحالة الذهنية التي يمكن أن تجعل من قوة عظمى مزعومة في وضع سيئ للغاية.
بالنسبة لي كان كل ذلك منطقياً، ولكن فقط لأنني أنا وأصدقائي في SAIS لم نكن لنفكر في أن التسمية الأمريكية ستنتحر على المستوى الوطني وتؤدي إلى انهيار الإمبراطورية الأنجلوصهيونية.
لكن ذلك هو ما حدث بالضبط. فمتى بدأ كل هذا؟
هناك الكثير من الإجابات الممكنة على هذا السؤال. يقول البعض إن الأمر بدأ باغتيال كينيدي. ويشير آخرون إلى كلينتون، الذي جلبت رئاسته إلى العالم سياسة من الإمبريالية المسلحة؛ كانت تلك الإدارة أيضاً أول من شهد خروجاً كبيراً من قبل المحافظين الجدد (العديد منهم كان قد تسلل إلى الحزب الجمهوري في عهد ريغان). بعد ذلك كان ثمة الحادي عشر من سبتمبر وما نجم عنه من حرب عالمية على الإرهاب (GWOT). وكما قلت، هذه الأمور كلها مرشحة للإجابة على السؤال، وهناك الكثير غيرها.
أما وجهة نظري الشخصية فهي أن بداية الانهيار الكبرى قد حدثت في عهد باراك أوباما، ذلك الرئيس الضعيف حقاً والذي كان من الممكن أن يكون تاجر خردوات غير مسبوق، أما رئيساً فإنه كان فاقدا السيطرة على بلده وحتى على إدارته. ففي عهده رأينا ذلك الفراغ في القمة، مما أدى إلى قيام العديد من الجهات (وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وكالة المخابرات المركزية، البنتاغون، إلخ) بتطوير «سياستها الخارجية» الخاصة، والتي أوجدت فوضى كاملة على جبهة السياسة الخارجية. وغني عن القول بأن إشراك أولئك الساخطين، مثل هيلاري كلينتون أو سوزان رايس أو سامانثا باور، لم يكن مجدياً.
منذ انتخابه، أصبح من الشائع شعبياً إلقاء اللوم على دونالد ترامب في كل ما صار يحدث في عهده من أخطاء. صحيح، هناك الكثير من اللوم يقع عليه. لكن ما يتجاهله الكثيرون هو أن جل ما حدث في عهد ترامب كان قد بدأ مع أوباما! وحين يقول ترامب إنه ورث فوضى رهيبة، فهو محق تماما. غير أن ذلك لا يبرر إسهامه هو أيضا في الفوضى والانهيار!
وفي الحقيقة، فإن الفارق الأبرز بين كل من أوباما وترامب هو أن الأخير لم يقم بشن أي حرب فعلية. نعم، هدد بشن هجمات عسكرية على عدد من البلدان (وهي جريمة بحد ذاتها بموجب القانون الدولي)، لكنه لم يصدر أمراً بشن أي هجوم كبير (حاول فقط شن ضربات رمزية للغاية وغير فعالة كلياً على سوريا). أكرر الرجل هو أحد الرؤساء الأمريكيين القلائل الذين لم يرتكبوا أي جريمة عدوان، والتي هي أكبر جريمة ممكنة بموجب القانون الدولي، حتى قبل الجرائم ضد الإنسانية بل جرائم الإبادة الجماعية، لأن جريمة العدوان «تتضمن في داخلها شرا متكدسا»، بحسب ما استخدم المدعي العام الأمريكي (وقاضي المحكمة العليا الأمريكية) من كلمات في محاكمات نورمبرغ. ولهذا السبب وحده كنت سأقترح على أي شخص محترم أن يقدمه على بايدن (الذي بطبيعة الحال لم يكن سوى شاغل مكان بالنسبة للرئيسة هاريس ودمية لعصابة كلينتون). وإذا كان ضميره لا يسمح بالتصويت لترامب فلا يصوت لأحد. أما التصويت لصالح بايدن فأمر لا يمكن تصوره بالنسبة لأي شخص نزيه، على الأقل بحسب رأيي المتواضع.
لقد حدث في عهد ترامب شيء مذهل تماما: ففيما كان هو وإدارته في الخارج منشغلين بضرب إمبراطوريتهم، كرس الديمقراطيون كل طاقاتهم ومواردهم لضرب ترامب. وهنا يود المرء أن يعيد صياغة اقتباس من الكاتب الروسي زينوفييف: «كان هدفهم موجهاً نحو ترامب، لكنهم أصابوا الولايات المتحدة» (يدور اقتباس زينوفييف حول مزاعم معاداة السوفيت، والذي يمكن ترجمته هكذا: «لقد استهدفتم الشيوعية، لكنكم أصبتم روسيا»).
ما حدث بعد ذلك هو ما لم يستطع أحد تخيله، لا أصدقائي في مقهى SAIS ولا أنا: أن النخب الحاكمة في الولايات المتحدة أقدمت على الانتحار.
يحدث الانتحار عادة على ثلاث مراحل: قرار الانتحار، الفعل نفسه، ثم الموت. وإذا قبلنا أن قرار القيام بتصرف لا يمكن وصفه إلا على أنه انتحار كان قد تم اتخاذه في وقت ما في عهد أوباما، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو أين نحن الآن؟ بمعنى آخر: هل الإمبراطورية قد ماتت بالفعل أم أنها لاتزال في حالة احتضار؟
لقد طرحت على نفسي هذا السؤال من جديد، وذلك عندما أدركت فجأة أنني ربما قد حددت الموعد الدقيق لانهيار الإمبراطورية: 8 يناير 2020.
ما الذي حدث في ذلك اليوم؟ بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة (في 3 كانون الثاني/ يناير 2020)، شن الإيرانيون عملية انتقامية بالصواريخ على عدة قواعد أمريكية في العراق. وبحسب البيانات الأمريكية، كانت هناك إصابات طفيفة، وهو أمر محتمل جداً، نظراً لأن الإيرانيين كانوا قد حذروا الولايات المتحدة عبر وسطاء آخرين من أنهم سيفعلون ذلك. هذه الحجة تم استخدامها من قبل ترامب ومؤيديه للقول بأن الرد الإيراني كان فاتراً وغير فعال ويمكن تجاهله كلياً.
وبحسب رأيي، فإن اللحظة التي أصدرت فيها إدارة ترامب ذلك البيان كانت بمثابة شهادة وفاة للإمبراطورية. لماذا؟
أولاً، لأن العدد المنخفض للضحايا الأمريكيين (والذي ربما يكون أعلى من الرقم الرسمي حيث هكذا تم التعامل مع الجنود الأمريكيين في دول عدة) يشير فقط إلى حقيقة أن الإيرانيين استراتيجيون فائقون: فلقد كانوا يدركون أن قتل الكثير من الجنود الأمريكيين يجبر ترامب على عمليات انتقام عنيفة، وبالتالي قرروا عدم قتل هؤلاء. وبدلاً من ذلك، جعلوهم جميعاً يتحسسون رؤوسهم. كيف؟
لننظر في الأمر: لقد أظهرت الضربة الإيرانية للعالم كله أمراً لم يكن معظم الناس على دراية به: وهو أن الصواريخ الإيرانية (الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز) أكثر دقة مما كان يُعتقد حتى ذلك الوقت. في الواقع، من الواضح أن لديهم نوعاً من توجيه الأهداف. ببساطة، لقد أثبت الإيرانيون أنهم يستطيعون بدقة متناهية إطلاق رأس حربي يحتوي على مئات الأرطال من المتفجرات إلى أي مكان في الشرق الأوسط تقريباً. في هذه النقطة من الحديث، سينهض كل أحمق راسخ في الحمق ملوحاً بخرقة العلم على الفور وقائلا شيئاً من هذا القبيل:
«وماذا إذن؟! إذا تجاوز هؤلاء الزنوج المغبرون الخطوط الحمراء، فإنهم يعرفون أن بإمكاننا قصفهم بكثافة! هؤلاء اللعينون، يمكننا حتى إعادتهم إلى العصر الحجري! وإذا ما حاولوا، فسيرون ما الذي يمكن لغضب الأمة الأقوى في العالم، ذات الجيش الأقوى في التاريخ، أن يفعله بمجموعة رعاع نصف متعلمين، لول! ولنر ما إذا كان «الله» سينقذهم!».
بصرف النظر عن كل تلك الاكلشيهات الجاهلة التي عادة ما يقوم ببثها أولئك الأشخاص، فإن هذا «المنطق» (استخدم المصطلح هنا بشكل ليبرالي) يستند إلى خلل تحليلي كبير: لقد تعايش الإيرانيون مع هذا التهديد منذ عام 1979 واعتادوا عليه. ليس ذلك فحسب، بل يعرفون جيداً أن ذلك إنما هو تهديدات فارغة. بالتأكيد، يمكن للولايات المتحدة أن تفعل بإيران ما فعلته «إسرائيل» بلبنان إبان «النصر الإلهي» عام 2006، أو ما فعله الناتو بصربيا إبان حرب كوسوفو (1998-1999): قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية للبلاد عقاباً لهؤلاء المدنيين على دعمهم الحكومة «الزائفة» (أي غير المعتمدة من الولايات المتحدة). لكن لو أن العم سام فعل بإيران ما فعلته إسرائيل بلبنان، فإن النتيجة ستكون واحدة: سيعيد الإيرانيون بناء ما دمرته الحرب (وهم بارعون في ذلك) وسيعودون أقوى مرتين. وكلما زاد عدد الشهداء، ازدادت مقاومة الشعب الإيراني قوة. 
في نهاية المطاف، فإن رؤساء الولايات المتحدة ومستشاريهم يدركون جيداً الوضع الحالي للجيش الأمريكي: إنه جيش لا يمكنه حتى أن يربح صراعات بسيطة، جيش محطم بشكل ميئوس منه بسبب أيديولوجيات ليبرالية غير منطقية، جيش معظم أساطيله العائمة قد عفا عليها الزمن بسبب صواريخ تفوق سرعة الصوت (والتي يبدو أن الإيرانيين يشتغلون عليها هم أيضاً!)، جيش أنفقت قواته الجوية مبالغ فاحشة كل الفحش لتطوير طائرة مقاتلة مزعومة من فئة «الجيل الخامس»، أقل شأنا في نواح كثيرة حتى من طائرات الجيل الرابع المستخدمة أمريكياً!
خلاصة القول: إن المزاعم بأن الولايات المتحدة لم تقم بأي أعمال انتقامية فقط لأنها غير مهتمة، أو أن الولايات المتحدة غير مهتمة لأن «بوسعنا طمسهم بأسلحة نووية»، هي في العادة بمثابة هراء شعبي لا علاقة له بالعالم الواقعي (وللمرء أن يتخيل فقط العواقب السياسية للولايات المتحدة، التي لا تحظى بأي شعبية على الإطلاق، بعد ضربة نووية، بخاصة ضد دولة لا تمتلك سلاحا نوويا).
حسناً، فلماذا لا تقوم الولايات المتحدة بممارسة الانتقام؟
بكل بساطة لأن العم سام ليس لديه ما يلزم لمواجهة إيران. سحقاً، بل إن العم سام لا يستطيع حتى مواجهة فنزويلا(!)، البلد الضعيف للغاية والذي يقع على أعتاب الولايات المتحدة. من الإنصاف القول بأنه إذا ما خلص هذا الرئيس أو الرئيس القادم إلى أن على الولايات المتحدة «مهاجمة دولة صغيرة قذرة ورميها عرض الحائط، فقط لإثبات أننا نعني ذلك بجد»، فإنني أوصي بغرينادا. أعلم أن غرينادا كانت عام 1983 غير محمية في الأساس (اللهم إلا من قبل عدد قليل من المهندسين الكوبيين ذوي التسليح البسيط)، الأمر الذي استدعى مجيء الفرقة 82 محمولة جواً لإنقاذ القوات الخاصة الأمريكية المغلوب على أمرها ولا تفقه شيئاً، والتي كانت تحت مرمى النيران، لكنني أعتقد أن البنتاغون كان لديه منذ عام 1983 وقتا ليتعلم «بعض الدروس»، وأن الولايات المتحدة على ما يبدو كان لديها القدرة حينها على احتلال الجزر العشرين تلك، دون أن تعيد تكرار واحدة من أسوأ كوارث التاريخ العسكري.

خلاصــة
لقد ماتت الإمبراطورية في اليوم الذي هاجم فيه الإيرانيون تلك المنشآت الأمريكية ولم تفعل الولايات المتحدة شيئاً على الإطلاق. فما الذي رأيناه منذ ذلك اليوم؟

- يقوم العراقيون ببطء، إنما وبثبات، بطرد القوات الأمريكية من العراق.
 - عدد الهجمات على القوات الأمريكية في العراق يتزايد بشكل كبير، بما في ذلك الهجمات على مجمع المخابئ الأمريـــكي الضخم المعروف باسم «المنطقة الخضراء» والتي لـــــم تعد «خضراء» على الإطلاق.
 - الإيرانيون ماضون في سخريتهم من العم سام.
 - فشل الولايات المتحدة في تجديد العقوبات ضد إيران في مجلس الأمن الدولي، وإعلان روسيا استعدادها بيع منظومة إس 400 لإيران. يمكن أيضاً احتساب الصين ضمن سوق الأسلحة الكبير هذا.
- تراجع الولايات المتحدة أيضاً في سوريا، حيث أصبحت الهجمات ضدها أكثر خطورة (كما أن الاشتباكات المنتظمة مع القوات البرية الروسية في سوريا أصبحت هي أيضاً ظاهرة خطيرة للغاية).
- في اليمن، انتصر الحوثيون المدعومون من إيران في الحرب، وهزموا السعودية والولايات المتحدة.
- في أفغانستان، بقيت الولايات المتحدة و»تحالف الخاسرين» لفترة أطول من السوفييت ولم يحققوا سوى هزيمة كاملة ومذلة للغاية. إن التناقض بين أداء الجيش السوفيتي المكون من أربعين فرقة (ضعيفة التجهيز ومتوسطة القيادة) وما حققه المحترفون الأمريكيون المجهزون ببذخ (ولكن أيضاً تحت قيادة سيئة) هو أمر مذهل تماماً على كافة المستويات. غير أن الأهم من ذلك، هو كم من المرافق راح السوفييت يشيدونها في أفغانستان (حتى تلك التي ظلت الولايات المتحدة تستخدمها على الدوام!)، لقد قام العم سام بتدمير كل شيء، إلا تجارة الأفيون...
بكلمات أخرى، كل شيء يسير بالضبط وفقاً للخطة الإيرانية المعلنة لطرد الولايات المتحدة كلياً من الشرق الأوسط. أعلم أن هذا يبدو غير وارد في الوقت الحالي، لكن فضلاً أعدوا قائمة بكل الأشياء التي يُفترض أنه «لا يمكن تصورها» والتي حدثت منذ ذلك الحين، وسترون مدى خطورة افتراض أن شيئاً من هذا لن يحدث أبداً.
عندما قامت جورجيا بمهاجمة قوات حفظ السلام الروسية في تسخينفالي، كانت الخسائر قليلة أيضاً، لكن روسيا قامت على الفور بمهاجمة الجيش الجورجي وهزمته في ثلاثة أيام، على الرغم من تفوق عددهم (على الأقل في المراحل الأولى من الهجوم المضاد) ومن ردة الفعل البطيئة (نموذج للضعف الروسي). كانت رسالة الهجوم الروسي المضاد بسيطة: هاجموا أي قاعدة روسية أو اقتلوا جنودا روسا وستُقتلون: في كل مرة يُقتل فيها جندي روسي في سوريا، يرد الروس بصواريخ قوية وبغارات جوية. في حالات أخرى، قامت وحدات سبيتسناز الروسية بشكل متعمد بقتل قادة تكفيريين. والجميع «فهموا الدرس»، حتى الأتراك، الذين لم يستطيعوا إيقاف الروس من تقليص مناطق سيطرتهم في سوريا إلى إقليم واحد كان تحت سيطرتهم ذات مرة.
ضعوا في الاعتبار أن روسيا ليس لديها رغبة في أن تصبح إمبراطورية أو حتى قوة عظمى (فالروس يعرفون كم هي سيئة كل إمبراطورية بالنسبة للبلد الذي عليه أن يستضيفها: فلقد عانوا لأكثر من 300 عام من حالة «الإمبراطورية» السامة هذه، ولديهم ما يكفي بهذا الشأن)! ليس سوى هيلاري الغبية وبريجنسكي الأكثر غباءً هما اللذان مازالا يعتقدان بأن روسيا تريد «إعادة بناء الاتحاد السوفيتي»؛ فيما سياسة بوتين كانت تهدف في الحقيقة إلى الانفصال عن المحيط الروسي السابق، والذي لم يكن سوى إهدار لموارد روسيا بشكل هائل، ولم يجلب لها أي شيء مفيد على الإطلاق (ناهيك عن منظمة حلف وارسو، التي كانت مستهلِكة للموارد وعديمة الجدوى مثل أي ضاحية من الضواحي). كل ما يريده الروس هو أن يتم التعامل معها بجدية واحترام، ليس كقوة عظمى، ولكن ببساطة كقوة مهمة، بل ذات سيادة فعلاً.
ربما لو أن المرء قارن ذلك بالمزيج الفريد من جنون العظمة في الستراتوسفير، وعبادة الذات النرجسية والجهل الصارخ بالنسبة للسياسيين البارزين في الولايات المتحدة، لأدرك على الفور أن الإمبراطورية لم تعد تحتضر، بل إنها قد ماتت بالفعل ومنذ شهور كثيرة.

وماذا أيضاً؟
الانتخابات بطبيعـــــة الحال. أزعم أنه تحت أي ظرف من الظروف لن تكون الحكومة القادمة قادرة على عكس ذلك المسار وإحياء الإمبراطورية بطريقة ساحرة. فالإمبراطوريات لا يمكن بعثها من جديد. لقد تمت تجربة ذلك في الماضي (حتى من قبل نابليون) ولم يتم لها النجاح أبداً. إنه بمجرد أن تفقد الإمبراطورية زخمها، وقبل كل شيء مصداقيتها الأيديولوجية ، فإنها تكون قد انتهت. بالتأكيد، لايزال بإمكان جثتها أن تضج بالحرارة لفترة من الوقت، ولايزال بإمكان بعض أعضائها أو حتى خلاياها العمل لبعض الوقت، لكن الميت ميت، وعادة ما تتفسخ جثته وتتسبب في انتشار رائحة كريهة، وهو ما ينطبق أيضاً على الإمبراطوريات الميتة.
هذا ليس له أن يعني أن النتيجة لن تلعب دورا، بل ستفعل ولكن فقط لمستقبل الولايات المتحدة نفسها. بتعبير بسيط: التصويت القادم هو إما تصويت على القانون والنظام في الولايات المتحدة أو على العدمية الكلية. بشكل أكثر عمقاً هو تصويت لصالح أو ضد الولايات المتحدة: الديمقراطيون جميعهم يكرهون هذا البلد ويكرهون من «يتحسر عليه». إنهم يكرهون أيضاً كل صفحة من صفحات تاريخ الولايات المتحدة تقريباً (وما التماثيل المقلوبة إلا أمثلة لتلك الكراهية) ويكرهون ما يسمونه «النظام العنصـــــري»، على الرغم من أن الأسباب الحقيقية للتوترات العرقية في الولايات المتحدة لا علاقة لها بـ«النظام».
لقد ماتت الإمبراطورية، وآمل وأؤمن بأن موتها سيقود إلى ولادة جديدة للولايات المتحدة كدولة «طبيعية» (وهو ما حدث لجميع الإمبراطوريات السابقة الأخرى).
حتى ذلك الحين، يمكننا على الأقل التأكد من أن هذه الإمبراطورية الشريرة المريعة قد ماتت أخيراً، حتى لو أن القليلين فقط هم من لاحظوا ذلك.
ملاحظة: عندما كتبت هذه المادة، كنت أفكر في اللواء قاسم سليماني، الذي قتل في حادث جبان على يد ترامب (كان في مهمة دبلوماسية). تخيلت ما كان سيقوله لو عرض عليه أحدهم الصفقة التالية: حاج قاسم، هل تسمح للصليبيين المعاصرين بقتلك إذا كان استشهادك هو «القشة» التي تكسر «رقبة» الإمبراطورية؟ 
أعتقد أنه كان سيجيب ودموع الفرح في عينيه: «أحمد الله أن يمنحني ذاك الشرف العظيم والفرح، وأن يسمح لي أن أصبح شهيداً (شاهداً لله)!». 
كان سليماني جندياً حقيقياً، وليس رجل أعمال مقنعاً أو سياسياً، وكان يعلم أنه يمكن أن يموت فعلاً في أي لحظة من حياته. مات الجنرال الذي كان مسؤولاً عن الحرس الثوري الإسلامي وفيلق القدس الخاص. بالنسبة لي، يبدو أن ترامب، بغطرسته الجاهلة، جلب لسليماني أفضل ميتة يمكن أن يتمناها. وإنني لأتمنى أن يرقد ذلك الرجل العظيم بسلام!