استطلاع : مارش الحسام / لا ميديا -
تحتضن قرية شملان التابعة لمديرية همدان بمحافظة صنعاء عشرات المنازل الأثرية الموغلة في القدم، إلا أن منازل تلك القرية المهددة بالزوال باتت تهدد حياة ساكنيها، وسبق أن انهار عدد من مبانيها على رؤوس قاطنيها، وهو ما دفع عدداً من الموطنين لهجر منازلهم في تلك القرية خشية سقوطها على رؤوسهم.
فيما وجد أغلب السكان أنفسهم مجبرين على العيش فيها والتعايش مع الخطر والرعب الذي تبثه منازلهم الآيلة للسقوط بسبب عوامل التعرية التي تنخر في أبنيتها كالسوس.
صحيفة «لا» قامت بجولة استطلاعية لقرية شملان الأثرية واستطلعت أحوال سكانها ومساكنها.

باب القرية
رغم أن الخراب نال كثيراً من القرية إلا أنها مازالت تحتفظ بإحدى بواباتها والتي تحمل اسم «باب القرية».
عقود الباب وجدرانه ليست بأحسن حال من باقي أبنية القرية، فيما بوابته الخشبية المتهالكة لاتزال تقاوم صدمات الدهر وهجمات الزمان، لتثبت قدرتها على الوقوف حتى آخر عود من أخشابها.
تضم القرية، بحسب أقوال الأهالي، ما يقارب 100 منزل ما بين مهجور ومأهول بالسكان، وجميعها مبنية باللبن والقش، وقد برع السكان في تشييد منازل القرية وإحاطتها بسور وعدد من الأبراج والقلاع وبوابتين كانتا تُغلقان مساءً وتُفتحان صباحاً للدخول والخروج من وإلى القرية.
هذه القرية التي كانت عامرة بمساكنها وسكانها، تبدو اليوم بحالة يرثى لها، نظراً إلى ضعف تماسك الأبنية مع مرور الزمن وعدم ترميمها مما يؤدي إلى زيادة خرابها عاماً بعد آخر.

التعرية وغياب دور الجهات المعنية
تقف قرية شملان على عتبة الدمار والخراب على رؤوس ساكنيها، إذ تنهش عوامل التعرية في قوام الأبنية والمواد المستخدمة في تشييد منازل القرية.
يوماً بعد آخر تزداد قوة مسببات التلف في البناء لتزداد معه نسبة الضرر الناتج عنه والذي يحتاج إلى ميزانية ضخمة للتعامل معه، بخاصة في ظل الأوضاع الراهنة بسبب العدوان الذي أنهك سكان القرية مادياً، وفي ظل غياب تام وعلى مدى عقود لدور وزارة الثقافة والسياحة وهيئة الحفاظ على المدن التاريخية اللتين لم يسبق لأي منهما أن قدمت جهداً يذكر على مدى تاريخ القرية.
ومن أهم عوامل التعرية التي لها تأثير على الأبنية، كما يرويها الأهالي، هي الأمطار والرياح الموسمية والبرودة في الشتاء والرياح الباردة المصاحبة لهذا الفصل وأشعة الشمس.

الصدمة.. نزوح لذات المنزل
المباني في القرية تكاد تكون كلها مبنية بنفس الارتفاع، أي من ثلاثة إلى أربعة طوابق باستثناء عدد محدود من المباني مبنية من طابقين.
تجولت في القرية وبين منازلها العتيقة والمتهالكة والمتفاوتة في الضرر الذي لحق بأبنيتها لدرجة يعجز فيها الزائر عن معرفة ما إذا كانت هذه المنازل أو تلك مهجورة أو مأهولة بالسكان.
لم أنصدم من عدم قدرتي على التمييز بين تلك المنازل العامرة بسكانها أو الخالية منهم، بل إن اكتشاف ذلك هو ما يسبب الصدمة، فعدد من المنازل التي كنت أظن أنها خاوية على عروشها، بالنظر إلى انهيار طوابقها وجدرانها وسطوحها وكل ما يدل على أن سكانها قد هجروها ونزحوا منها، كانت ماتزال مأهولة بالسكان.
والخبر الصادم هو أن النزوح هنا لا يعني الانتقال إلى منطقة أخرى ولا إلى منزل آخر أكثر أماناً، ولا يعني الهروب من الخطر، وإنما تحديه وملاقاته.
لأن نزوح السكان هنا يكون من وإلى ذات المبنى، وكثير من السكان نزحوا إلى الأدوار السفلية من منازلهم بعد الانهيار الكلي أو الجزئي للطوابق العليا، ولم يجدوا مأوى بديلاً غير الدور الأول (السفلي) والمهدد هو الآخر بالاندثار كون المنزل بأكمله يوشك على الانهيار وطمر سكانه تحت ركامه.

تحاكي صنعاء القديمة
عاقل القرية الحاج أحمد صالح علي زياد تحدث لصحيفة «لا» قائلاً: «قرية شملان هي قرية تاريخية، تعود لمئات أو لآلاف السنين، ومبنية على طراز مدينة صنعاء القديمة، وكانت محصنة ويحيط بها سور من كل الجوانب وأبراج مراقبة، وكان لها بوابتان».
وحين طلبنا منه التوضيح في تحديد العمر التاريخي الحقيقي للقرية ما إذا كان يمتد لمئات أم لآلاف السنين، أجاب الحاج أحمد بالقول: «القرية كانت ومازالت مغيبة تماماً عن التاريخ، ولم يسلط الضوء عليها كمدينتي صنعاء القديمة وزبيد، لذلك فإن عمرها الحقيقي غير معروف، هناك من يقول إن عمرها يعود لآلاف السنين وأنها بعمر مدينة صنعاء القديمة بدليل أنها تشبهها من حيث الطراز المعماري، ولكن ما أستطيع تأكيده هو أن عمرها يمتد إلى مئات السنين، أنا عمري 70 سنة ولا أذكر متى بنيت أغلب مباني القرية، ووالدي أخبرني ذات مرة أنه لا يذكر بناء سور القرية وإنما ولد والسور موجود».
وتابع: «حالياً لم يتبق سوى بوابة متهالكة تمت إعادة بنائها في السبعينيات، وبقايا سور، وخراب القرية يزداد يوماً بعد آخر».

وأملنا في السيد
وأضاف العاقل زياد: «عدد المنازل المأهولة بالسكان حالياً ما يقارب 70 منزلاً غالبيتها غير آمنة، وسبق أن تكررت حوادث انهيارها على رؤوس ساكنيها، وكانت آخر حادثة في العام الماضي خلال موسم الأمطار، حيث انهار منزل على رؤوس ساكنيه ولو لم يتم انتشالهم بسرعة من تحت الركام لكانوا قضوا نحبهم، وحالياً هناك كثير من المنازل مهجورة بعد أن تخلى أصحابها عنها وانتقلوا للعيش في منازل حديثة، فيما البقية غير القادرين على بناء منازل جديدة مسلحة فإنهم مرغمون على البقاء في منازلهم بالقرية والقبول بالخطر، بل إن معظمهم غير قادر على ترميمها».
وتابع قائلاً: «قبل العدوان كان الناس يحرصون على ترميم منازلهم وإصلاح الأضرار، أما الآن فإن حالتهم صعبة جداً وباتوا غير قادرين على ترميمها».
وحين سألناه عن دور وزارة الثقافة والسياحة والجهات المعنية بالحفاظ على المنازل التاريخية، رد عاقل القرية ساخراً: «عمري حتى الآن 70 سنة، لكن لم يسبق لي أن سمعت أو رأيت أن زارنا فريق ترميم أو جهة حكومية، ولم يسبق أن حصلنا على دعم من أي نوع، ولم نحصل على أي شيء وكأننا غير موجودين، رغم أننا نسمع أن سكان صنعاء القديمة يحظون بامتيازات وخدمات مجانية وترميم دوري لمنازلهم، أما عندنا فلا شيء من ذلك».
واختتم عاقل قرية شملان حديثه برفع رسالة لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يقول فيها: «تجاهلتنا كل الحكومات السابقة، وأنت أملنا الوحيد بعد الله».

أموت ألف مرة
محمد أحمد مفرح (أحد سكان القرية)، الذي يجد نفسه مجبراً على السكن في منزله المتداعي والمهدد بالسقوط في أية لحظة، قال: «كل الناس يستبشرون بهطول المطر إلا نحن سكان قرية شملان فإننا نخاف من نزول المطر، ففي موسم الأمطار نموت ألف مرة، خوفاً من أن يسقط المنزل على رؤوسنا»، وذلك بسبب ما يخلفه من أضرار في منازل القرية.
وأضاف: «لا يوجد لدي بديل، فلست قادراً على بناء منزل حديث ولا حتى قادراً على ترميم منزلي المتهالك، في السابق كنت أرممه وأحرص على إصلاحه، أما حالياً فإن الحالة المادية صعبة، بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي فرضها العدوان والحصار علينا وعلى شعبنا اليمني بشكل عام».

أحجار الدومينو
عبدالرحمن صبر، هو الآخر أبدى تخوفه من أن تتحول قريته ومسقط رأسه إلى قرية مهجورة بالكامل واندثارها من على أرض الواقع.
وأكد صبر أن الخطر يحيق بقريته من كل الجوانب، وأن منازلها مهددة بالسقوط كأحجار الدومينو.
وقال: «بعض السكان الميسورين هجروا منازلهم وبنوا لهم منازل جديدة، فيما أغلب سكان القرية حالتهم المادية صعبة، ومضطرون للعيش في منازل مهددة بالانهيار في أي لحظة».

المنازل المهجورة خطر آخر
وتابع: «حتى المنازل المهجورة باتت تشكل خطراً آخر على منازل القرية، لأن المنازل المهجورة تخلى أصحابها عنها تماماً وأهملوها ولم يعودوا يهتمون بها أو يقومون بإصلاح الأضرار فيها، وهو ما يسمح لمياه الأمطار بالتسلل من بين جدران هذه المنازل أو أسطحها مسببة انهياراً جزئياً فيها يزداد مع طول فترة هجرة سكانها لها، وتحدث تشققات وسقوط للأسطح أو الجدران، وانهيارها يهدد المنازل المجاورة لها، خصوصاً وأن أغلب المنازل متلاصقة، وسقوط أحدها يهدد بسقوط المنازل الأخرى كأحجار الدمينو».

غزو الأسمنت
عدد من سكان القرية عمدوا إلى ترميم منازلهم بالخرسانة المسلحة وتدعيمها بالطوب الأسمنتي، فيما عدد محدود من السكان قاموا بهدم منازلهم القديمة وإعادة بنائها بأسلوب حضري حديث يتناقض مع نمط مباني القرية الطينية.
أحد المواطنين ممن قاموا باستحداث أعمدة خرسانية لتدعيم منزله، برر ذلك بالقول: «الدولة تخلت عنا ونحن تخلينا عن التاريخ مضطرين، ولن ننتظر سقوطها على رؤوسنا».

سروال المؤسس
طارق صالح أحد سكان القرية قال: «نتألم كثيراً ونحن نرى قريتنا تتهالك يوماً بعد آخر، وأغلب المنازل المتهالكة والمهددة بالانهيار هي مبانٍ تاريخية لو كانت في الخليج لكان وضعها مختلفاً».
وعلق ساخراً: «السعودية تتمسك بسروال المؤسس كتاريخ لها، ونحن غير قادرين على أن نحافظ على تاريخنا».