ديفيد غاردنر - صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية
ترجمة خاصة لـ "لا": زينب صلاح الدين / لا ميديا -
باتت طبول الحرب تقرع في أوروبا بينما في جهة أخرى من العالم بدأت البراغماتية (النفعية أو العملية) تنتشر شيئاً فشيئاً على امتداد الشرق الأوسط حيث إن هذا الأخير هو ساحة لعدة حروب بعد عقد من هزيمة الفاشية في الحرب العالمية الثانية.
وطبعاً، لايزال القتال مستمراً في الحرب الأهلية في سوريا وفي الصراع الكارثي في اليمن وبشكل متقطع في العراق وليبيا. وليس المواطنين العرب -الذين اجتاحتهم موجة من النشوة والحماسة قبل ما يزيد عن عقد من الزمان عندما تحدوا الطغاة السلاليين وتجرأوا على أن يحلموا بأنهم يستطيعون أخيراً ترك الماضي خلفهم- على الأغلب في موقع جيد.
لقد عاد المستبدون والاستبداد. وقد كشف انهيار مؤسسات الدولة النقاب عن الانتماءات الطائفية المتشعبة. وكانت حرب الوكالة بين المسلمين الشيعة والسنة التي حرضت عليها إيران والسعودية كهدية مقدمة للتطرف الجهادي، وقد عرضت أقليات المنطقة للخطر القاتل من مسيحيين إلى دروز إلى يزيديين.
ومع ذلك كان اللاعبون الإقليميون الذين كانوا في خلافات مع بعضهم البعض طيلة العقد الماضي وأكثر، يتجهون ببطء نحو شراكات مؤقتة. وهناك سببان رئيسان: إيران والولايات المتحدة -والاحتمال المثير للجدل للتوصل إلى اتفاق نووي في الأسابيع المقبلة- بعد ذلك سوف يتحول اهتمام الرئيس جو بايدن إلى مكان آخر.
أولاً: هناك محاولة لإعادة إطلاق خطة العمل الشاملة المشتركة. كانت هذه هي الاتفاقية غير المتوقعة التي وقعت عليها إيران مع الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والصين وروسيا) في 2015، وذلك من أجل فرض قيود تم التحقق منها دولياً على برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية وإعادة إدخال إيران في السوق العالمية. نجحت خطة العمل الشاملة المشتركة وإن كان ذلك على حساب طهران إلى حد ما؛ حيث استخدمت وزارة المالية الأمريكية العقوبات على جوانب أخرى من سلوكها الإقليمي للحد بشدة من وصولها إلى النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار.
لكن دونالد ترامب نسف ذلك الاتفاق بانسحاب الولايات المتحدة عام 2018 عندما كان رئيساً. وانتظرت إيران مدة سنة قبل إلغاء التزاماتها وقبل أن تزيد تخصيب اليورانيوم نحو تطوير قنبلة نووية. وصعد ترامب من حملة «الضغوط القصوى» ضد طهران، وقد تراكمت على عقوبات جديدة أخرى حيث حرض ترامب عرب الخليج على الجهاد ضد الشيعة والخليج الفارسي. لكن في سبتمبر 2019 عندما هاجمت إيران قلب المنشآت النفطية السعودية أرامكو بصواريخ ومسيرة لم يفعل ترامب شيئاً حيال ذلك قائلاً بأن «السعوديين الذين تم استهدافهم وليس الأمريكيين».
مثل ذلك نقطة تحول في التاريخ الحديث للشرق الأوسط.
لقد هز ذلك الموقف الحلفاء التقليديين لواشنطن في المنطقة، الذين كان في مقدمتهم السعودية، ولكن أيضاً إسرائيل والإمارات وتركيا الحليف العضو في الناتو. وقد أدى ذلك تدريجياً إلى بذل جهود لتهدئة الخلافات داخل المنطقة. وفي العام الماضي انتهى الحظر السعودي الإماراتي على قطر الإمارة الخليجية المتمردة الغنية بالنفط التي اتهموها بالتعامل مع إيران وبدعم المحاولات الإسلامية لتغيير النظام في الخليج. ويوجد في قطر أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط الكبير.
لكن الافتراض يتزايد الآن بأن الولايات المتحدة وإيران على وشك إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، إما خلال خمس دقائق أو في المنتصف. لاتزال إيران تتمسك بتنازلات لا يستطيع بايدن تقديمها، ولكن مع مساحة للتلويح بذلك. ذكر وزير الخارجية الإيراني في مقابلة مع فايننشيال تايمز أن تصريحاً للكونغرس الأمريكي أو قادته يفيد بأن أي اتفاق جديد لن تلغيه واشنطن مستقبلاً من شأنه أن ييسر الأمور على طول الطريق.
وأي اتفاق جديد سيكون أقل قيمة من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، لسبب بسيط هو أن طهران الآن تمتلك تكنولوجيا وتقنيات لم تكن تملكها في ذلك الوقت. يتصرف جيران إيران كما لو كان الأمر حقاً كذلك وأن اتفاقاً جديداً لن يكون ضد مجال نفوذ إيران في الوسط الشيعي العربي، لاسيما على امتداد بلاد الشام: في العراق وسوريا ولبنان.
وبالتالي تكون حركة البراغماتية جارية ومستمرة. حيث كان رئيس تركيا رجب طيب أردوغان -الذي ظل لفترة في الجانب الإسلامي من المنافسة الإقليمية ضد مصر والخليج- في الإمارات هذا الأسبوع، وهو يخطط حالياً لزيارة السعودية، كما أنه يعمل على إصلاح العلاقات مع مصر وإسرائيل (إسحاق هرتزوغ الرئيس الإسرائيلي مؤخراً في زيارة تاريخية للإمارات وقريباً في تركيا بعد خلاف طويل). تريد دول الخليج بقيادة الإمارات أن تتجه نحو إعادة إعمار سوريا، بينما استخدمت السعودية الحيل الدبلوماسية لتملق الغالبية الشيعية في العراق بعد عقود من تجاهلها.
كل هؤلاء اللاعبين مهتمون بأطماع روسيا (السيد المحظوظ لسوريا المشكوك في أمره في 2015)  بخاصة الصين بتقنيتها ومبادرة الحزام والطريق التي تشمل المنطقة. وهم حالياً يقللون من شأن التحالف التاريخي مع الولايات المتحدة وينوعون تحالفاتهم.
وباتوا يدركون كيفية التعامل مع بعضهم البعض بشكل عملي من خلال التجارة والاستثمار والدبلوماسية.
من الغريب أن المنطقة بدأت تحاكي ما أراده باراك أوباما رئيس جو بايدن آنذاك في 2015. حيث قال أوباما: «نحن بحاجة إلى أن نقول لأصدقائنا وكذلك الإيرانيين إنهم بحاجة إلى العثور على طريقة فعالة لتشارك الجوار وتأسيس نوع من السلام البارد».


17 فبراير 2022