سوق المتعة

«لا» 21 السياسي -
سُجن مظلوماً لعقود. وفي السجن امتُهنت كرامته وسُحِقت إنسانيته وأُعدِمت آدميته وتحول إلى مسخٍ بلا روح يجولُ على الزنازين يخدمُ كبارات المجرمين وعتاولة القتلة واللصوص ويطوفُ على الحمامات ويهيمُ في الطواريد منظفاً قذاراتها وماسحاً أرضياتها وغاسلاً أوساخها وثياب المساجين والضباط والجنود...
سنوات قضى لياليها في التحزم والرقص والغناء مثل جارية، وأمضى نهاراتها في الطبخ والغسل والكنس ومسح الأحذية وتنظيف الأسِرّة والملايات.
مر عليه العمر عذابات ومهانات، وتحولت الحياة إلى كوابيس وجنازات، ومُحقت الروح والتحق الجسد فناءً وعدمية.
خرج من السجن في آخر مطاف العقوبات، ومن آخر نفق الأشغال الشاقة نفذ إلى خارج الظلمات من جديد؛ ولكن بعد أن فقد إحساسه بالضوء وشعوره بالحرية.
تلقته عند البوابة سيارة فارهة ورجلٌ يحمل سيجاراً ضخماً في فمه وحقيبة فخمة بين أحضانه. فتح له السائق الأنيق الباب وطلب منه الدخول. فوجئ وتلكأ وسأل وتساءل؛ لكنه في النهاية ولج إلى حيث الرجل الغامض والحقيبة المجهولة.
بعد دقائق من الصمت والتساؤل تحدث إليه الرجل شارحاً له الأمر بكل يسرٍ. وفي ثوانٍ أخبره بأنه كان مظلوماً طوال كل تلك السنوات، وأنه قد سُجن بدلاً من الشخص المفترض، وعليه سيتم تعويضه عن كل ذلك بمبلغ ضخم تحتويه تلك الحقيبة، وطُلب منه أن يعيش بالمال والحرية حياةً جديدة.
كانت مفاجأة بكل مقاييس التجربة والواقع والتمني أيضاً. حمل السجين (المُحرر) الحقيبة وذهب بها إلى حيث قرر أن يبدأ من جديد. اشترى فيللا وسيارة واستأجر حراساً وخدماً وفتيات ليل، ولبس أفخم الثياب، وأكل أشهى الطعام... لكنه توقف فجأة عن فعل ذلك.
لم يستطع أن يستعيد حريته المفقودة أو أن يعيد إلى بقاياه بعض روحه وشيئاً من شغفه. لقد فقد إحساسه تماماً ليقرر العودة إلى ممارسة العبودية ومزاولة الرُخص، فاستأجر سجانيه وأخرج جلاوزته وحول قصره إلى سجنٍ جديد وعاد إلى ما كان عليه من الغسل والرقص والمسح والدنس والذلة والمهانة.
قصةٌ أظن الكثيرين قد قرأها أو شاهدها مصورة في فيلم، ومن لم يقرأ أو يشاهد فبإمكانه الإطلاع عليها ومعرفة تفاصيلها بمتابعة مرتزقة السعود وعبيد النهيان وعملاء الشيكل والدولار والمجتمعين في قاعة سجن الفيصل بالرياض (يتشاورون) عن شكل ونوع العبودية سيكملون بها عهرهم ويتداولون مقترحات الجلادين بشأن أي مهانةٍ سيتمون بها خيانتهم لشعبهم ولوطنهم ولأنفسهم ولآدميتهم.
يرددون أنهم اجتمعوا ليستردوا البلد وهم الذين عجزوا عن مطالبة أسيادهم بإعادة جنابيهم إلى مخابيها واستعادة رجولتهم المهدرة في أخدان نجد ومواخير الإمارات.
لا يمكن بأي حال الخروج بخلاصةٍ مكتملةٍ لهكذا مشهد عُهرٍ ومهانة، فأولئك الذين استمرؤوا مضغ أحذية الأمراء والشيوخ النفطية خياناتٍ وعمالاتٍ وعمولاتٍ ومرتبات هم أنفسهم من يلوكون بأفواههم مصطلحات الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والعروبة والدولة الوطنية والحرية والتعددية والانتخابات والتداول السلمي للسلطة في الوقت نفسه الذين يغسلون أطباق أصحاب الدنو وجرائم أصحاب السوابق ويمسحون أجواخ الملك العضوض ويغتسلون بدماء النساء والأطفال ويقسمون بين أقدام ابن سلمان الولاء ويقتسمون بقايا موائده البراء.
قد تكون أكثر حفلات تركي آل الشيخ مجوناً وجنوناً وعهراً وشهرةً ربما تلك الحفلة التي يهز فيها الـ500 خصورهم ويدقون صدورهم وطبولهم ويتمايلون غنجاً لآل الجابر ودلالاً لأمين صندوق اللجنة الخاصة.
لن تكون حفلة تنكرية كما يتوقع البعض، وإن لبس فيها الجميع الأقنعة. إنها فضيحة انكشاف غير مسبوقة يتعرى معها أدعياء النخبة الذين باعوا اليمن من قبل ومن بعد واشتروا مقابلها الشنار الدائم والعار الأبدي.