«لا» 21 السياسي -
حذّر تحليل لمجلة «أتلانتك» الأمريكية من أن زيارة جو بايدن المرتقبة للسعودية ستكلفه الكثير من رأس ماله السياسي، حيث أغضبت مؤيديه ومعارضيه على السواء، معتبرا أن الأخير «يضحي بقيمه» اليوم.
وذكر التحليل، الذي كتبه النائب السابق لوزير الدفاع الأمريكي لشؤون سياسة الشرق الأوسط أندرو أكسوم، أن النخب الأمريكية، بمن فيها المسؤولون المنتخبون والمعينون، مستاؤون من العلاقة الوثيقة تاريخيا بين الولايات المتحدة والسعودية، ومن بين هؤلاء، كان الأكثر شعورا بالاستياء هم «التقدميون في الحزب الديمقراطي».
وقال أكسوم إن «التقدميين كانوا يأملون حقا أن تعيد إدارة بايدن التركيز على حقوق الإنسان كجزء من السياسة الخارجية الأمريكية بعد سنوات من وجود الرئيس دونالد ترامب في منصبه، ويرون أن الجلوس مع محمد بن سلمان خيانة لتلك الآمال».
فيما قال موقع «هافنغتون بوست» إن الزيارة المقررة ستعود بالقليل على الولايات المتحدة أو على بايدن نفسه، مقابل فوائد جمة ستجنيها الرياض.
وأوضحت في تقرير لها أن نفوذ السعوديين محدود جداً حين يتعلق الأمر بالقضية الكبرى التي تشغل الولايات المتحدة، ألا وهي التضخم، إضافة إلى أن خبراء الطاقة يقولون إن المملكة العربية السعودية لا يمكنها التعجيل بخفض أسعار الطاقة التي يتكبدها المستهلكون.
وأكد أن الزيارة تعتبر بالتالي نصرا مؤزرا للسعودية ولحاكمها الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان، أمام التهديدات التي أطلقها بايدن بمحاسبتها قبل انتخابه بسبب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.
تأتي الزيارة لتكون بمثابة حلقة أخيرة في سلسلة خيبات الأمل التي يشعر بها المشرعون والنشطاء الذين يقولون إن بايدن تخلى عن كل ما كان لديه من أدوات ضغط على السعوديين. ففي بداية عهده، تحدى بايدن الفرضية التي تقول إن المملكة العربية السعودية تحظى بدعم غير مشروط في واشنطن. ولكن بدلاً من مطالبة الزعماء السعوديين بالرد على القضايا التي تشغل بال الولايات المتحدة مقابل إعادة الاعتبار للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين، بدأ بايدن ينهج نمطاً من التنازلات لصالح الأولويات السعودية.
ويشير موقع «هافنغتون بوست» إلى أنه في وقت مبكر من هذا الشهر، وجه ستة نواب ديمقراطيين يرأس كل منهم لجنة من لجان البرلمان خطاباً إلى بايدن يحثه فيه على إعادة ضبط العلاقات الأمريكية السعودية من خلال الضغط على المملكة حتى تنهي صفقات سوق النفط مع روسيا، وتخفف قمعها للمعارضين، وتنسحب من الصين، وتعطي الأولوية للسلام في اليمن، حيث يشن السعوديون حملة عسكرية وحشية منذ عام 2015.
ولكن قد يكون صعباً على بايدن تحقيق تقدم في أي من هذه الأولويات حينما يشعر السعوديون بأنهم يملكون القدرة على تحديد شروط الاشتباك.
وفي تصريح أدلى به مؤخراً لصحيفة «ذي هيل»، قال روبرت واينر، الباحث في جامعة جورج واشنطن: «لا تملك المملكة السعودية القدرة على إنتاج كمية من النفط تعوض تلك التي سيفقدها العالم بسبب الحظر المفروض على روسيا، ولا توجد مثل هذه القدرة لدى أي دولة أخرى».
إذا كان النجاح في موضوع النفط مستبعداً من طاولة البحث، فهذا يعني أن طاقمه سيجد صعوبة في العودة إلى الأمريكيين بما يمكن أن يعتبر مكسباً حققته الرحلة، بل من المستبعد أن تحظى المقترحات المختلفة الأخرى على المستوى نفسه من الاهتمام الشعبي، ومن هذه المقترحات صفقة بين كل من السعودية ومصر و»إسرائيل» بشأن جزر البحر الأحمر التي لم يسمع بها كثير من الناس.
وفي تقرير أخير نشرته مجلة «فورين أفيرز» وتم تداوله بكثافة في دوائر صنع السياسة، وُصفت الزيارة التي كان حينذاك قد أشيع عن عزم بايدن القيام بها بأنها بمثابة «تنازل شفاف عن المبادئ»، وأن السعوديين سيرون في قرار بايدن زيارة البلد مؤشراً آخر إلى أنهم لن يحتاجوا لأن يخشوا من إجراءات أمريكية ضدهم فيما لو انتهجوا سياسة خطرة.
على سبيل المثال: قد تصعد السعودية التوترات مع جارتها إيران بالانسحاب من المحادثات مع الإيرانيين أو بإجهاض المفاوضات بشأن اليمن، حيث مازالت الهدنة التي تم تمديدها مؤخراً قائمة ولكنها متزعزعة.
يضيف التقرير: «إنها بيئة متفجرة... وإذا حصل تصعيد عسكري آخر فإن ذلك سيؤدي إلى إعاقة توريدات النفط العالمية وإلى حالة أسوأ من التضخم».
ثمة خلاف جوهري بين فريق بايدن ومنتقديه حول كيف ينبغي أن تتغير السياسة الأمريكية تجاه السعودية، وما إذا كان الهدف هو استعادة اللهجة الودودة أو معالجة الهموم العالقة منذ وقت بشأن خيارات المملكة وكيف تعاملت الولايات المتحدة معها.
يرى المسؤولون في الإدارة الأمريكية أن الهدنة التي أبرمت في اليمن تمثل نجاحاً مهماً، على سبيل المثال، ولكنهم لم يقولوا الكثير حول الدليل على أن الولايات المتحدة أخفقت في التحقيق في دور الأسلحة الأمريكية في قتل المدنيين في الحرب هناك أو ما تم الكشف عنه من استمرار المساعدة الأمريكية بما يحدد معالم أي قتال يتجدد.
في المقابل تحدثت صحيفة «الفايننشيال تايمز» عن أن القطيعة بين واشنطن والرياض تبدو غير معقولة.
وذكرت الصحيفة أن معارضة كثير من التقدميين واليساريين في الولايات المتحدة للرئيس السابق، دونالد ترامب، جعلتهم يتخذون موقفا متشددا من العديد من سياساته، من بينها تقاربه مع السعودية.
ورأت «الفايننشيال تايمز» أنه رغم المسوغات الأخلاقية لابتعاد بايدن عن السعودية، إلا أن هذه القطيعة تبدو غير معقولة، وإلا لما وضع بايدن نفسه في هذا الوضع المحرج الحالي، حيث يعتزم زيارة الرياض، صاحبة الإنتاج النفطي الكبير، لإقناعها بزيادة الإنتاج.
ورأت الصحيفة أن على بايدن التخلص من رؤيته للعالم كدول استبدادية وأخرى ديمقراطية، حتى يتمكن من إحداث تغيير حقيقي في العالم.