لا ميديا -
كان عليها أن تبقى أقوى من كل أجهزة الاستخبارات التي تحاول اقتفاء أثرها. وأصبحت حتى السلطات اللبنانية أيضاً تشكل ضغطاً إضافياً عليها. كان عزاؤها الوحيد الذي تجهر به أمام من يعرفونها، أنها في ظل حضور حزب الله والسيد حسن نصر الله تشعر بأمان أكبر. «كيف فينا ما نحب السيد؟! نحن مع كل من يحمل السلاح ضد العدو الصهيوني، أمس واليوم وغداً».
ولدت جاكلين إسبر عام 1959، في جبرايل، عكار، وعاشت مع أهلها في الأشرفية/ بيروت، ودرست الحقوق في الجامعة اللبنانية.
في نهاية سبعينيات القرن الماضي تشكل وعيها اليساري وحددت طبيعة الصراع وقواه، فالعدو الصهيوني الذي يدمر قرى جنوب لبنان ينطلق من أرض اغتصبها وشرد أهلها، وهو نفسه من يدعم القوى المهيمنة على المنطقة حيث كانت تعيش، فيما اللبنانيون يقاتل بعضهم بعضاً، بل ويستعين بعضهم بالعدو.
كانت ورفاقها يرون أن للصراع وجهة أخرى. وكان لا بد من ترجمة هذا الوعي وهذه الثورة الكامنة بشكل عملي. تزامن ذلك مع سطوع «ظاهرة وديع حداد»، فاحتذوا نموذجه في أن يكونوا «وراء العدو في كل مكان».
حدّدوا أرض المعركة، وسافروا إلى حيث سيؤلمون العدو الصهيوني وأعوانه، فلم تكن عملية اغتيال «الملحق الأمني» في سفارة كيان العدو في باريس، ياكوف بارسيمنتوف، أولى العمليات التي نفذتها ولا آخرها، لكنها أهمها.
يوم 3 نيسان/ أبريل 1982، حملت مسدساً تشيكياً صغيراً من عيار 7.65 ملم (وهو بالمناسبة المسدس نفسه الذي صُفّي به الملحق العسكري الأميركي تشارلز راي في 18 كانون الثاني/ يناير 1982 في باريس). اعتمرت قبعة بيضاء وانتظرته قرب المنزل. حين اتجه مع أفراد عائلته إلى المصعد لحقت بهم. انتبه لها وأراد أن يهاجمها؛ لكنها كانت أسرع. أفرغت ٥ طلقات في رأسه وصدره. غادرت بسرعة بعد تأكدها من مصرعه.
تبنت «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» العملية في الليلة نفسها، في بيان أصدرته بالفرنسية.
بدأت أجهزة الاستخبارات الفرنسية والموساد الصهيوني حملة واسعة للبحث عن «الفتاة ذات القبعة البيضاء»؛ لكنها لم تعثر لها على أثر. بعد شهر عادت إلى لبنان لمتابعة عملها مع الفصائل. حُكم عليها غيابيا بالسجن المؤبّد.
رحلت يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.