«لا» 21 السياسي -
كنتُ ضيفاً في ليلة من ليالي أواخر العام 2019 في حلقة خاصة عن حصاد العام من برنامج «الحاصل»، الذي يقدمه أسعد الكامل وتنتجه مؤسسة الهادي وتعرضه «قناة المسيرة». سألني المذيع: ما هو أهم حدث يمني؟ أجبته: الهجوم على أرامكو بقيق وخريص السعودية في 19 أيلول/ سبتمبر. عاد ليسألني عن أهم حدث عربي، ثم عن أهم حدث عالمي للعام. وكانت الإجابة هي ذاتها، تلك التي رددت بها على السؤال الأول: ضرب أرامكو. وبرغم محاولة السائل تقديم خيارات أخرى للإجابة، إلا أنني أصررت على ما ذكرت، شارحاً وموضحاً مبرراتي وأسبابي بل وقاطعاً شك اللحظة الراهنة تلك بيقين قادم التداعيات محلياً وإقليمياً ودولياً، ضارباً الوعد للمقدم والمشاهدين في الغد الآتي انتصاراً لليمنيين وانكساراً للمعتدين.
لم أكن حينها أضرب الودع أو أخط على الرمل، بل كانت مجرد قراءة متواضعة للحدث في متنه الاستراتيجي وعلى هوامشه التكتيكية قادتني في المحصلة إلى الجزم والاعتقاد بأن يوم 19/ 9/ 2019 هو اليوم الذي فصل فيه اليمنيون رأس الحرب عن جسد العدوان.
بعد هذا اليوم ليس كما قبله. حينها، لم ترتعد فرائص السعوديين وحدهم فحسب، بل وضرب الذل هيبة صهاينة المشرق والمغرب، وفي محاولة بائسة يائسة للاطمئنان والطمأنة أرسل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب 500 جندي أمريكي إلى السعودية، برغم ادعاء استراتيجية واشنطن لأمنها القومي الخروج من الشرق الأوسط.
يومها شعر بنو سعود وحكام الخليج بالذعر القادم باليستيات ومسيرات من صنعاء، وبالفزع المتقادم كسيرات وكسيحات باتريوت أمريكية، وبدأ للتو البحث عمن سيعيد غطاء الحماية للرياض، بعد أن خُّيل لها أن خيل أنصار الله تصهل عند الضواحي بينما الأمريكيون عاجزون حتى عن النباح من أجلها.
كان بايدن أكثر مراوغةً من ترامب في التعامل مع السعودية، فترامب أراد وأخذ المال والبترول ومنع روسيا والصين من أثداء الأبقار النفطية، أما بايدن فأراد كل ما سبق، مع الخروج من حسابات المنطقة والخسارة على السواء، لتأتي حرب أوكرانيا مانحةً «مبس» و»مبز» فرصة اللعب على سيولة الوضع الدولي وميوعة يساريي البيت الأبيض، وكان القفز ببراميل النفط وعليها والهز فوق قباب قصور الكرملين وكنائس سانت بطرسبورغ وسيلة ناجعة إلى حدٍّ ما لإثارة الجلبة داخل علب الكبريت الديمقراطية الجمهورية وخارج جيتوهات السفارديم ومستوطنات الأشكيناز وعلى وقع ذكريات ضربات أرامكو وأبوظبي.
اليوم، ومع متغيرات معارك الكاميكازي في أوكرانيا، وبعد أكثر من ثلاث سنوات على ضرب العصب الصهيوني في بقيق وخريص، يكشف قائد أكبر مناورات للجيش الميداني لحلف الناتو في أوروبا أنّ انتشار الطائرات بدون طيار يعني أنّ الغرب «لم يعد بإمكانه الاعتماد على السيطرة على سماء الحرب».
وفي مقال في صحيفة «تلغراف» البريطانية أوضح اللواء جيمس مارتن، قائد قسم القتال الحربي في الجيش البريطاني: «نحن لا نفترض أننا نسيطر على المجال الجوي بعد الآن. نحن لا نفترض أن لدينا تفوقاً جوياً أو السيطرة الجوية كما فعلنا في الشرق الأوسط من قبل».
بعد ضرب أرامكو ليس كما قبله، حيث شكلت الطائرات المسيّرة تطوّراً كبيراً في الحروب مؤخراً، وأثرت بشكل كبير في نتائجها؛ إذ أدّت الطائرات المسيّرة العسكرية دوراً مهماً في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، وكذلك في الحرب في أوكرانيا.
كانت بالفعل هي اللحظة التي غيَّرت نظرة المنطقة والعالم إلى الطائرات من دون طيار في أيلول/ سبتمبر 2019، عندما هاجم اليمنيون منشآت النفط السعودية، ما أسفر عنه أضرار جسيمة في موقع لشركة أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، وتعطيل صادرات النفط لعدة أشهر.
وأذهل النجاح الكبير للقوات المسلحة اليمنية (الضربة المُنسّقة بالطائرات المُسيَّرة وصواريخ كروز على أهداف تبعد حوالى آلاف الكيلومترات) خبراء عسكريين في الكيان الصهيوني والعواصم الغربية. كانت الضربة أشد وقعاً في الوعي الاستعماري منها في الواقع الأعرابي المحتل. صدقوني، اعلنوا يوم 19 أيلول/ سبتمبر عيداً وطنياً حتى تتذكره الأجيال ولا ينساه بنو سعود.