
اليمن بالحبر الغربي -
في 8 كانون الأول/ ديسمبر، بدأ الرئيس الصيني، شي جين بينغ، رحلة استغرقت 3 أيام إلى السعودية لإطلاق ما سماه «حقبة جديدة» في العلاقات السعودية الصينية، التي بدأت تتعمق منذ أن بدأت الصين الإصلاحات الاقتصادية في الثمانينيات.
وخلال الزيارة، وقع بينج والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، «اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة» التزم فيها الطرفان بعقد اجتماعات كل عامين، وتعميق العلاقات الثقافية والسياحية بين بلديهما.
وأسفر عن الاجتماع العديد من الصفقات في عدة مجالات، منها التكنولوجيا والتعليم والطاقة والتنمية الاقتصادية.
وجاءت هذه الزيارة في وقت تتزايد فيه التوترات بين السعودية والولايات المتحدة، خاصة بعد قرار «أوبك+» خفض إنتاج النفط، وفي الوقت ذاته تمر علاقات الصين مع الولايات المتحدة بأدنى مستوياتها وسط توترات متزايدة بشأن تايوان.
ولعب الخليج دوراً حاسماً في دفع التنمية الاقتصادية لبكين على مدى الـ40 عاماً الماضية. وبعد نهاية الحرب الباردة، برزت المنطقة كمركز نقل رئيسي للسلع الصينية إلى الغرب، بالإضافة إلى كونها مصدراً رئيسياً لصادرات الطاقة لدعم التصنيع في الصين.
ولحماية هذه المصالح الاقتصادية، سعت بكين إلى تعزيز علاقاتها مع القوى الكبرى في الخليج على مر السنين، بما في ذلك السعودية التي ساعدت الصين في إطلاق برنامجها للصواريخ البالستية في الثمانينيات، بعد أن رفضت الولايات المتحدة تزويد المملكة بأنظمة مماثلة خوفاً من إثارة سباق تسلح إقليمي.
لكن في الوقت ذاته، تقاربت الصين مع إيران (العدو اللدود للسعودية). وفي عام 2021، كانت الصين أكبر مشترٍ لصادرات النفط الإيرانية التي تخضع لعقوبات أمريكية.
وظلت الصين ودول الخليج العربي محايدة إلى حد كبير تجاه الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا، حيث تكمن مصالحها في استقرار سوق الطاقة والاحتفاظ بعلاقات ناجحة مع كل من موسكو والغرب. لكن شراكة بكين المستمرة مع طهران ستعقد قدرتها على تعميق علاقاتها الأمنية مع دول الخليج.
لدى بكين والرياض العديد من الأسباب التي تدفعهما للتقارب بشكل أوثق؛ لكن العلاقات السعودية الأمريكية عميقة (خاصة في المجال العسكري)، ولا تبدو الصين مستعدة لأن تكون بديلة لها في المدى القريب؛ إذ إن نهجها في السياسة الخارجية، الذي يبتعد عن التدخل، يمنعها من تشكيل تحالفات دائمة في الخارج يمكن أن تورط بكين في النزاعات البعيدة.
لذلك لم تظهر بكين اهتماماً كبيراً بالانحياز في نزاعات المنطقة. ومن غير المرجح أن تغير هذه السياسة القديمة للدفاع عن السعودية ضد إيران أو وكلائها، بمن في ذلك الحوثيون في اليمن.
كما لم تشر الصين إلى أي رغبة في منافسة الولايات المتحدة على الشراكة الدفاعية مع السعودية (في عام 2021، باعت واشنطن أسلحة بقيمة 1.3 مليار دولار للمملكة؛ فيما لم تبع الصين سوى أسلحة بقيمة 40 مليون دولار إلى الرياض في ذلك العام).
في غضون ذلك، ما تزال الولايات المتحدة تحاول معالجة المخاوف الدفاعية لدى السعودية والاحتفاظ بالشراكة العسكرية الوثيقة بين البلدين؛ كما يتضح من دفع واشنطن مؤخرا لإنشاء شبكة دفاع جوي إقليمي لردع الهجمات الحوثية والإيرانية على المملكة، وكذلك تحرك الولايات المتحدة لتحصين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الملاحقة القضائية نتيجة اغتيال جمال خاشقجي في عام 2018.
في الوقت الحالي، سيظل الجيش السعودي معتمداً بشكل كبير على الولايات المتحدة للتعامل مع التهديدات الإقليمية. ولكن مع مرور الوقت، فإن تعزيز العلاقات بين السعودية والصين من شأنه أن يساعد البلدين على الاستقلال بشكل أكبر عسكرياً واقتصادياً.
ورغم أن تطوير التعاون سيستغرق وقتاً طويلاً، إلا أن توسيع العلاقات العسكرية الصينية السعودية سيكون الخطوة التالية الطبيعية في علاقتهما المتطورة، خاصةً بالنظر إلى اهتمام المملكة المستمر ببناء شركاء دفاعيين بعيدا عن الولايات المتحدة، مما دفع الرياض أيضاً للتواصل مؤخراً مع منافستها السابقة تركيا لشراء طائرات «بيرقدار TB2».
وعلى عكس الولايات المتحدة، من غير المرجح أن تضع الصين شروطاً فيما يتعلق بالاستخدام النهائي للمعدات العسكرية التي يتم بيعها للسعودية، وبالتالي فإن شراكة دفاعية أعمق مع بكين من شأنها أن تمنح الجيش السعودي المزيد من الخيارات لتنفيذ عمليات مثيرة للجدل في الخارج، مثل ضربات الطائرات المسيرة في اليمن، التي سبق أن أثارت انتقادات أمريكية وتسببت في تعليق واشنطن لصفقات أسلحة.
وبعيداً عن التعاون في المجال الأمني، فمن المحتمل أن تسعى السعودية أيضاً إلى الحصول على مساعدة الصين في تطوير برنامج نووي مدني، من شأنه أن يدعم انتقال المملكة من الاعتماد الحصري على الهيدروكربونات.
كما ستساعد الاستثمارات والتكنولوجيا الصينية في دعم برنامج التنويع الاقتصادي الخاص بـ»رؤية 2030» السعودية، التي تسعى لإنهاء اعتماد الاقتصاد على مبيعات النفط. من جانبها، ستستفيد الصين من تعميق العلاقات مع مورد مهم للطاقة ومركز رئيسي للنقل (استوردت الصين 17.4% من النفط من السعودية في عام 2021).
وبالنسبة لبكين، قد يصبح هذا مهماً للمساعدة في تخفيف الضغط الاقتصادي الغربي إذا تصاعدت التوترات بشأن تايوان إلى عقوبات أو مواجهة عسكرية.
«ستراتفور»
المصدر اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا