جيريمي كوزماروف
الترجمة عن الألمانية: نشوان دماج / لا ميديا -

تجلت همجية بايدن في تسييس المساعدات الإنسانية، ففيما يدعم تركيا، يرفض حشد المساعدات وعمال الإغاثة لإنقاذ الآلاف في شمال سورية، بسبب ثأر أمريكي مع حكومة بشار الأسد.
في الساعة 4:17 من صباح الـ6 من فبراير، ضرب زلزال بقوة 7.8 درجة كلا من تركيا وشمال سورية، أسفر عنه مقتل أكثر من 21000 شخص في أكثر الزلازل فتكاً في العالم منذ أكثر من عقد.
بعد وقت قصير من وقوع الزلزال، أعلنت إدارة بايدن أنها ستنسق مع السلطات التركية أي مساعدة مطلوبة وتقدم دعماً سريعاً لجهود الإنقاذالتركية، وتنشر فريق الاستجابة للكوارث التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في تركيا.
أما بخصوص سورية فكان فريق بايدن أكثر حذراً، مكتفيا بالإشارة إلى أن «الشركاء الإنسانيين المدعومين من الولايات المتحدة يستجيبون أيضاً للدمار في سورية».
سلطت هذه التعليقات الضوء على رفض إدارة بايدن التعاون مع الحكومة السورية، التي كانت هدفاً للسياسة الأمريكية لتغيير النظام منذ أوائل القرن الحادي والعشرين.
الجماعات الإنسانية التي يشير إليها بايدن هي منظمات غير حكومية تعمل في مناطق خارجة عن سيطرة الدولة السورية، والتي يمكن أن تمنع بقية البلاد من أي مساعدات، بما في ذلك مدينة حلب الأكثر تضرراً والخاضعة لسيطرة حكومة الأسد.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، للصحفيين: «أود أن أشير إلى أنه سيكون من المفارقات، إن لم يكن بنتائج عكسية، إذا مددنا يدنا لمصافحة حكومة ما فتئت تقوم بمعاملة شعبها بوحشية لأكثر من عشر سنوات، ذبحا وقتلا بالغاز. وهي مسؤولة عن الكثير من المعاناة التي تحملتها».
هذه التصريحات مجحفة ومضللة ومنافقة. مجحفة لأن المساعدات ثمة حاجة ماسة لإيصالها إلى سورية لإنقاذ الأرواح، بغض النظر عن المسألة السياسية. ومضللة لأن برايس يشير إلى أن حكومة الأسد قامت بقتل شعبها بغازات الأسلحة الكيماوية، بينما ثمة أدلة علمية قوية تشير إلى أن هذه الهجمات المزعومة بالغاز الكيماوي، إن حدثت بالفعل، نفذتها قوات المتمردين السوريين التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وتركيا (قسد). ومنافقة لأن واشنطن تدعم العديد من الحكومات التي تمارس المعاملة الوحشية على شعوبها -بما في ذلك تركيا، والتي:
أ) لها سجل رهيب في إرهاب الأكراد.
ب) تدعم داعش في سورية.
ج) تدعم أذربيجان في هجومها على ناغورنو كاراباخ.
د) تحت قيادة رجب طيب أردوغان، اتخذت إجراءات استبدادية بشكل متزايد ضد المعارضين في الداخل.
لكن تركيا تعتبر منذ عقود حليفاً للولايات المتحدة وعضواً في الناتو، وهي موطن لقاعدة إنجرليك الجوية الكبيرة.
من ناحية، مرغت حكومة بشار الأسد السورية، وبمساعدة روسية، أنف الولايات المتحدة من خلال سحق التمرد الذي تدعمه على مدى العقد الماضي. كما تحالفت حكومة الأسد مع إيران وتحدت إسرائيل، بينما عارضت خطط الولايات المتحدة لبناء خط أنابيب نفط كان من شأنه أن يقوض طرق الإمداد من روسيا.
يبدو أن إدارة بايدن ترى في الزلزال فرصة لدفع أجندتها لتغيير النظام من خلال تفاقم معاناة الشعب السوري وتقويض شرعية الحكومة، التي لا تستطيع إنقاذ الشعب بشكل صحيح.
ومن ناحية أخرى، ستكتسب حكومة أردوغان الشرعية من خلال تعاملها القوي مع الزلزال.
تظهر ملاحة الرحلات الجوية أنه عقب الزلزال المدمر لم تعبر طائرة واحدة المجال الجوي السوري، في حين أن جميع فرق الإغاثة والإنقاذ تقريباً توجهت إلى تركيا.
تحذو دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي حذو الولايات المتحدة، مرددة صدى إدارة بايدن. حيث أعرب رئيس الناتو ينس ستولتنبرغ عن «تضامنه الكامل» مع حليفتهم تركيا، قائلاً إنه على اتصال مع القيادة التركية وإن «حلفاء الناتو يحشدون الدعم الآن»، متجاهلا سورية تماماً.
أما وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي فقال إن المملكة المتحدة ستزود تركيا بفريق مكون من 76 متخصصاً في البحث والإنقاذ ومعدات وكلاب إنقاذ وفرق طبية طارئة.
أهملت سورية بذكاء، بالإضافة إلى حلفاء غربيين آخرين مثل ألمانيا وبولندا، بل وحتى اليونان، العدو التاريخي لتركيا، التي وعدت الرئيس أردوغان بـ»مساعدة فورية» أما الأسد السوري فلا، على الرغم من توجيه الأسد نداء دولياً للحصول على مساعدات إنسانية.
معظم المساعدات تصل من جنوب الكرة الأرضية. هبطت طائرات نقل من الإمارات وإيران وعمان ومصر والعراق وأرمينيا والصين والهند وباكستان وروسيا محملة بالمساعدات. فتح لبنان موانئه البحرية ومطاراته لشحنات المساعدات إلى سورية، وحتى فلسطين أرسلت فريق إنقاذ.
صعوبات كبيرة
قال الجراح الحلبي محمد زيتون، الذي يعالج ضحايا الحرب في سورية منذ سنوات، إنه لم ير من الإصابات والجرحى الخطيرة كما رأى في الزلزال وأن فرق الطوارئ تعمل ليل نهار في المستشفى حيث كان يعالج في باب الهوى على الحدود التركية، فيما نفدت المضادات الحيوية والمهدئات والمواد الجراحية وقرب الدم والضمادات والوريد.
تواجه سورية صعوبات خاصة في الاستجابة للزلزال، لأن:
أ) المعبر الحدودي الوحيد بين سورية وتركيا المرخص له من قبل الأمم المتحدة لنقل المساعدات الدولية إلى سورية لا يعمل بسبب الزلزال الذي ألحق أضرارا بالطرق المحيطة، وفقاً لمسؤولي الأمم المتحدة.
ب) لايزال مطار دمشق الدولي يخضع لعمليات إصلاح وصيانة بعد غارة جوية إسرائيلية على المنشأة في 2 كانون الثاني/ يناير، مما أعاق وصول الإمدادات الإنسانية.
ج) بسبب الدمار الذي سببته الحرب التي استمرت 12 عاماً في سورية والفشل الوحشي للعقوبات الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي لم يتم إلغاؤها.
في 6 شباط/ فبراير، ذكرت قناة الميادين اللبنانية أن «سورية تكافح بسبب الحرب التي أضعفت البنية التحتية، والعقوبات الغربية القاسية المفروضة على البلاد، والاحتلال الأمريكي لبعض الأراضي السورية، ونهب المليارات من الأراضي السورية. فالبلد غير قادر على الاستجابة الكاملة للكارثة المأساوية. ونتيجة لذلك، فإن عدد ضحايا الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة آخذ في الازدياد».

العقوبات الأمريكية وقانون قيصر أداة لتغيير النظام
في العام 1979، فرضت إدارة كارتر عقوبات على سورية لأول مرة، وذلك عندما وصفت البلد بأنه «دولة راعية للإرهاب».
تم فرض جولات جديدة في عامي 2004 و2011، عندما بدأ التمرد المدعوم من الولايات المتحدة ضد الأسد واتهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
في ديسمبر 2019، وقع الرئيس دونالد ترامب قانون قيصر، الذي يفرض قيوداً على السفر وعقوبات مالية على أي شخص يتعامل مع السلطات السورية، بينما يحظر دخول الأدوية والأغذية الأساسية إلى البلاد.
سُمي قانون قيصر على اسم المنشق عن الحكومة، قيصر، الذي نشر آلاف الصور التي تظهر مدنيين زعم أنهم يتعرضون للتعذيب على أيدي قوات الأمن التابعة للأسد.
أظهر ما يقرب من نصف الصور جنوداً حكوميين قتلوا، وضحايا تفجيرات بسيارات مفخخة وأعمال عنف أخرى مرتبطة بالحرب، وأظهر العديد من الصور الأخرى جنوداً لقوا حتفهم في المعارك وليس في مراكز التعذيب الحكومية.
كانت هوية قيصر غير واضحة أيضاً، وكان يشتبه في أنه كان في خدمة وكالة المخابرات المركزية.

ارفعوا عقوباتكم اللعينة
نشرت الصحفية المستقلة فانيسا بيلي تقريراً لبشار مرتضى، من سكان شمال سورية، على قناتها في تليجرام: «لا يمكن لطائرات الشحن الدولية أن تهبط في المطارات السورية بسبب الحصار الأمريكي، والدول تطالب شركات الطيران السورية بنقل إمدادات الإغاثة على متنها. طائرات نقل طائرات مدنية! ومن المعروف أن قانون قيصر مرتبط بممارسة الإرهاب الاقتصادي ويعتبر من أخطر أنواع الجرائم ضد الإنسانية».
أصدرت بيلي بياناً آخر لرجل الأعمال والنائب السابق في حلب فارس الشهابي: «ارفعوا عقوباتكم اللعينة حتى نفتح مطاراتنا لتلقي المساعدات الدولية! في حلب وحدها، تم تدمير أكثر من 50 مبنى، مما أدى إلى مقتل أكثر من 160 وإصابة الآلاف. الآلاف من العائلات أصبحت الآن بلا مأوى! أي حكومات شريرة هي هذه التي تفرض عقوبات اقتصادية وعقوبات سفر على الدول المنكوبة بالزلزال؟!».

حتى لا تصبح العقوبات جريمة ضد الإنسانية
دعا مجلس كنائس الشرق الأوسط (MECC) إلى الرفع الفوري للعقوبات المفروضة على سورية، زاعماً أن الحصار الحالي يمنع منظمتهم من تنفيذ جهود الإغاثة من الزلزال في جميع أنحاء البلاد. وقال المشاركون في المجلس، في بيان: «ندعو إلى الرفع الفوري للعقوبات المفروضة على سورية والوصول إلى جميع المواد لمنع العقوبات من أن تصبح جريمة ضد الإنسانية».
أدلى ثلاثة قادة مسيحيين بارزين في سورية بتصريح مماثل، كما فعل المنسق المقيم للأمم المتحدة في سورية مصطفى بن جميلة ورئيس الهلال الأحمر العربي السوري خالد حبوبتي، اللذان قالا في مؤتمر صحفي في دمشق إن «عملية الإخلاء وجهود الإنقاذ محدودة بسبب العراقيل»، الناتجة عن العقوبات الشديدة. هناك نقص في الآليات والمعدات الثقيلة لإزالة الأنقاض. لا أقصد الشاحنات أو الجرافات، بل آلات خاصة يمكنها رفع الأنقاض دون إصابة الأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض. الآن، بعد هذه الكارثة الطبيعية، حان الوقت لرفع العقوبات.

رد فعل همجي على مأساة إنسانية
الكولونيل المتقاعد ريتشارد بلاك، الذي طار في 299 مهمة قتالية في فيتنام وشغل منصب عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية فرجينيا في الفترة من 2012 إلى 2020، هو واحد من عدد قليل من كبار المسؤولين العسكريين أو الحكوميين السابقين الذين عارضوا التدخل العسكري الأمريكي في دول مثل سورية وأوكرانيا.
بعد يوم من الزلزال، وصف الكولونيل بلاك رد إدارة بايدن بأنه «عمل انتقامي ضد سورية التي ترفض الخضوع لحرب تغيير النظام الأمريكي والعقوبات المفروضة على البلاد منذ 12 عاماً».
وتابع الكولونيل بلاك: «يجب أن أقول لكم إنني لم أر قط مثل هذا الرد الهمجي على مأساة بهذا الحجم، حيث ينظر الناس في حلب بسورية حرفياً إلى أكوام من الخرسانة، وتنتهي حياتهم ويتجمدون حتى الموت من البرد. إنهم هناك بلا طعام ولا ماء وسيموتون. في غضون ذلك، تنتهز وزارة الخارجية الفرصة لتؤكد من جديد أننا نشعر بالمرارة لأننا لم نتمكن من فرض إرادتنا على الشعب السوري.
في عام 2020 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سورية بسبب الغضب من أن سورية صدت إرهابيي داعش والقاعدة الذين دعمتهم الولايات المتحدة واستخدمتهم لمحاولة التغلب على الحكومة. الآن ترى وزارة الخارجية في ذلك فرصة لتشديد نظام التجويع والتجميد الذي فرضناه على سورية من خلال عقوبات قيصر القاسية.
«أشعر بالاشمئزاز من تصرفات وزارة خارجية الولايات المتحدة. إنه حقاً لا يليق بأية أمة متحضرة أن تختار هذه اللحظة لتنتقم من الشعب السوري الفقير الذي يعاني».
اشتهرت بعض هذه المنظمات بشن هجمات وهمية لتورط الحكومة السورية في جرائم لم ترتكبها. المستشارة الخاصة للرئيس السوري، بثينة شعبان، اتهمت الغرب بدعم الإرهابيين في مناطق خارجة عن سيطرة الدولة السورية والمعنية بالدرجة الأولى بحماية «داعش» و»جبهة النصرة» و»الخوذ البيضاء»، ولكن ليس المناطق التي يعيش فيها معظم السوريين.
وفقاً لتقرير (US News & World Report)، يقع المستشفى الذي يعمل فيه زيتون في جيب تسيطر عليه المعارضة في شمال غرب سورية، وهي منطقة تحملت وطأة القصف الروسي والسوري أثناء الصراع في البلاد الذي قتل فيه مئات الآلاف، وحيث المدن مكتظة بالسكان الذين فروا من مناطق أخرى من سورية. قال الجراح: «كانت الموجة الضخمة الأولى من المرضى تفوق قدرات أي فريق طبي». تم تحويل سيارة الإسعاف إلى مستوصف، وتم وضع مراتب على الأرض حيث امتلأت الغرف بالضحايا وأفراد الأسرة المنكوبين.




الموقع: صحيفـــــــــــــة اليســــــار (Linke Zeitung)
نقلا عن الإنجليزية https://covertactionmagazine.com