«لا» 21 السياسي -
نشرت مجلة (Foreign Affairs) الأمريكية تحليلاً عنوانه «الحساب الذي لم يحدث.. لماذا تظل أمريكا حبيسة فخ أحلام الهيمنة الكاذبة؟»، ألقى الضوء على خلفيات الأحلام الأمريكية باستمرار الهيمنة على النظام العالمي، رغم التغييرات الكبيرة التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945.
نشرت مجلة (Foreign Affairs) الأمريكية تحليلاً عنوانه «الحساب الذي لم يحدث.. لماذا تظل أمريكا حبيسة فخ أحلام الهيمنة الكاذبة؟»، ألقى الضوء على خلفيات الأحلام الأمريكية باستمرار الهيمنة على النظام العالمي، رغم التغييرات الكبيرة التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945.
رصد تحليل «فورين أفيرز» تطورات أحلام الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، بداية من نهاية الحرب العالمية الثانية، التي جسدها الأمريكيون في فيلم وثائقي عنوانه «الانتصار عبر البحار»، الذي ركز على كيف أن القوة العسكرية الأمريكية كانت السبب الحاسم في انتصار الحلفاء بزعامة الولايات المتحدة على ألمانيا النازية واليابان الإمبراطورية.
وفي تصوير الأمريكيين لذلك التفوق من خلال فيلم «الانتصار عبر البحار»، تم التركيز على أهمية ضمان التفوق العسكري. وكانت رسالة الجزء الأخير من تلك السلسلة الوثائقية بعنوان «تصميم نظام من أجل السلام»؛ لكن حقيقة الأمر هي أن هذا التصميم لم يكن أكثر من مجرد «رسالة تحذير» مباشرة، مفادها أن «قنبلة واحدة، أسقطتها طائرة واحدة، أفنت 78 ألف شخص»، بحسب صوت الراوي الأمريكي في الفيلم، الذي صاحبته مشاهد الدمار الهائل في هيروشيما. واختتمت السلسلة الوثائقية بعبارة: «قنبلتان تسببتا في إنهاء الحرب العالمية الثانية».
حقيقة الأمر، فيما يتعلق بالانتصار الصعب والمكلف للغاية في الحرب العالمية الثانية، لم يكن يجب أن يمثل توثيقاً للهيمنة الأمريكية، ولا حتى مؤشراً إلى الأهمية القصوى للقوة العسكرية، بحسب ما خلص إليه تحليل «فورين أفيرز»، بل ثبت لاحقاً أن ذلك «الانتصار عبر البحار» كان أحد أهم مصادر الأوهام الأمريكية بالسيطرة والهيمنة على العالم.
ومع انفراد واشنطن بالهيمنة على النظام العالمي، تعرضت تلك النظرية الأمريكية لتحديات كبيرة كان من المفترض أن تؤدي إلى مرحلة من إعادة الحسابات، على غرار ما يحدث عادة مع الإمبراطوريات التي تعتمد على قوتها العسكرية، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.
كان يفترض بالعقدين الماضيين أن يمثلا «فشل السويس» بالنسبة للولايات المتحدة. لكن ما حدث هو أن صناع السياسة الخارجية في واشنطن رفضوا إجراء عمليات المراجعة الواجبة، وظلوا متمسكين بالأسطورة نفسها، القائمة على فكرة أن العالم يحتاج لمزيد من قوة أمريكا العسكرية كي يكون أفضل.
ورغم كل الأحداث المتلاحقة، من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الباردة وما تخللها من حرب فيتنام ثم غزو العراق وأفغانستان، التي كان يفترض بها أن تؤدي إلى انتهاء أوهام السيطرة والهيمنة الأمريكية على العالم بشكل كامل واتباع سياسة خارجية أكثر اتزاناً وأقل تدخلاً في شؤون الدول الأخرى؛ فإن الواضح أن شيئاً من هذا لم يحدث حتى الآن.
الخلاصة هنا هي أنه ما لم تتخلص واشنطن من أحلام الهيمنة على العالم قبل فوات الأوان، فقد تستيقظ على واقع جديد تفقد فيه ربما قدرتها على المشاركة الفاعلة في تشكيل النظام الجديد، الذي يبدو أن العالم المتغير بشدة حالياً في طريقه إلى الاستقرار عليه في وقت ما.
انتهى حديث «فورين أفيرز»، الذي كأنه جاء كإسقاط لما حدث في محافظة المهرة اليمنية مؤخراً، حيث يستمر الأمريكيون في التعلق بحبال أحلام الهيمنة على العالم، لتقطع بعضَ تلك الحبال القوّاتُ المسلحة اليمنية، من خلال تنفيذها عملية عسكرية ناجحة في ساحل المهرة، وهي العملية التي لم تعلن عنها صنعاء، فيما ذكرت مواقع أمريكية، أبرزها (Trade Winds News)، أن قوّات -يُعتقد أنها تابعة لصنعاء- طاردت قبل أيام -على متن ثلاثة زوارق في المياه الإقليمية الواقعة في نطاق محافظة المهرة- ناقلة غاز مسال وسفينة نفط أثناء اقترابهما من موانئ التصدير في بحر العرب، مُفشلةً محاولات العدوان ومرتزقته نقل النفط من شبوة عبر صهاريج إلى سواحل المهرة، المطلّة على بحر العرب، حيث تستخدم موانئ تصدير بديلة لتلك الرئيسة في شبوة وحضرموت.
انتصر اليمنيون براً، وسيفعلونها بحراً، دون أن يكون الانتصار عبر البحار مجرد فيلم ووهمٍ لا غير.