اليمن بالحبر الغربي -
اعتبر تحليل كتبه مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في «معهد واشنطن»، سايمون هندرسون، أن فرص التوصل إلى اتفاق سلام في اليمن بات أقرب من أي وقت مضى، بفضل تضافر عدة عوامل، أبرزها الرغبة الغربية والأمريكية في إنهاء المعاناة الإنسانية في البلد ذي الموقع الاستراتيجي، ورغبة السعوديين أيضا في الخروج من حرب مكلّفة ومستعصية؛ لكن الأمر ينطوي على تحدٍّ خاص بنفوذ إيران.
وقال سايمون إن الأسبوع الماضي شهد بوادر جديدة للتوصل إلى حل وسط في اليمن، ففي 26 شباط/ فبراير الماضي، استقبل ميناء الحديدة على البحر الأحمر الخاضع لسيطرة الحوثيين، سفينة الشحن الأولى منذ العام 2016، وذلك بعد حصول الميناء على تصريح من الأمم المتحدة.
وقد تم تسهيل المحادثات المباشرة من قبل سلطنة عمان، بالتوازي مع الجهود التي تقودها الأمم المتحدة منذ فترة طويلة لاستبدال الاتفاق الحالي وغير الرسمي لوقف إطلاق النار (الذي استمر منذ نيسان/ أبريل 2022) بهدنة رسمية.
وإذا تبيّن أن المسار العماني مثمر، فقد تتبعه مفاوضات سياسية شاملة في النهاية، رغم تردد المسؤولين المشاركين في المحادثات في مناقشتها، خوفاً من تعريض مجالات الاتفاق الناشئة للخطر، بحسب التحليل.
ولفت هندرسون إلى التقرير الذي نشرته صحيفة «ذا إيكونوميست» في 25 شباط/ فبراير الماضي، الذي أكد أن السعوديين يتفاوضون على اتفاق قد يسمح لهم بالانسحاب من اليمن، ومن الممكن أن يتم توقيع هذا الاتفاق خلال الأشهر المقبلة، «ربما في مكة المكرمة خلال شهر رمضان»، الذي يبدأ في أواخر آذار/ مارس الجاري.
ومع ذلك، من الملاحظ أن الاتفاق «لن يُخرج الحوثيين من السلطة، ولن يُنهي الحرب الأهلية الداخلية الفوضوية في اليمن».
وما تبحث عنه الرياض على ما يبدو هو «ضمانات لتوقف الحوثيين عن إطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ عبر الحدود»، وفق التحليل.
ويشير الكاتب إلى أن أي اتفاق سيكون بمثابة اعتراف بهزيمة السعودية، لاسيما بعد توسيع الحوثيين سيطرتهم على مناطق تمتد من العاصمة صنعاء إلى عدن، وعدم فاعلية الحملة العسكرية السعودية التي بدأت عام 2015، حيث باتت العملية تكلف الرياض ما يقدر بمليار دولار أسبوعيا.
لكن التحليل يلفت إلى أن الإمارات لا تشارك السعودية رغبتها في التوصل إلى اتفاق سلام بهذه الصيغة، ويمكن القول بأن أبوظبي عقّدت الجهود الدولية للتوصل إلى سلام، من خلال دعمها لـ»المجلس الانتقالي الجنوبي»، وهي حركة انفصالية مقرها عدن.
ومن وجهة نظر الحكومة الأمريكية، يقول هندرسون إن هذا الاتفاق سيكون خطوة إيجابية نحو تخفيف حدة الأزمة الإنسانية المستمرة في اليمن، والتي تؤثر في ما يقدر بثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 28 مليون نسمة. كما أنه سيساعد في تحسين علاقات واشنطن مع الرياض، التي تلقت حملة القصف التي شنتها دعماً لوجستياً أمريكياً في البداية؛ لكنها سرعان ما واجهت معارضة كبيرة في الكونجرس الأمريكي.
ومن المؤكد أن ترك اليمن في أيدي الحوثيين -الذين يظهر شعارهم الرسمي بشكل بارز عبارات «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود»- قد يكون نتيجة مؤلمة من نواح استراتيجية أخرى.
والأهم من ذلك، بحسب الكاتب، هو أنه يتعين على واشنطن تقييم كيف قد يؤثر مثل هذا الاتفاق في جهودها للحد من نفوذ إيران العدائي، خاصة أن الصواريخ التي تزود بها طهران الحوثيين قد تمتلك قريباً المدى اللازم لضرب جنوب «إسرائيل».
ويلفت الكاتب إلى أنه في البداية، كانت وجهة نظر القادة الإيرانيين أن هجوم الحوثيين هو مجرد قضية جانبية أخرى تستحق الدعم؛ لكن أن الحركة أصبحت منذ ذلك الحين أداة أكثر فاعلية لتهديد دول الخليج العربي و»إسرائيل» والمضيق الحيوي باب المندب الذي يفصل بين البحر الأحمر وخليج عدن، من بين أهداف أخرى.
ومع ذلك، حتى الاتفاق غير الكامل في اليمن قد يكون مفيداً في المسار الدبلوماسي التدريجي نحو السلام، ويمكن أن يتضمن تقليص روابط الحوثيين مع إيران بعض الشيء.

* معهد واشنطن