«لا» 21 السياسي -
كان (م. ق) طالباً فاشلاً بامتياز، حتى أنه صار مضرب المثل في الفشل الدراسي. لكن، وفي لحظة من لحظات النجاح الممتدة فرصاً (هبلاء) من كيس التجارة إلى كرسي الوزارة، نجح محمد في فتح دكان في السوق القديمة المهجورة على طريق دخول أبناء البدو والقبائل إلى المدينة. عبأ محمد دكانه بكل ما استطاع تحصيله من عائلته وتجميعه من أصدقائه، من تلفزيونات ومسجلات وراديوهات وفيديوهات وكل خردوات تسعينيات القرن الماضي.
وهات يا فلوس! يدخل القبيلي حاملاً تلفازه الضخم على المش مهندس محمد ويشكو إليه تقطع الإرسال أو تشوش الصورة أو عطل في الصوت، فيطلب منه محمد الذهاب لقضاء حاجاته واحتياجاته من داخل المدينة حتى يفحصه ويخبره عن سبب العطل وعن العلاج المطلوب. وحين يعود القبيلي يعلمه محمد -وقد أدرك أن العطل بسيط وقد فك صواميل الجهاز وأخرج بعضا من أجزائه لزوم الحبكة- أن تلفازه يحتاج إلى تغيير الأنتريشن وإلى إصلاح السكسكة، وأن الأمر يحتاج إلى خمسة أو ستة آلاف ريال، بسعر صرف ذلك الوقت طبعاً، وأن عليه الدفع الآن ثم العودة بعد يومين لاستلام جهازه صحيحاً معافى!
يدفع الرجل ويذهب، ويخرج محمد جهاز كاوية اللحام ويلحم سلكاً مقطوعاً هنا أو يبدل فيوز مقاومة هناك وإذ بالتلفاز زي الفل. وهكذا اشتغل محمد بالأنتريشن والسكسكة لسنوات، ولقط زلط زي الرز. بعدها قرر فتح صيدلية بالشراكة مع زميل دراستهما الفاشلة، ومن بعد الصيدلية قرر الفاشلان الناجحان افتتاح مستوصف وأداراه بطريقتهما المثلى: الأنتريشن والسكسكة!

بين جولتين
لا أعلم بالتحديد كم عدد الصيدليات والمستشفيات والمراكز والعيادات الواقعة ما بين جولتي تعز و45 في قلب العاصمة صنعاء؛ ولكن العدد بالمئات. هذا فقط بين هاتين الجولتين. أما في الزبيري والتحرير والدائري والستين والخمسين و... و... و... و... فحدِّثْ ولا حرج! ولا أدري كم عدد الوفيات الناتج عن فوضى الأنتريشن وغاغة السكسكة تلك. ما أعلمه هو أن (محمد. ق) وصديقه صارا في معظم إن لم يكن في كل تلك المباني المملوءة بالدم والممتلئة بالبنكنوت!

أذكى أبناء مثلث الدوم
تتعالج لديه منذ أكثر من عامين، وتتواصل معه بين كل فترة وأخرى، وحين يشتد عليك الوجع آخر مرة تذهب إليه مسرعاً ليفاجئك متسائلاً: قلت لي أيش في الأنتريشن حقك يا أخ علي؟!
إنه أذكى أبناء محافظة مضلع/ مثلث الدوم ال د (ن. ج).