جوزياه ثاير- الموقع: مناهضة الحرب (Antikrieg)
الترجمة عن الألمانية: نشـوان دماج / لا ميديا -
وفقا لتقرير البنك الدولي عام 2009، ثمة في اليمن ودائع ذهب من «طراز عالمي»، فيما البنك الدولي «مندهش» من عدم استخراج الكثير من الذهب في البلاد حتى الآن.
يحوي منجم الحارقة في محافظة حجة اليمنية ودائع ذهب تزيد قيمتها عن 5 مليارات دولار بسعر الذهب اليوم، ويمكن أن ينتج 200 ألف أوقية سنويا.
في عام 2009، حصلت شركة إماراتية مقرها جزر كايمان، تسمى «ثاني دبى الإمارات» للموارد الطبيعية والتعدين، وشركة «كانتكس» لتطوير المناجم، ومقرها في كندا، على حقوق التنقيب عن الذهب وتعدينه في حجة.
تبرز وثيقة مكونة من 90 صفحة بعنوان مراجعة قطاع المعادن في اليمن كتالوجات تفصيلية لثروة اليمن المعدنية الهائلة، والذهب مجرد واحد من المعادن الموجودة في جميع أنحاء اليمن والتي تطمع بها الأسواق الدولية.
في عام 2009، بلغ مجموع شركات التعدين العاملة في اليمن 16 شركة، 13 منها مملوكة للسعودية أو للإمارات التي لها مكاتب في الملاذات الضريبية كجزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان وهونغ كونغ.
تشتهر إحدى شركات التعدين، وتدعى Ansan Wikfs، بمساحات كبيرة من الأراضي التي تمتلكها في اليمن والسودان. تحاول “أنسان ويكفس” الظهور كشركة تعدين يمنية، لكنها مجرد شركة واجهة في جزر كايمان مملوكة لشركة شاهر التجارية، التي أسسها الملياردير اليمني المتوفى شاهر عبدالحق.
في تقريره الإحصائي لقطاع المعادن في اليمن عام 2009، ذكر البنك الدولي بوضوح أن “تمرد” الحوثيين في شمال اليمن يشكل تهديداً للتعدين في البلاد لأنه يرسم صورة سيئة للبلاد عند المستثمرين. ذكرت الوثيقة أيضاً أن “الوصول إلى الموارد في المناطق القبلية قد يكون صعباً”.
بعد ذلك، عندما تظاهر أهالي صعدة احتجاجا على قيام الحكومة بقطع الغاز المنزلي في القرى الشمالية، أطلقت كل من اليمن والسعودية عملية الأرض المحروقة، وهي عملية عسكرية شنت خلالها القوات البرية اليمنية هجومها على معاقل الحوثيين في أنحاء شمال اليمن، فيما قصفت القوات الجوية السعودية قرى قبلية بضربات جوية لا هوادة فيها.
يعيش في اليمن عدد كبير من السكان الشيعة، الذين غضبوا من قرار صالح بتنفيذ عملية الأرض المحروقة بالاشتراك مع المملكة السعودية على الأراضي القبلية الشيعية.
فشلت العملية في وقف الحراك الحوثي المتصاعد، فيما نزح أكثر من 50.000 شيعي وقتل أكثر من 8.000 مدني.
تُعد عملية الأرض المحروقة أحد الأصول الحقيقية للصراع في اليمن، حيث أثارت غضب التجمعات القبلية في غرب اليمن والتي طالما كانت من أنصار الرئيس صالح، مثلما أثارت غضب الحركة الانفصالية الجنوبية.
ردت الجماعتان بالتحالف مع الحوثيين ودعوة الشعب اليمني إلى التوحد ومعارضة نظام صالح.
في العام التالي، اندلعت اشتباكات في جميع أنحاء اليمن بين الموالين لصالح وقوى المعارضة الجديدة.
تقاتل الانفصاليون الجنوبيون مع القاعدة في شبه الجزيرة العربية في جنوب اليمن، فيما تنازع الحوثيون مع الموالين لصالح خارج صنعاء.
أسس صالح لنظام بيئي غير مستقر في اليمن، وذلك فور خروجه من براثن الحرب الأهلية اليمنية في أواخر السبعينيات. عملت حكومة صالح على تطوير قطاعي النفط والغاز في جميع أنحاء البلد، في محاولة لإعادة بناء البلاد بعد عقود من الحرب الأهلية. أدت التغييرات إلى انتعاش اقتصادي وحولت اليمن إلى دولة نفطية حتى أوائل العقد الأول من القرن الحالي عندما انخفض إنتاج النفط في اليمن. كان صالح قد استخدم النفط كورقة مساومة سياسية لتأمين سيطرته على مدى السنوات العشرين الماضية. لكن عندما نفد النفط في اليمن، بدأ صالح يفقد سلطته ولم يعد بوسعه دعم السياسيين في صنعاء، حيث لا مزيد من تقديم تخفيضات نفطية مربحة لزعماء القبائل أو الحركة الانفصالية الجنوبية.
كان أكثر من 70٪ من عائدات النفط يذهب لتطوير مؤسسات الدولة ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، أي أن النفط كان يسخر لبناء المدارس وصرف شيكات المدرسين. دعم البنك الدولي الصندوق الاجتماعي الذي تم إنشاؤه لإعفاء الشعب اليمني من اعتماده على الإعانات النفطية وإطلاق برامج اجتماعية لتدريب الناس على الوظائف ذات الطلب المرتفع، مثل البناء والهندسة والتعدين. وبحلول عام 2010، قام البنك الدولي بتمويل صندوق الرعاية الاجتماعية بالكامل وسيطر على معظم السكان بيده. كان البنك الدولي يعلم أنه إذا توقف فجأة عن تمويل صندوق الرعاية الاجتماعية، فإن الشعب اليمني سينزعج. توضح وثيقة البنك الدولي مدى سخونة قضية خفض دعم الوقود في اليمن وأنهم بحاجة إلى توخي الحذر بشأن إجراء تلك التخفيضات، غير أن كلا من الأمم المتحدة والبنك الدولي وحكومة صالح خذلوا الشعب اليمني.

ثورة الكرامة
بدأت ثورة الكرامة في يناير 2011 وانتهت في فبراير 2012. كانت الانتفاضة جزءا من “الربيع العربي” وحشدت إليها نحو 12.000 متظاهر. قتل خلال التظاهرات 2.000 مواطن نساء ورجالا، فيما أصيب المئات، بما في ذلك الحدث المروع في عام 2011 حين وجه الرئيس صالح الحرس الجمهوري بقصف مخيم احتجاج في ساحة التغيير، أسفر عنه مقتل العشرات. كما وجه الرئيس صالح الحرس الجمهوري بإطلاق بالرصاص الحي والغازات السامة على مجموعة من الطلاب المتظاهرين أثناء خروجهم من المساجد عقب صلاة الجمعة. أسفر عن الحادث مقتل 52 شخصا وترك 32 مصابين بتلف في الدماغ وجروح في الأجزاء العلوية من أجسادهم.
دفعت مذبحة ساحة التغيير كبار أعضاء الحرس الجمهوري إلى الانشقاق عن نظام صالح، بمن فيهم علي محسن، الذي طالما اعتُقد أنه ثاني أقوى رجل في اليمن. بعد مذبحة ساحة التغيير، أعلن محسن قائلا: “سنحمي المتظاهرين”. بعد 10 أشهر من الاحتجاجات و33 عاما في السلطة، تعهد صالح بالتنحي. وعلى الرغم من ذلك التعهد استمرت ثورة الكرامة، حيث كان الناس يريدون اعتقال صالح بسبب جرائم الفساد التي ارتكبها وانتهاكات حقوق الإنسان.
استقال صالح بعد توقيعه اتفاقا بوساطة الأمم المتحدة في الرياض، بثته قناة العربية الإخبارية السعودية. وقبل التوقيع المتلفز، أعلن العاهل السعودي الملك عبدالله “فتح صفحة جديدة في تاريخ اليمن”، مضيفا: “السعودية ستبقى أفضل نصير لليمن”. في الواقع، وافق صالح على الاستقالة بعد أن انفجرت قنبلة مزروعة في مسجد دار الرئاسة أثناء تواجده في الداخل. كاد الهجوم أن يودي بحياته، حيث أصيب 40٪ من جسده بحروق بالإضافة إلى إصابات في الرأس ونزيف داخلي.
في يوليو/ تموز 2011، وبعد أسبوعين من الحادثة، توجه مدير وكالة المخابرات المركزية السابق جون برينان، مساعد أوباما لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، للقاء بالرئيس صالح في أحد مستشفيات السعودية. وبحسب تقارير، حث برينان صالح على الوفاء بوعده واحترام اتفاقية التنحي التي تفاوضت عليها دول مجلس التعاون الخليجي. حينها لم ألحظ المستشفى في الرياض. لكن أليس من المنطقي افتراض أن برينان وجه لصالح إنذارا كان له علاقة كبيرة بالتفجير الذي نجا منه وبتعهده بالتنحي؟
دعمت الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن اتفاقية نقل السلطة التي تهدف إلى إعادة صياغة الدستور اليمني، فقام الشيعة بعزل الزيدي صالح واستبداله بالسني منصور هادي. كان الهدف من دعاية الرياض في قصر اليمامة الملكي بتاريخ الـ23 من نوفمبر 2011، عند “توقيع” صالح الاتفاقية على الهواء مباشرة عبر وسائل الإعلام السعودية، هو إعطاء الصفقة نوعا من الشرعية بالنسبة لليمنيين والمجتمع الدولي. منح الاتفاق صالح وأسرته حصانة من أي ملاحقة قضائية، وفي المقابل يقوم بتقديم استقالته ويسلم السلطة لنائبه هادي. لم يكن هادي أبدا خيارا جيدا لليمنيين وذلك لأنه، بصفته نائبا للرئيس اليمني منذ عام 1994، كان متواطئا في جرائم نظام صالح. من المسلم به أن المبعوث الأممي الخاص السابق لليمن جمال بن عمر قام بتصميم الصفقة للإطاحة بصالح واستبداله بهادي. في مقال كتبه لمجلة “نيوزويك” في أوائل عام 2021، أعرب بن عمر عن سعادته بأنه تفاوض على صفقة نقل السلطة وحتى إنه اختار المكان. أدى هادي اليمين الدستورية في مجلس النواب اليمني، بعد انتخابات كان فيها هو المرشح الوحيد وحصل على حوالى ستة ملايين صوت.
في مايو 2014، أجرى صندوق النقد الدولي والحكومة اليمنية محادثات بشأن قرض بقيمة 560 مليون دولار كان اليمن قد طلبه لتعزيز صندوق الثروة السيادي المتهاوي. ولتأمين الصفقة، وافق الرئيس هادي على خفض دعم الوقود من 20 إلى 40٪، في موجة تخفيضات تتم على مراحل كان من المقرر أن تبدأ في أكتوبر 2014. قام صندوق الثروة السيادية بتمويل دعم الوقود، وقد أنشأه البنك الدولي في عام 1996 لمساعدة المجتمعات الأكثر فقراً في اليمن. كان اليمن في وضع بائس، حيث أصبح المواطنون غير راضين عن حكومة هادي التي تحولت بعد ذلك إلى صندوق النقد الدولي للحصول على دعم مالي بحيث لم يعد البنك الدولي قادرا على المساعدة. تُظهر وثيقة التقييم الصادرة عن البنك الدولي لعام 2010 تقييما بالاضطرابات التي قد تنتج إذا تم خفض دعم الوقود بشكل كبير، ناهيك عن إلغاء كلي لدعم الوقود. ضغط صندوق النقد الدولي على الحكومة اليمنية لخفض دعم الوقود قبل الموعد المحدد، مما أثار أعمال شغب في شوارع اليمن.

العربية السعيدة أصبحت دولة فاشلة
في يوليو 2014، رفعت الحكومة اليمنية أسعار البنزين بنسبة 60٪ والديزل بنسبة 95٪ إرضاء لصندوق النقد الدولي، الذي دعا اليمن إلى إنهاء برنامج دعم الوقود ورفع أسعار الوقود للتعامل مع ديونه التي ازدادت منذ ثورة الكرامة عام 2011. أدى قرار رفع أسعار المحروقات إلى خروج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع صنعاء. ارتفعت أسعار الوقود بشكل كبير، مما جعل نقل الخبز بين عشية وضحاها أكثر كلفة بنسبة 20٪. لم يكن بمقدور المزارعين الذين يشكلون 60٪ من السكان تحمل تكلفة الوقود لتشغيل معداتهم، مما أدى إلى بطالة واسعة النطاق وأسواق قاحلة. في يناير/ كانون الثاني 2014، توقف الطبقة العاملة، الذين يشكلون العمود الفقري للبلاد من عمال بناء ومهندسين وأطباء ومعلمين، عن تلقي رواتبهم. الفارق الرئيسي بين ثورة الكرامة في اليمن عام 2011 والاحتجاجات التي اجتاحت البلاد في عام 2014 هو أن الذين احتجوا في عام 2014 لم يكونوا من الشباب أو الفقراء أو المهمشين في اليمن فقط هم الذين انتفضوا في ثورة الكرامة. بل قادت الطبقة العاملة اليمنية والمجتمع القبلي والطلاب والفقراء احتجاجات عام 2014 الذين نظموا الاحتجاجات في كل محافظة من محافظات اليمن.
توجب تعزيز تخفيضات دعم الوقود من خلال البرامج الاجتماعية لمن يعتمدون على هذا الدعم. واعتبارا من عام 2014، لم تقم الحكومة اليمنية بأي تخفيضات في دعم الوقود وفشلت في تنفيذ ما يسميه البنك الدولي برامج شبكات الأمان. في 1 يناير 2014، كانت مدفوعات القروض التي قدمها البنك الدولي إلى اليمن مستحقة، وكانت البلاد بحاجة إلى المساعدة في سداد رسوم القرض. كان الصندوق بحاجة إلى مزيد من الأموال لتوزيعها على 5 ملايين يمني مسجلين في البرنامج. ولجعل الأمور أسوأ، بالنسبة للبنك الدولي، فشلت المفوضية الأوروبية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، اللذان أنشآ ومولا صندوق الثروة السيادية، في مساعدة اليمن على إنشاء برامج اجتماعية كان من المفترض أن توفر شبكة أمان للسكان الأكثر ضعفاً في اليمن. توسع صندوق الثروة السيادية من مائة ألف يمني في عام 1996 إلى أكثر من مليون في عام 2000. وفقًا لتقرير تقييم الفقر في اليمن لعام 2007 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PDF)، ذهب 77٪ من دعم الوقود للأسر التي تعيش فوق خط الفقر و13٪ فقط للأسر ذات الدخل المنخفض المزمن.
حصل البنك الدولي على قروض لصندوق الثروة السيادية من وزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة والمعهد الأمريكي لتحليلات الدفاع، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على سبيل المثال لا الحصر، من المانحين الدوليين. استهدفت إصلاحات صندوق الثروة السيادية مساعدة أولئك الذين يعيشون في فقر مزمن ملفت لانتباه برنامج الغذاء العالمي، الذي كان منذ عام 2009 يعمل عن كثب مع برامج المساعدات الغذائية التابعة لصندوق الرعاية الاجتماعية. توضح وثيقة التقييم الصادرة عن البنك الدولي لعام 2010 بالتفصيل كيفية قيام الحكومة اليمنية بإجراء تخفيضات تدريجية من عام 2010 إلى عام 2014.
عندما بدأ اليمن يفقد السيطرة في أواخر عام 2014، كان الحوثيون على وشك الاستيلاء على عدن حين فر هادي وأعضاء الحكومة المعترف بها دوليا إلى السعودية. بعد وقت قصير من وصول هادي إلى الرياض، أصدر مجلس التعاون الخليجي قرارا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى حصار اليمن وتفويض مجلس التعاون الخليجي بشن حرب ضد الحوثيين وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. ينص القرار تحديدا على أن تأمين الطرق البحرية حول اليمن أمر حيوي للتجارة الدولية، ويخشى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أن يؤدي عدم استقرار اليمن إلى تعريض الأمن في شبه الجزيرة العربية للخطر.
بموجب القانون الدولي، يعتبر الحصار غير قانوني إذا كان التأثير السلبي على المدنيين يفوق الفائدة العسكرية الفورية للحظر. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يمكن لهيئة تم إنشاؤها لحماية الدول من الخصوم الأقوياء العدوانيين بشكل مفرط أن تبقي على حصار اليمن لمدة ثماني سنوات؟ يدرك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جيدا الأزمة الإنسانية في اليمن، قام بالإبلاغ عن القصف العشوائي للمناطق المدنية منذ التدخل بقيادة مجلس التعاون الخليجي. لا تغض الأمم المتحدة الطرف عن جرائم الحرب في اليمن فقط، بل تتغاضى عن جرائم الحرب في اليمن.

 جوزياه ثاير باحثة ومؤلفة وناشطة مناهضة للحرب في نيو إنجلاند بالولايات المتحدة.
أسست wedacoalition.org، وهو موقع معلوماتي غير مدعوم قائم على الأبحاث لمكافحة الروايات السائدة التي غالبًا ما تضلل الجمهور، وكذا -OpYemen، وهي حملة عبر الإنترنت لتثقيف العالم حول الفظائع المستمرة في اليمن.