اليمن بالحبر الغربي -
سيكون من الصعب تصور أن يحل العراق محل سلطنة عمان كوسيط دبلوماسي أجنبي رئيسي في الصراع اليمني؛ لكن قربه من إيران قد يساعده على التأثير في الحوثيين، وجلبهم إلى حل وسط ينهي الحرب المستعرة منذ سنوات.
هكذا يزعم تحليل لـ»منتدى الخليج الدولي»، مشيراً إلى تحديات عدة تواجه العراق في مهمته التي عرضها وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في 23 تموز/ يوليو، للتوسط في محادثات وقف إطلاق النار الجارية في اليمن.
وقال حسين، خلال استقباله أحمد بن مبارك في بغداد: «العراق مستعد للوساطة. لدينا علاقات جيدة مع جميع الأطراف. ويمكننا استخدام نفوذنا لتحقيق الاستقرار والأمن في اليمن».
ووفق التحليل، يستند عرض العراق إلى صعود نجمه في السنوات الأخيرة كوسيط إقليمي، حيث ساعد دول المنطقة على إصلاح العلاقات كجزء من التقارب الإقليمي الأوسع في حقبة ما بعد 2021.
ولعب العراق، إلى جانب الصين وسلطنة عمان، دوراً بالغ الأهمية في جلب السعودية وإيران إلى اتفاقهما الدبلوماسي الأخير، فضلا عن تسهيله استعادة النظام السوري علاقاته مع الدول العربية، وإعادة اندماجه بشكل عام في السلك الدبلوماسي في الشرق الأوسط.
وجاء طلب وساطة العراق، في ظل وقف فعلي لإطلاق النار في اليمن، رغم انتهاء الهدنة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2022.
ورغم أن العنف لم يتوقف بشكل كامل، إلا أن مستوياته ظلت منخفضة للغاية مقارنة بذروة الحرب، وهو ما سمح بانخفاض الأضرار الجانبية التي لحقت بالمدنيين وغير المقاتلين باستئناف بعض برامج المساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، في حين أن هذا الهدوء النسبي مناسب للأطراف المتحاربة، إلا أنه لا يضمن عدم عودة القتال إلى اليمن في المستقبل.
وإدراكاً لعدم إحراز تقدم في مفاوضات السلام هذا الصيف، إلى جانب تحذير «زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي»، مؤخراً من أن الهدنة الحالية في اليمن لن تصمد إذا لم تستجب السعودية لمطالبهم، فإن هناك مخاوف مشروعة بشأن مصير الحرب في اليمن.
وأمام ذلك، يتساءل التحليل: «إلى أي مدى يمكن للعراق البناء على مناوراته وإنجازاته الدبلوماسية السابقة للعب دور وسيط بناء في اليمن؟».
ويضيف: «من العدل النظر في كيفية تأثير القرب النسبي لبغداد من طهران على المعادلة، فمنذ أن خلف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني سلفه مصطفى الكاظمي، العام الماضي، أصبحت الحكومة العراقية بلا شك مدينة أكثر بالفضل لإيران».
ويتابع: «قد يخلق التحالف الوثيق بين بغداد وطهران انطباعا داخل المعسكر الموالي للحكومة المعترف بها بأن العراق غير مناسب للتوسط بشكل فعال في اليمن، نظرا لرعاية إيران للحوثيين، كما يمكن أن تساهم علاقة الحوثيين الودية مع بعض الجهات الفاعلة الموالية لإيران في العراق، في تصورات مفادها أن الحكومة العراقية ليست محايدة بما يكفي للتوسط بين الفصائل اليمنية المختلفة».
ويزيد: «ولكن من ناحية أخرى، يمكن أن يكون للنظام السياسي الموالي لإيران في بغداد نتائج إيجابية على احتمالات الوساطة الناجحة بين الحوثيين وخصومهم اليمنيين».
وتقول إليزابيث كيندال، الأكاديمية في كلية جيرتون بجامعة كامبريدج، إن «القيمة الحقيقية لعرض بغداد للتوسط تكمن على وجه التحديد في روابطها الوثيقة مع إيران».
وتضيف: «كانت إحدى نقاط الضعف في الجهود المبذولة للتفاوض على السلام في اليمن هي افتقار المجتمع الدولي إلى التأثير على الحوثيين. وإذا تمكن العراق من استخدام نفوذه مع إيران، فقد يكون لذلك آثار غير مباشرة على جلب الحوثيين إلى حل وسط».
وبغض النظر عن مدى تأثير علاقة العراق بإيران على المعادلة، يشير بعض الخبراء -وفق التحليل- إلى قضايا أخرى يمكن أن تحد من وسائل بغداد لمساعدة الفصائل اليمنية على التحرك نحو سلام دائم.
أبرز هذه التحديات هو مستوى النفود المنخفض نسبياً للعراق في اليمن.
وتعلق فينا علي خان، الباحثة اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية، على ذلك بالقول: «بينما يطمح العراق إلى أن يكون وسيطاً إقليمياً، يبدو بصراحة أنه يفتقر إلى القدرة والنفوذ اللازمين».
وتوضح خان أيضاً أن عوامل مثل «رغبة الرياض في احتكار المحادثات ونفوذ العراق المحدود وعلاقاته على الأرض من أجل وساطة فعالة، يمكن أن تكون بمثابة حجر عثرة رئيسي في جهود بغداد».
يشار إلى أن عمان أكبر لاعب أجنبي في الدبلوماسية اليمنية، وتحظى بثقة نسبية من قبل مختلف الأطراف، وقد كرست طاقة دبلوماسية كبيرة لإنهاء الصراع.
ويقول التحليل: «سيكون من الصعب تصور أن يحل العراق محل عمان باعتباره الوسيط الدبلوماسي الأجنبي الرئيسي في الصراع، فمخاطر الحرب على السلطنة أعلى بكثير من العراق، نظراً لاحتمال امتدادها عبر حدود عمان المجاورة».
ويضيف: «تتمتع مسقط بسجل حافل من الدبلوماسية في اليمن، وحصلت على مستويات عالية من الثقة لدى جميع أطراف النزاع تقريباً».
ويتابع: «من الأهمية بمكان أن يظل الوسطاء العمانيون ملتزمين بحل الأزمة، مما يلغي الحاجة إلى قوة بديلة».
ويستطرد التحليل: «لكن لا العمانيون ولا العراقيون ينظرون إلى التحديات الدبلوماسية في اليمن باعتبارها لعبة محصلتها صفر، ولن تكون مسقط وبغداد متنافستين على الساحة السياسية في اليمن».
ويختتم التحليل بالقول: «يمكن لجهودهما وغيرهما أن تكمل بعضها بعضا بسهولة، وإذا تمكنوا من تحقيق سلام دائم في اليمن، فإن منطقة الخليج الأوسع ستكون في وضع أفضل بكثير».

منتدى الخليج الدولي