«لا» 21 السياسي -
بمجرد أن تم الإعلان عن الهدنة بين المقاومة في غزة وبين صهاينة الغرب، علا عويل متصهيني العرب وتزايد نباحهم وتضاعفت مزايداتهم، رغم اعتراف أسيادهم بالهزيمة أو على الأقل بعدم الانتصار.
وبمنطق انهزامي يُساءلون - وهم آخر من يحق لهم المساءلة: كيف تخسر 15 ألف شهيد من أجل تحرير 150 أسيراً؟!!
ويتعامون -وبمقياس منطقهم المكسور نفسه- عن أن أسيادهم من صهاينة «تل أبيب» قد خسروا ما يتجاوز 2000 قتيل وآلاف الجرحى والمنازل والسمعة والبروباجندا من أجل تحرير 50 أسيرا لا غير!!
كما يتغافلون بعمد وقصد عن أن هؤلاء الـ50 أسيراً صهيونياً ليسوا نهاية الحكاية، فيوجد أضعافهم من العسكريين الذين بيد المقاومة ولن يطلق سراحهم إلا بتبييض سجون الاحتلال من 10 آلاف أسير فلسطيني!
ينطلق هؤلاء الانهزاميون من العمالة أولاً، ومن الفجور في الخصومة تالياً، ومن الجهل بالتاريخ وعدم قراءة تجارب الشعوب في التحرر بشكل دقيق، فيتكلمون بلسان واحد: كم عدد الأسرى المحررين مقابل عدد ضحايا غزة؟! كم سقط من جنود الاحتلال مقابل من سقط في غزة؟! ماذا حررت المقاومة من أراض محتلة مقارنة بما توسع فيه كيان الاحتلال في الداخل الفلسطيني؟! لماذا دخلت المقاومة في حرب مع خصم أقوى منها؟! لماذا ورطت غزة بسبب «طوفان الأقصى»؟! لماذا يظهر أبو عبيدة متخفياً؟! لماذا يختبئون في الملاجئ؟! لماذا أعدوا لأنفسهم ملاجئ وتركوا المدنيين يواجهون مصير القتل والتنكيل والهدم؟!... وغير ذلك من التساؤلات المكررة التي تسير بخوارزمية ممنهجة لهذا القطيع.
وليتذكر هؤلاء المنبطحون أن الفيتناميين خاضوا حرباً شرسةً للتحرر من المستعمر الأجنبي طيلة أكثر من عقدين سقط منهم خلال تلك الحرب قرابة 882 ألف قتيل، بينهم 655.000 ألف رجل بالغ، و143.000 ألف امرأة بالغة، و84.000 ألف طفل، مقابل الإجهاز على 47 ألف جندي أمريكي، وبعد كل تلك التضحيات أجبر الأمريكان على الخروج بعد مرارة الهزيمة وأعلن في 2 يوليو/ تموز 1976 قيام جمهورية فيتنام الاشتراكية الموحدة. وخاضت المقاومة الليبية مقاومة ضد المحتل الإيطالي استمرت عشرات السنين، منها 20 سنة كاملة قاد المقاومة فيها البطل عمر المختار (1911 - 1931)، وخلال تلك الفترة قتل ربع سكان مدينة برقة (60 ألف مواطن)، فيما أحرقت ديارهم ودُمرت محاصيلهم وتعرضوا لشتى أنواع التنكيل والقتل والتهجير. وضحى الجزائريون خلال ثورة التحرير التي قادوها ضد الاحتلال الفرنسي إبان الفترة 1954- 1962 بأكثر من ربع سكان البلاد، أي قرابة 1.5 مليون جزائري، مقابل قتل 23 ألف فقط من الجنود الفرنسيين؛ لكنهم في النهاية وبفضل المقاومة دحروا المحتل وأجبروه على جرجرة ذيول الخيبة والانكسار.
وليتأكد هؤلاء -وإن كانوا يعلمون ذلك في أعماقهم- أنه لولا يقين أسيادهم من صهاينة «تل أبيب» وواشنطن بالهزيمة ما كانوا ليفاوضوا ولا يقبلوا بالهدنة وهم من لا يفهمون غير لغة القوة، القوة فقط.