تحقيق نشوان دماج / لا ميديا -
لا يتوقف العدو السعودي عن حربه الشعواء على اليمن في مختلف الجوانب. وما يبدو على السطح من تلك الجوانب ليس له أن يكون الوحيد، بل ثمة جوانب أخرى لا تقل خطورة ولا فداحة عن العدوان والحصار تجري خلف الكواليس منذ سنوات وبنيران خافتة وغير ملفتة تستهدف مصانع وشركات إنتاج الأكياس البلاستيكية المحاكة والتي تستخدم لتعبئة القمح والدقيق والسكر والأرز وأعلاف الحيوانات من الذرة والصويا وغيرها.
قد يتصور البعض أن قضية الأكياس المحاكة التي تستخدم لتعبئة مختلف أصناف المواد الغذائية الرئيسية قضية عادية لا تستحق الوقوف عندها، لكنها من الأهمية بحيث تدخل ضمن الأمن القومي الغذائي، ولا يقل وجودها أهمية عن وجود القمح والدقيق وبقية المواد الغذائية بل هي مرافقة وملازمة ولا تنفك أي منهما عن الأخرى. وأن تنعدم معناه أمر واحد: أن البلد يدخل في أزمة جوع حادة بسبب أن صوامع الغلال لا تجد ما تعبئ به قمحها ودقيقها وبقية المواد.
أربعة مصانع لإنتاج الأكياس البلاستيكية المحاكة يمتلكها اليمن وهي موجودة في الحديدة (مصنع شركة تهامة، وشركة مزايا الغربية، ومصنع رأس عيسى، ومصنع الضحي). كل واحد من هذه المصانع يستورد ما يقرب من 300 إلى 400 طن شهريا من المواد الخام المصنع منها تلك الأكياس، فيتم بذلك تغطية السوق المحلية من حاجتها إلى الأكياس المحاكة (الشوالات) التي يتم تصنيعها من المادة البتروكيماوية (بولي بروبلين Pp).
هذه المصانع الأربعة واحد منها توقف تماما في العام 2021 وهو مصنع الضحي، فيما المصانع الثلاثة الباقية مازالت تصارع للبقاء، وهي الآن بين الحياة والموت. أما الجهات المعنية فهي في موقف المتفرج الذي يريد أن يصحو الشعب اليمني يوما ما على كارثة أن أطنان القمح والسكر والدقيق التي يستوردها متكدسة في الصوامع لا تستطيع الخروج لانعدام تلك الأكياس المعبأة فيها، فضلا عما تكون قد خلفته من أضرار فادحة على البلد بضرب بنيته الصناعية.

ناقوس من خشب! أم أذن من طين؟!
منذ سنوات ومصانع الأكياس المحاكة تدق ناقوس الخطر وتناشد الجهات المعنية اتخاذ حلول سريعة وعاجلة، لكن يبدو أن الوقت لم يحن بعد بالنسبة لتلك الجهات حتى تلتفت للأمر وللخطر المحدق.
في حديثه لصحيفة «لا»، يؤكد المهندس يحيى الحديدي، مدير شركة تهامة للصناعة والتجارة، وهي إحدى الشركات المتضررة والمختصة بإنتاج الأكياس المحاكة (الشوالات)، أن قطاع الإنتاج في مصنعهم بدأ يعاني من زيادة التكاليف بالتزامن مع بدء العدوان والحصار. فباعتبار شركة «سابك» السعودية هي الأولى عالميا في إنتاج خامات البلاستيك والمزود الوحيد لمصانع الشرق الأوسط، فإنه إلى ما قبل 2014 كانت شركة «سابك» تلك، هي التي تتولى تزويد المصانع بالمواد الخام وإيصالها بتكاليف معقولة، بحيث كانت فرصة العمل والمنافسة مناسبة ولم تكن المصانع بحاجة إلى أي دعم.
لكن المشكلة بدأت منذ 2014، وذلك عندما أوقفت «سابك» تصدير المواد لليمن بشكل رسمي، ثم أخذت المشكلة تتعاظم حتى وصلت ذروتها في 2021 وهي مستمرة حتى الآن، حيث أصبحت المصانع تحصل على المواد الخام بصعوبة بالغة وعبر وسطاء يأخذون الحصص والنسب المرتفعة، وهذا معناه زيادة كلفة سعر الخامات.

جزء من العدوان على اليمن
قرار «سابك» كان جزءا من العدوان على اليمن، وهو أمر لا يمكن إخفاؤه، حيث كانت متأكدة من أن قرارها سيجعل مصانع الإنتاج اليمنية مضطرة لأن تحصل على المواد الخام عبر وسطاء، وهذا سيكلفها أضعاف ما كانت تشتريه منها، أي أن الفارق سيكون ألف ريال سعودي عن الطن الواحد، وبالتالي سيكون مرهقا بالنسبة لها، في الوقت الذي قامت بتخفيض سعر تلك المواد للمصانع السعودية من أجل أن تكون هي الخيار الذي يتم اللجوء إليه في نهاية الأمر.
كما أنه عند قيام العدوان بفرض حصاره على ميناء الحديدة تسبب ذلك في ارتفاع أسعار المحروقات التي من بينها مادة الديزل المشغلة للمصانع اليمنية باعتبار أن غالبيتها تعمل عبر مولدات، وليس الأمر كما هو مع المصانع السعودية التي تعتمد على الكهرباء الحكومية ولا يكلفها الكيلووات الواحد سوى 18 هللة سعودية، أي ما يعادل 25 ريالا يمنيا، بينما سعر الكيلووات يصل إلى 200 ريال بالنسبة للمصانع اليمنية، وبالتالي الحديث هنا عن عشرة أضعاف تدفعها مصانعنا كتكلفة كهرباء. وهذه مشكلة لا تقل ضررا عن الأولى، بالإضافة إلى مشكلة ثالثة وهي أن مواد الخام الأخرى (كالأحبار ومخففات الأحبار التي تستخدم في طباعة الأكياس) وكذا قطع الغيار المختلفة التي يتم استيرادها من دول آسيوية كلها تصل بتكاليف مرتفعة نتيجة عدم توفر خدمات الشحن الجوي، فيتم شحنها برا عبر عُمان. وهذا معناه تأخر وصولها بشكل كبير جدا وبتكاليف باهظة، لاسيما وأنه يتم فرض رسوم جمركية عليها في أكثر من مكان، في دبي ثم في عُمان ثم في منفذ شحن ثم في منفذ نهم، بحيث لا تصل إلا وقد كلفت أكثر من ثلاثين في المائة من قيمتها.

مشكلة ثلاثية الأبعاد
ويمكن تلخيص الإشكالية الرئيسية التي تعاني منها مصانع إنتاج الأكياس المحاكة المحلية في ثلاث نقاط:
الأولى: ارتفاع سعر المواد الخام وتكاليفها مقارنة بما تحصل عليه المصانع السعودية، إذ إنها تشتري الطن الواحد بفارق 250 إلى 300 دولار أو ما يعادل ألف ريال سعودي، ثم تقوم بنقله عبر أكثر من منفذ جمركي إذا كان ذلك عبر عُمان، أو عبر منفذين جمركيين إذا كان عبر السعودية مباشرة.
الثانية: تكاليف الكهرباء وارتفاعها بالنسبة للمصانع المحلية إلى عشرة أضعاف مقارنة بالمصانع السعودية.
الثالثة: التكاليف الباهظة في استيراد قطع الغيار وبقية المواد الأخرى من الدول الآسيوية نظرا للحصار المفروض على اليمن.
كل هذا جعل المصانع المحلية تكابد الأمرين، حيث ارتفعت تكاليف الإنتاج بصورة غير مسبوقة.

تدمير المنتج الوطني بضوء أخضر رسمي
قامت السعودية باتخاذ تلك الخطوة العدوانية تجاه اليمن بغرض إنهاك وتدمير الاقتصاد الوطني. وكانت الخطوة فعلا ممنهجا أثر بشكل كبير على تلك المصانع، حيث وصل الفارق في سعر الطن الواحد من المادة الخام إلى ما يقرب من ألف ريال سعودي مع كل طن، وهذا معناه عدم قدرة المصانع على البيع بنفس التسعيرة السابقة. فالمصانع السعودية تعمل بأقل الإمكانيات وتبيع بسعر مريح مع وجود تخفيض كبير في سعر المواد الخام، فضلا عن اعتمادها على الكهرباء الحكومية بأسعار رمزية زهيدة، فيما المصانع اليمنية مضطرة لأن تستورد المواد الخام بسعر كبير، وتتحمل بالإضافة إلى ذلك تكاليف الديزل المشغل والجمارك والضرائب وتكاليف المواد الخام الأخرى وقطع الغيار التي تستوردها من دول آسيوية كالهند والصين، وتريد منها وزارة الصناعة أن تنافس بمنتجها المحلي ما يتم إغراق السوق به من المنتج المستورد الذي لا يعاني من جزء صغير مما تعانيه وتكابده المصانع المحلية.
هذا الأمر بحد ذاته كان قاصما للظهر، فضلا عن كون السعودية ستقوم بخطوة ثانية وهي إغراق السوق اليمنية بالأكياس الجاهزة المصنعة في مصانعها، بسعر أقل من سعر المصانع اليمنية، وذلك بغرض إرهاق تلك المصانع تماما كمقدمة لإغلاقها، وهو ما يبدو أنها في الطريق لتحقيقه، حيث برز عدد من الأسماء السمسارية في السوق، استأجروا لهم مجموعة دكاكين غير ملفتة في صنعاء وغيرها تضم أدوات بلاستيكية منزلية أو أكياس دعاية، وأصبحوا بطريقة أو بأخرى هم المستوردين للأكياس الجاهزة من المصانع السعودية يغرقون بها السوق ويتجه نحوهم التجار بشكل كبير، فيما الجهات المعنية في وزارة الصناعة والتجارة ومصلحة الجمارك كأنه لا يعنيها الأمر ولا الضرر الكبير الذي يضرب الوطن اقتصاديا وصناعيا، وتاركة تلك المصانع تصارع وتحتضر بلا مغيث. فطالما أن أولئك المستوردين ممن هم بلا ملامح يغدقون ويرضون تجار القمح والسكر، فبالتالي لا شأن لها بما يحدث ولتذهب تلك المصانع هي ورأسمالها وعمالها واقتصادها وما تسدده للدولة من ضرائب وجمارك وزكوات إلى الجحيم.

سماسرة للبيع
وكأن تلك الخطوة العدوانية التي انتهجتها السعودية تجاه المصانع الوطنية لم تكن كافية لتقابلها خطوة عدوانية مماثلة من الجهات المعنية من ضرائب وجمارك ووزارة صناعة وغرفة تجارية بأن سمحت لمجموعة من السماسرة كما يصفهم مدير شركة تهامة بإغراق السوق بمنتج سعودي مستورد، تاركة لهم الحرية الكاملة في التصرف كما يشاؤون وفي استيراد ما يشاؤون.
الكارثة بحسب الحديدي هي أن سماسرة المصانع السعودية هؤلاء يكون لدى الواحد منهم دكان بفتحة أو فتحتين في هذا السوق أو ذاك ويدفع الضرائب والزكوات التي يدفعها أصحاب المحلات الصغيرة، وعندما تأتي إقراراته الضريبية والزكوية وغيرها يقول لهم «لست سوى تاجر مسكين لديه دكان من فتحتين، فكم عسى ستفرضون من الضرائب ومن الزكوات على دكاني الصغير هذا؟!»، وهكذا يكون قد استطاع الاحتيال والتنصل بشكل منقطع النظير. بل حتى الرسوم الجمركية نفسها التي يدفعها عند استيراده للمنتج السعودي هي نفس الرسوم التي تدفعها المصانع المحلية عند استيرادها المادة الخام: خمسة في المائة في منفذ الوديعة وخمسة في المائة في منفذ نهم. ثم يأتي ليقدم عروض أسعاره لتجار القمح والدقيق والأرز والسكر وأعلاف الحيوانات بأسعار تنافس أسعار المنتج المحلي، بأقل من عشرين أو ثلاثين ريالا مما تبيعه المصانع المحلية نظرا لكلفة الإنتاج المرتفعة، فيُقبل أولئك التجار على شراء المنتج المستورد.
فإذا ما أرادت المصانع المحلية بيع الكيس الخاص بتعبئة الدقيق مثلا بسعر 140 ريالا، نظرا لكل تلك التكاليف الباهظة التي تتكبدها، فإن ذلك السمسار يعرضه بسعر 120 أو 110 ريالات وهو بأتم الراحة والمتعة، بل يبيع الواحد منهم أكثر مما تبيعه المصانع المحلية مجتمعة، وتسمح له وزارة الصناعة والتجارة بذلك دون أن تدرك أن هذا معناه ضرب المصانع الوطنية في مقتل، حيث لن تعود قادرة على أي منافسة ولن يعود التجار يلتفتون إليها طالما وأن هناك من يزودهم بحاجتهم من الأكياس المحاكة بفارق عشرين أو ثلاثين ريالا عن كل كيس. وبالتالي المستفيد الأكبر هو مجموعة سماسرة المصانع السعودية والتجار ولا أحد غيرهم. لكن يبدو أن الوزارة لا يهمها أن يتضرر المنتج المحلي ويضرب في الصميم ولا أن تتوقف تلك المصانع وما يعنيه توقفها من حرمان مئات العمال في المصنع الواحد -وبالتالي مئات الأسر- من مصدر رزقهم، فضلا عن حرمان الدولة مما تدفعه تلك المصانع لخزينتها من ضرائب وجمارك وزكوات ومسميات أخرى. وليس ذلك فحسب، بل سيؤدي توقف تلك المصانع إلى إشكالية كبرى حتى بالنسبة للتجار أنفسهم، بحيث لو احتاجت شركاتهم لاحقا حتى إلى عشرة أكياس أو مائة كيس، فلن يجدوا من يزودهم بها إلا أولئك السماسرة ومصانع مملكة العدوان، أي أنهم سيصبحون رهن أمزجة تلك المصانع تفرض السعر الذي تريده ولن يكون بوسعهم ولا بوسع أحد إلا الانصياع لها.

قرار معطل وحجة باطلة
تتحجج وزارة الصناعة والتجارة هنا بأن أي إضافة في أسعار القمح والدقيق بمثابة خط أحمر، فتجيب عليها مصانع الأكياس المحاكة المحلية بأن مبلغ عشرين أو ثلاثين ريالا لن يؤثر على قيمة كيس القمح التي تبلغ أربعة عشر ألف ريال زائدا 30 ريالا. أي أن المستهلك هو آخر المتضررين، بل لن يتضرر في شيء على الإطلاق. كما أن تلك الأكياس لا تستخدم فقط للقمح والدقيق، بل هناك استخدامات أخرى لها كأعلاف الحيوانات من الذرة والصويا وبعض المحاصيل الزراعية كالبطاط والبسباس والثوم، ولو حدث أن أضيف عشرون أو ثلاثون ريالا إليها فليس لذلك من أثر على المزارع ولا على المستهلك، بينما الانتظار حتى تكون المصانع قد أغلقت فذاك هو الكارثة بعينها. والمشكلة أنه حتى في تلك الناحية فقد استولت المنتجات المستوردة عليها بشكل كبير عليها وأخذت حصة المصانع المحلية منها.
بل إن تلك المصانع لم تعد تطالب بفرض تلك الزيادة على سعر أي كيس، بقدر ما أنها تريد من وزارة الصناعة والتجارة ومن مصلحة الجمارك أن تقوم بتطبيق القرار الصادر عن رئيس المجلس السياسي الأعلى بخصوص دعم المنتج المحلي المتضرر من العدوان بفرض زيادة جمركية قدرها 200 في المائة على المنتج المستورد. وهو القانون رقم (1) لسنة 1445هـ بشأن تعديل قانون الجمارك رقم (14) لسنة 1990م، والذي نصت الفقرة (ب) منه على: «في إطار تشجيع وحماية المنتج المحلي، لمجلس التعرفة رفع فئة الرسم الجمركي على السلع المستوردة المنافسة للمنتج المحلي بحيث لا تتجاوز نسبة الزيادة 200 في المائة من فئة الرسم الجمركي الحالي للسلع... على أن تكون السلع المحلية ملبية لمتطلبات واشتراطات الجودة وألا يؤدي رفع النسبة إلى احتكار السلعة، وينتهي العمل بهذا البند عند توقف العدوان الغاشم على بلادنا».
لكن لا يبدو أن وزارة الصناعة ولا مصلحة الجمارك في صدد تطبيق ذلك القرار، ولا إيجاد أي حل لإنقاذ المصانع الوطنية الخاصة بإنتاج الأكياس المحاكة، نزولا منهما كما يبدو عند رغبة سماسرة المصانع السعودية.

يا فصيح لمن تصيح؟!
يوجه مدير شركة تهامة يحيى الحديدي ومن خلال صحيفة «لا» ما سماه «نداء استغاثة» مفاده: إننا في الرمق الأخير ونطالب وزارة الصناعة والتجارة ومجلس النواب والمجلس السياسي الأعلى باتخاذ الإجراءات الكفيلة بعمل الحلول المناسبة لإنقاذ المصانع الخاصة بإنتاج الأكياس المحاكة، باعتبار تلك الصناعة صناعة مواكبة للمنتجات الغذائية نفسها، وإذا كان الدقيق مطلوبا للاكتفاء الذاتي فإن الكيس الذي يتم تعبئة الدقيق فيه مطلوب للاكتفاء الذاتي هو أيضا.
المهندس مفيد محمد محسن، مدير إدارة الإنتاج في شركة تهامة، طالب هو الآخر، عبر صحيفة «لا»، الجهات المعنية بالنزول والاطلاع على الأضرار بنفسها إن لم تكن على ثقة بتلك الأرقام، مشيرا إلى أنه سبق لشركتهم وبقية مصانع الأكياس المحاكة في 2020 تقديم شكوى إلى مصلحة الجمارك وإلى وزارة الصناعة والتي أحالت الموضوع إلى إدارة حماية المنتج المحلي، وهذه طلبت من المصانع بيانات عن تكاليف الإنتاج وتم إمدادها بكل البيانات وقامت بعمل دراسة ميدانية وموقعية واطلعت على حجم الضرر الموجود ورفعت توصيات متكاملة للأخ وزير الصناعة والتجارة محمد المطهر.
وتابع: «لكن إلى الآن لم يتم البت فيها. ولحقتها شكاوى ومتابعات ومذكرات كان آخرها في مارس الماضي ومازال الوزير يعد باتخاذ حلول ولا ندري متى يمكن اتخاذ مثل تلك الحلول، هل حين يتم إيقاف المصانع أم ماذا؟! مصنعنا وبقية المصانع الأخرى تتكبد شهريا خسائر فادحة بعشرات الملايين بسبب أنها مضطرة لأن تشتغل بطاقات إنتاجية منخفضة، وإذا ما قرر مصنع منها مواكبة أسعار الأكياس المستوردة فإن ذلك يكون بأقل من تكلفة الإنتاج وبالتالي الدخول في خسائر مباشرة».
وبموجب الدراسة التي تقدم بها المهندس مفيد، تبين أن الخسائر التي منيت بها الشركة خلال الثلث الأول من العام الحالي 2024 هناك طاقة مهدورة قدرها 40 في المائة من الطاقة المتاحة، أي أن ما تم إنتاجه هو فقط 60 في المائة، وذلك بسبب عدم القدرة على المنافسة السوقية. وأن يكون هناك طاقة مهدورة مقدارها 40 في المائة معنى ذلك أنها نسبة مهولة يترتب على إثرها خسائر فادحة.
وبالأرقام، يتضح من خلال الدراسة أن إجمالي كل من الإنتاج الفعلي والإنتاج المهدور لقسم النسيج خلال الثلث الأول من العام 2024:
الإنتاج الفعلي: (7.155.517) بمتوسط (104.101).
الإنتاج المهدور: (4.818.364) بمتوسط (70.808).
يضيف مدير الإنتاج: «لا يظن الظان أن صناعة الأكياس البلاستيكية المحاكة صناعة سهلة كما لو كانت مثل صناعة الأكياس العلاقي أو غيرها، بل تحتاج إلى عدد كبير من العمالة وعدد كبير من الآلات وخطوط الإنتاج، لكونها صناعة نسيجية تعتمد على مكائن نسج، وأقل مصنع لديه 60 إلى 70 آلة نسج يعمل عليها مئات العمال، فضلا عن باقي الآلات، وبالتالي فإن المصنع الواحد لديه أكثر من 250 عاملا، أي 250 أسرة، وهؤلاء معرضون لفقدان مصدر رزقهم إن توقفت تلك المصانع مثلما حدث مع مصنع الضحي للأسف الشديد».

أما بعد
بالتأكيد ليس هذا كل شيء، فمازال لدى المصانع المتضررة ما تقوله، حيث سيتم التعرف في الحلقة الثانية من التحقيق على الكثير مما يقوم به مستوردو الأكياس المحاكة في منفذ الوديعة والمخالفات الجسيمة التي يرتكبونها تهربا منهم من الرسوم الجمركية والضريبية، كما سيتم التعرف على الأسباب التي أجبرت مصنع الضحي على إغلاق أبوابه وتسريح المئات من العمال في واحدة من أكثر الصور دلالة على تخلي الدولة عن مسؤوليتها تجاه دعم الصناعة الوطنية وحماية المنتج المحلي.

تجار متواطئون وحكومة غائبة
تزامن ظهور سماسرة المصانع السعودية بشكل ملفت مع بدء ارتفاع تكاليف الإنتاج في المصانع المحلية بصورة مطردة. وبشكل ملفت أيضاً اتجه تجار القمح والدقيق وباقي المواد الغذائية نحو شراء الأكياس المستوردة، بحيث لم يعودوا يلجؤون للمصانع إلا عند الضرورة، أي عند تأخر وصول شحنات السماسرة التي يكونون قد اتفقوا معهم على توفيرها والحصول على ما يحتاجونه من أكياس محاكة تأتي بها المصانع السعودية.
طُرحت القضية على التجار هكذا: إذا كنتم ستشعرون بالارتياح من إغلاق مصانعنا فنحن مستعدون لإغلاقها حتى تكونوا قد أرضيتم المصانع السعودية. لا تتحججوا بأن هذا الكلام لا يعجبكم، فذاك هو الواقع. أنتم لا تلجؤون إلينا إلا إذا تأخرت شحناتكم القادمة من السعودية عبر أولئك السماسرة، ولا تأخذون منا إلا كميات إسعافية، بينما الكميات الكبيرة التي تحقق لمصانعنا أرباحاً تجعلها تقف على أقدامها وتتمكن من الاستمرار وتقديم خدماتها للناس وللمجتمع تقومون بإعطائها لمصانع السعودية، فهنيئا لكم!

مخالفات جسيمة بلا عقاب
لكن فارق الثلاثين أو العشرين ريالاً أقوى من أي منطق بالنسبة لأولئك التجار، فهم في النهاية لا يهمهم إلا أنفسهم، وبالتالي بقي الأمر على ما هو عليه، وأسلم التجار رقابهم هم أيضا لأولئك السماسرة يديرون صفقاتهم من دكاكين، بل وحتى بدون أي دكاكين وإنما عبر الهاتف، وبدون أن تظهر أسماؤهم حتى، لا في البيانات الجمركية ولا في بيانات الاستيراد، بحيث تكون أغلب الصفقات مسجلة باسم سائقي القاطرات التي تحمل تلك المنتجات المستوردة.
ذاك ما أكده لصحيفة «لا» مصدر في مصلحة الجمارك بصنعاء، كاشفاً أن مخالفات جسيمة يرتكبها أولئك السماسرة، ما يجعلهم مجرمين بامتياز في نظر القانون.
المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، سرد طائفة من تلك المخالفات، ومنها استيرادهم في كثير من الأحيان أكياساً بلا أي علامة تجارية، أي أنها أكياس بلا هوية، فضلاً عن تزوير فواتير بكميات أقل وأسعار أقل، احتيالاً على نسبة الـ5% من الرسوم الجمركية، وإدخال الكميات مجزأة على دفعات بسيطة، كما لو كانت تستخدم لأغراض شخصية، بحيث لا تطبق عليها أي رسوم جمركية، واستيراد أكياس مخزنة لسنوات تكون قد أصبحت في عداد التالفة تستغني عنها المصانع السعودية بأبخس الأثمان ليتم إغراق السوق اليمنية بها لتعبئة المنتجات الزراعية، بحيث أخذت حصة سوقية كبيرة جدا كانت المصانع المحلية تستهدفها.
وبحسب المصدر، فقد يتحجج البعض بأن تلك المخالفات ترتكب في منفذ الوديعة، الذي يسيطر عليه المرتزقة، ولا علاقة للحكومة به، لكن ينبغي الأخذ في الاعتبار أنه حتى في منفذ «نهم» تحدث مثل تلك المخالفات، وإن بصورة أقل، حيث لا يتم التدقيق بشكل كبير على أولئك السماسرة الذين يرتكبون مخالفاتهم في الوديعة، بحيث يتم مثلاً إجبارهم على دفع غرامات مضاعفة، على الأقل تأديباً لهم وحتى لا يغرق البلد بالمنتجات المستوردة فتتعطل الصناعة المحلية.
كما أوضح المصدر أن بإمكان القائمين على منفذ نهم التأكد من تلك المخالفات بعملية بسيطة، وهي المقارنة بين القوائم المالية الصادرة عن المصانع السعودية بالكمية المصدرة عبر الوديعة، وبين الفواتير التي يتم قطعها من قبل الغرفة التجارية السعودية بدون ختومات، فإذا كان العدد مثلاً مليون كيس فبحسبة بسيطة يتم وزن تلك الأكياس بالجرام وحسبة الكلفة التي تبلغها، بعيدا عن تلك الفواتير التي يتم قطعها بطريقة ملتوية، وهكذا بالنسبة لنوعية الأكياس وجودتها. صحيح أن منفذ نهم يقومون بإخضاع تلك الكميات للفحص والوزن وغيره، لكنهم يعرفون أن هناك احتيالا يتم في منفذ الوديعة، وبالتالي يستطيعون فرض غرامات تأديبية تجعل من أولئك يرعوون عن غيهم ويحسبون بعد ذلك ألف حساب لما سيتعرضون له.
ويضيف أن أولئك المستوردين يقومون بإعطاء منفذ الوديعة فواتير غير معمدة من الغرفة التجارية في السعودية، وعندها يفرض المنفذ شيئاً اسمه مخالفة، وهي مبلغ بسيط لا يتجاوز ثلاثمائة ألف ريال يمني في أقصى الحالات، ثم يتم بعد ذلك السماح للصفقة بالمرور وكأن شيئاً لم يكن، إذ لا أهمية لوجود الفواتير من عدمه. هذا المبلغ الثلاثمائة ألف ريال التي يدفعها صاحب الصفقة في منفذ الوديعة لا يساوي شيئاً بالنسبة له، فالأهم عنده أنه نجح بتخفيض الكمية.
وفيما يخص موضوع التهرب الضريبي، يؤكد المصدر في مصلحة الجمارك أن منفذي الوديعة ونهم يأخذان ضريبة مبيعات مدفوعة مقدماً بموجب الثمن الجمركي، وبموجب سعر الصرف الجمركي المحدد بـ250 ريالا للدولار، فالمستورد يدفع 5٪ ضريبة مبيعات بموجب الثمن الجمركي المنخفض جداً، فيكون الثمن الجمركي للطن الواحد 1300 دولار مضروبة في 250 ريالا، فيكون ما يدفعه المستورد في المنفذين من ضريبة المبيعات مبلغاً زهيداً جداً.

«مزايا» يفقد مزاياه
مؤخرا تم افتتاح شركة «مزايا» الغربية لإنتاج الأكياس المحاكة بإمكانيات ضخمة ومواصفات حديثة تؤهلها لأن تكون الرائدة على مستوى البلد في حياكة الأكياس من حيث الآلات الحديثة والمتطورة فائقة الكلفة، دخلت فيها صناعة أكياس الأسمنت أيضا.
بدأ المصنع بإنتاج يومي قدره 12 طناً من بكرات الخيوط كمرحلة أولى، بطاقة إنتاجية قدرها مائة ألف كيس يومياً. وكانت لديه خطة توسعية.
لكن المصنع سرعان ما اصطدم بواقع أن الأكياس المستوردة أصبحت هي التي تتحكم بالمشهد وتضبط الإيقاع الذي تريده. فالمصنع الذي كانت لديه خطة توسعية أصبح فقط يتحاشى الخسائر.
مالك مصنع «مزايا»، حفظ الله علي، أكد لصحيفة «لا» أن المصنع منذ اليوم الأول أجبر على مجاراة أسعار الأكياس المستوردة، وعرض منتجاته بنفس سعر تلك الأكياس.
وأشار حفظ الله، في حديثه للصحيفة، إلى أن المصنع بالكاد يستطيع تغطية تكاليف الإنتاج وأجور العمال، غير مستبعد أن يدخل سريعاً في مرحلة تقليل الطاقة الإنتاجية وتكبد الخسائر، في حين لم يمض على تأسيسه عام واحد.
مالك مصنع «مزايا»، ومن خلال الصحيفة، يناشد الجهات المعنية التدخل العاجل لإنقاذ مصنعه الذي كلفه المليارات، مؤكدا أن الاستمرار في العمل في ظل إغراق السوق بالأكياس المستوردة من المصانع السعودية لن يكون أكثر من مجرد عبث يائس، مثلما أن إيجاد بيئة استثمارية في ظل هكذا أوضاع وانفلات هو أمر أشبه بالانتحار.

مصنع الضحي.. الضحية الأولى
كان مصنع الضحي لإنتاج الأكياس المحاكة هو الضحية الأولى لتلك الهجمة الشرسة على المصانع الوطنية من قبل العدو السعودي، والتي قابلها موقف سلبي من قبل الجهات المعنية، إن لم يكن في الأساس موقفاً مسانداً ولا يقل عدوانية.
يقدم مالك مصنع الضحي، هاشم المرتضى، شرحاً مفصلاً لصحيفة «لا» عن معاناة المصنع الذي انتهى به الحال إلى الإغلاق التام في 2021، حيث انخفضت مبيعاته إلى 20٪ بعد أن استنفد كل الوسائل التي تمكنه من الاستمرار.
كان المصنع لديه من العاملين (موظفين إداريين وفننين وعمالاً وحراساً ومنظفين) 100 عامل، أي مائة أسرة وعائلة يعولها هؤلاء الموظفون العاملون في المصنع، ليتم تسريحهم ورميهم في الشارع وحرمانهم من المستحقات والوجبات الغذائية والسكن المجاني لهم داخل المصنع وأصبحوا مشردين بدون أعمال، حيث لم يبق منهم إلا عدد من الحراس. كما حُرم ما يساوي العدد نفسه كانوا يعملون مع المصنع بصورة غير مباشرة، من حمالين وسائقي نقل موزعين ومبيعات خارجية وغيرهم.
وبخصوص مرتبات أولئك الموظفين والعمال التي كان يدفعها المصنع، يوضح المرتضى: «كان متوسط مرتبات العمال لدينا قبل العدوان 250 دولارا، وانخفض إلى ما يوازي 100 دولار للعامل شهريا، ولم نستطع رفعها بسبب تخفيض أسعار البيع، فالمعروف هو أن زيادة أسعار التكاليف يوازيها رفع سعر البيع، وما حصل لدينا هو العكس، بسبب وجود منافسة وإغراق السوق بمنتج رخيص من بلد العدوان المحاصر لليمن».

مخاطر كبيرة
المرتضى أكد لصحيفة «لا» أن الإشكالية بدأت منذ عام 2018، وكان أهم أسبابها ارتفاع قيمة الوقود من مادة الديزل، والتي يعتمد عليها المصنع في توفير الطاقة الكهربائية، وتضاعف قيمتها، وعدم القدرة على إعطاء الكميات الكافية للتشغيل من قبل فرع شركة النفط بالحديدة، مما اضطر إدارة المصنع لتغطية الكميات من السوق السوداء، واستنفاد كل الكميات الاحتياطية التي كانت متوفرة، مما أدى إلى زيادة الكلفة.
يضيف صاحب مصنع الضحي: «بدأ استيراد الأكياس من السعودية والصين بأسعار أقل من أسعارنا، بسبب انخفاض أسعار الطاقة الكهربائية والوقود، وإعطاء الدعم الكافي للمصانع في تلك البلدان ولمنتجاتها المصدرة من قبل صندوق دعم المنتجات الصناعية، وكذا التسهيلات الائتمانية في شراء المواد الخام، والتي حُرمنا منها بسبب العدوان والحصار الاقتصادي، وكل مشترياتنا تتم نقداً وتحويلات عبر الصرافين، في ظل مخاطر كبيرة ومغامرة لا يجرؤ عليها أي مستثمرين في أي بلد من بلدان العالم».
يواصل هاشم المرتضى: «كنا نحاول مواجهة ذلك بتخفيض أسعار بيع منتجاتنا لكي تقارب أسعار المستورد، وكل ذلك على حساب تخفيض نسبة التكاليف، حيث كانت أسعار البيع لدينا للكيس الواحد وزن 100 جرام قبل العدوان 30 سنتاً. وحتى 2017 تقريباً وسعر الديزل للتر الواحد من 100 إلى 200 ريال، ثم ارتفع إلى 750 ريالا وأكثر للتر الواحد، وقمنا بتخفيض أسعار البيع إلى 22 سنتاً أمريكياً في ظل ارتفاع كل التكاليف من مصاريف تشغيل وزيوت ومواد غذائية للعمال وكل شيء، الأمر الذي أثر على النشاط بشكل كبير وقلص نسبة الأرباح، بل والوصول إلى الخسارة، وكان لهذا أثر بعدم القدرة على تحسين حتى مرتبات العمال والموظفين، حيث من المفترض أن تتناسب مع أسعار السوق».

ضرائب وجمارك هناك.. جمارك وضرائب هنا
لم تكن تلك الإشكاليات وحدها هي التي كابدها مصنع الضحي وغيره من مصانع الأكياس المحاكة، كارتفاع أسعار تكاليف شحن المواد الخام من السعودية أو من بلدان أخرى برا أو بحرا، ووصولها في بداية العدوان إلى 7 أضعاف ما كانت عليه قبل العدوان، وكذا زيادة مصاريف التأمين... وغيرها، بل كانت تلك المصانع على موعد مع عدوان آخر اشتركت فيه حكومتان جبائيتان، واحدة تسمي نفسها «حكومة شرعية» وهي حكومة ارتزاق بامتياز تؤدي ما هو أسوأ من دور الاحتلال، وأخرى تسمي نفسها «حكومة إنقاذ» لم يحدث أن أنقذت حتى نفسها.
فبالإضافة إلى ما قامت به حكومة المرتزقة من مضاعفة الرسوم الجمركية في المنافذ الواقعة تحت الاحتلال في الوديعة وعدن، فرضت حكومة الإنقاذ جمارك الرقابة في مناطق جغرافيا السيادة، وزيادة ضرائب الأرباح التي وصلت إلى 6٪ بدلا من 0.5٪ قبل العدوان.

وماذا بعد؟!
يشير المرتضى إلى أن إدارة كبار المكلفين في الحديدة وصنعاء حاولت عدم اعتماد كل ضرائب المبيعات والأرباح المدفوعة في المنافذ الواقعة تحت إدارة حكومة المرتزقة، وخلق حجج ومبررات أخرى لذلك، وفرض 50٪ من الضريبة المضافة (المبيعات) بقرار من رئاسة مصلحة الضرائب بصنعاء وبصورة مخالفة للقانون، مضيفاً: «لقد واجهنا صعوبة كبيرة عند المحاسبة في ضرائب كبار المكلفين، مهما حاولنا الالتزام بالقانون، ثم ظهرت مشاكل جديدة أمامنا، منها هيئة الزكاة».
ضرائب وجمارك وهيئة زكاة، وكل تلك جهات لا تعرف سوى الجباية وسلخ الجلود، ولا تقدم أي دعم أو سند للاستثمار المحلي حتى يستطيع على الأقل مواجهة الهجمة التي يتعرض لها من قبل دول العدوان وعلى رأسها مملكة الشر؛ بل تأتي كأنما لتجهز على ما تبقى من رمق فيه، تماما كما حدث مع مصنع الضحي.
يرسم المرتضى صورة لجزء من تغول تلك الجهات، سواء على مصنعه أو على غيره من الاستثمارات الوطنية، ومنها «عدم الالتزام بقرارات الاستثمار، وخصوصاً القرارات المتعلقة بالمواد الخام، في جميع المنافذ برية - بحرية، شمالاً وجنوباً، والتي كانت تُعطي فرصة عدم دفع ضريبة المبيعات إلا مع بيع المنتج، بحيث تقوم تلك المصانع والمنشآت بتقديم الفواتير والإقرارات للضرائب شهرياً والتسديد نقداً، ورفض ترحيل أي أرصدة مستحقة للمصانع، حتى وإن كانت هذه الضرائب قد دفعت يوم 31 ديسمبر، أي في آخر يوم سنة المحاسبة لمواد لم تدخل المصانع أو تقيد كمخزون إلى سنة أخرى عند المحاسبة، وذلك بموجب قرار مخالف للقانون، ورفض استرداد أي مبالغ مستحقة للمنتج، حتى لو كان لديه إعفاء ضريبي، وكل ذلك مخالف لقانون الضرائب وقانون الاستثمار، بحجة أن لديهم ربطاً يجب تحقيقه: «حرام، حلال، ظلم، يغرق المكلفين، يخسروا، يبيعوا، يموتوا... لا يهمهم؛ فهم لا يقبلون باحتساب أي خسائر تتعرض لها تلك المصانع حتى لو كانت وفقاً لحسابات قانونية منتظمة».
هذا بالنسبة للمصانع بشكل عام وكيفية تعامل كبار المكلفين معها. أما فيما يتعلق بمصنع الضحي فيكشف المرتضى عن صورة أكثر سوداوية وفداحة، قائلاً: «بموجب تقارير محاسبين قانونيين على سبيل المثال نتائج نشاطنا الفعلي وفقاً لسجلاتنا والنظام المحاسبي الآلي حتى نهاية العام 2021، فقد تجاوزت خسائر المصنع 200 مليون ريال، بينما السجلات الضريبية تفيد بأنه مازال متبقياً علينا وملزمون بدفعه لمصلحة الضرائب مبلغ 15 مليون ريال لم نتمكن من سداده حتى الآن».
كل هذه الأسباب أدت -حسب المرتضى- إلى عدم قدرة المصنع على الاستمرار، خصوصاً في ظل خذلان الجهات الرسمية لهم، كوزارة الصناعة والتجارة ومصلحتي الجمارك والضرائب، رغم تقدمهم «بتظلمات عديدة، حيث والمصلحتان (الجمارك والضرائب) ليستا سوى جهات جبائية يهمها جباية أكبر مبالغ، ولا يهمها الآثار التي تترتب على الأمن الاقتصادي للبلاد ولا إغلاق المصانع المنتجة وقطع مصادر عيش مئات بل الآلاف من أسر العاملين في العديد من المصانع المشابهة لنشاطنا، وكذلك مضاعفة العملة الصعبة التي كانت تتوفر من خلال الإنتاج المحلي مما يصرف من عملات وطنية مقابل مرتبات ونفقات أخرى تصل إلى ما يقارب 40٪ كحد أدنى وحرمان الخزينة العامة من مبالغ كبيرة كنا ندفعها».

لا أمل في العودة
يؤكد المرتضى أنه «في ظل الوضع الحالي وعدم معالجة ما أوضحناه من أسباب وحيثيات، من المستحيل عودتنا للعمل والقدرة على تشغيل المصنع ثانية في ظل انعدام أي دور داعم من قبل الدولة»، مشيرا إلى أن «الخوف هو من تعرض بقية المصانع المشابهة للوصول إلى ما وصلنا إليه».
لكن مالك مصنع الضحي المنكوب لم ينسَ أن يبعث رسالة من خلال صحيفة «لا»، متمنياً «أن تجد آذاناً صاغية من قيادة الدولة والجهات المسؤولة عن التراجع في النشاط الصناعي والتجاري»، وهي:
«أنتم مسؤولون أمام الله وأمام القيادة الثورية وأمام المجتمع والتاريخ عما يتعرض له الجانب الصناعي للقطاع الخاص، والذي هو من أهم الاهتمامات لدى قائد الثورة السيد عبدالملك، وركيزة رئيسية من ركائز الاستقلال الاقتصادي والقضاء على الفقر والبطالة وتحسين المستوى المعيشي للمواطن، وتخفيف أعباء توفير الوظائف الحكومية، ورافد مهم لتحقيق الاستقرار الأمني وتحقيق احتياطات وفائض في الميزان التجاري واحتياطيات كبيرة تتوفر للخزينة العامة يتم استغلالها في مشاريع استراتيجية وقومية تعتمد عليها الدول المتحررة، ولا يجب النظر إلى ما ستحققه هذه المشاريع من أرباح للمستثمرين المنتجين، لأن آثارها ستعود على الوطن والمجتمع».