اليمن بالحبر الغربي - 
في منتصف حزيران/ يونيو الماضي، ذكرت وكالة «أسوشيتد برس» أن البحرية الأمريكية انخرطت في أشد المعارك البحرية كثافة ‏منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ما قد يشكل مفاجأة بالنسبة لمعظم الأمريكيين. وهذه المرة، لا تدور المعارك في ‏المحيط الأطلسي أو المحيط الهادئ، بل في البحر الأحمر، والعدو هو أنصار الله في اليمن والمعروفون غالبا باسم ‏»الحوثيين»، وهم يدعمون الفلسطينيين في غزة ضد الحرب «الإسرائيلية» الشاملة، وفي الأشهر الأخيرة، واجهوا ضربات ‏جوية متكررة من طائرات أمريكية وردوا بعدة أمور من بينها مهاجمة حاملة طائرات أمريكية وسفن أخرى قبالة ‏سواحلهم‎.
 من وجهة نظر تاريخية، يمكن أن يكون الأمر أكثر إثارة للدهشة، فقد نجح عدد متواضع من اليمنيين في تحدي النظام العالمي السائد، رغم كونهم فقراء وضعفاء وذوي بشرة سمراء، وهي الصفات التي تجعل الناس غير ‏مرئيين عادة للمؤسسة الأمريكية‎.
من الأصول الحديثة للغاية التي يمتلكها الحوثيون الأسلحة الصغيرة التي ظهرت في عالمنا والمتمثلة بالطائرات بدون ‏طيار والصواريخ الصغيرة التي لا يمكن القضاء عليها بسهولة في الوقت الحالي حتى باستخدام الأسلحة المتطورة التي ‏تمتلكها البحرية الأمريكية‎.
وفي وقت سابق، نقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن برايان كلارك، الباحث البارز في معهد هدسون، وغواص البحرية السابق، أن ‏هناك مخاوف من أن الحوثيين على وشك اختراق الدفاعات البحرية الأمريكية بصواريخهم، ما يزيد احتمالية ‏قدرتهم على إلحاق أضرار جسيمة بمدمرة أمريكية أو حتى حاملة طائرات‎.
لقد فشلت الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية المتكررة ضد مواقع الأسلحة الحوثية المشتبه بها في العاصمة اليمنية ‏صنعاء وحولها حتى الآن، في وقف الحرب على الشحن، وحتى طائرات «إم كيو ريبر» الأمريكية عالية التقنية لم تعد ‏مضمونة الهيمنة على المجال الجوي في الشرق الأوسط، منذ أن أسقط الحوثيون عددا من تلك الأسلحة التي تبلغ قيمة ‏الواحدة منها 30 مليون دولار‎.
أطلق الحوثيون أعدادا كبيرة من الصواريخ الباليستية على ميناء «إيلات الإسرائيلي» على البحر الأحمر، ما أدى إلى ‏تعطيله منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، وكان حوالى 5٪ من واردات «إسرائيل» تصل عبر «إيلات»، والآن، تم إعادة توجيه مثل هذه التجارة ‏إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط بتكلفة أعلى بشكل واضح، في حين تعرض اقتصاد جنوب «إسرائيل» لضربة كبيرة، ‏وقد طالب جدعون جولبر، الرئيس التنفيذي لميناء «إيلات»، بتدخل الولايات المتحدة‎.
نتيجة للضربات الحوثية ارتفعت تكاليف التأمين بشكل جذري، مع أقساط مخاطر الحرب، وارتفعت أسعار سفن ‏الحاويات البحرية هذا الربيع، حيث اضطرت الشركات المشاركة في التجارة بين آسيا وأوروبا إلى تجنب قناة السويس ‏واتخاذ طريق أطول بكثير حول رأس الرجاء الصالح وعلى طول الساحل الأطلسي لأفريقيا، ما أدى إلى زيادة أسعار ‏‏(شنغهاي إلى روتردام) من 1452 دولاراً للحاوية بطول 40 قدماً في تموز/ يوليو من العام الماضي إلى 5270 دولاراً في ‏أواخر أيار/ مايو 2024‏‎.
نظر السعوديون والإماراتيون إلى الحوثيين باعتبارهم مخلباً لإيران؛ لكن هذه كانت قراءة خاطئة للعلاقات بين صنعاء ‏وطهران‎.
ويحمل الوضع في البحر الأحمر في طياته القدرة على أن يصبح واحدا من أخطر الأوضاع في العالم، منافسا للأوضاع ‏في أوكرانيا وتايوان. في الوقت نفسه، يظل البحر الأحمر يشكل عبئاً على الاقتصاد العالمي، في حين يساهم في زيادة ‏التضخم المستعصي ومشاكل سلسلة التوريد‎.
أي ضرر كبير يلحقه الحوثيون بسفينة حربية أمريكية في أي وقت في المستقبل قد يدفع واشنطن إلى أعمال حربية قد ‏تخاطر بصراع أوسع. وبالطبع، يمكن للرئيس جو بايدن أن يخفف حدة التوتر من خلال التحرك بقوة أكبر لإنهاء ‏الحرب الشاملة التي تشنها «إسرائيل» على غزة، والتي تعتبر إهانة لا تطاق لمعايير القانون الإنساني الدولي والتي لا ‏تؤدي إلا إلى تعزيز يقظة الحوثيين وأمثالهم‎.
وفي حين ينبغي إنهاء الهجوم «الإسرائيلي» الجاري لمنع المزيد من الموت والمجاعة الجماعية الوشيكة في غزة، فإنه ‏ينبغي أيضاً إنهاؤه لمنع حرب أمريكية مدمرة أخرى في الشرق الأوسط‎.
مجلة «ذا نيشن» الأمريكية‎