في حضرة السؤال:لماذا تظل الفلسفة ضرورة إنسانية في عصر السرعة؟
- سامي عطا السبت , 22 نـوفـمـبـر , 2025 الساعة 12:08:52 AM
- 0 تعليقات

د. سامي عطا / لا ميديا -
على ضفاف اليوم العالمي للفلسفة، الذي يصادف هذا العام 20 نوفمبر 2025، (الخميس الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام)، جاء هذا المقال احتفاءً بهذا اليوم.
ونجد أنفسنا بين دفّتي التاريخ، وفي زحام الحياة المعاصرة، نقف على أعتاب هذا الموعد السنوي مع أكثر الفنون رقةً وأشدها صلابة؛ إنها الفلسفة.
في هذا الخميس الثالث من تشرين الثاني، حيث تحيي اليونسكو والعالَم معها اليوم العالمي للفلسفة، ليس أمامنا إلا أن نتوقف قليلاً؛ نتوقف ليس هرباً من الواقع، بل لنتسلح برؤية أعمق لنخوض فيه من جديد.
إن الاحتفال بالفلسفة ليس احتفاءً بأفكار غارقة في الغموض أو نظريات طواها الزمن، بل هو تذكير أنفسنا بأن «الحياة غير المفحوصة بعناية لا تستحق العيش»، كما قال سقراط. إنه احتفال بفن السؤال، وشجاعة الشك، وجمال التأمل.
الفلسفة ليست ترفاً فكرياً، بل حاجة وجودية وإنسانية.
في عصر يقدس السرعة والنتيجة الفورية، يبدو التوقف للتأمل ضرباً من الترف. لماذا نطرح أسئلة عن «العدالة»، بينما يمكننا سن القوانين؟! لماذا نتساءل عن «الجمال» بينما تتكفل الخوارزميات بتقديم ما نراه؟! لماذا نناقش «معنى الحياة» في عالم يبدو وكأنه مبرمج سلفاً؟!
هنا بالضبط تكمن الإجابة: لأن الفلسفة هي ما يجعلنا بشراً. القوانين تحتاج إلى أساس أخلاقي، والتقنية تحتاج إلى بوصلة قيمية، والحياة تحتاج إلى تأويل يمنحها عمقاً يتجاوز سطحيتها.
الفلسفة هي ذلك الحوار الأبدي الذي لا ينقطع مع الذات والكون، وهي الحارس الذي يحمي إنسانيتنا من أن تتحول إلى مجرد أداة في آلة الإنتاج والاستهلاك.
إن الفلسفة اليوم في مواجهة أزمات وتحديات عصرية عديدة.
لو أردنا أن نختبر نبض الفلسفة اليوم، لوجدناها حاضرة في صميم أسئلتنا الملحة، مثل أزمة المناخ، فهذه الأزمة ليست مجرد مشكلة تقنية، بل هي في جوهرها سؤال فلسفي عن علاقة الإنسان بالطبيعة، وعن المسؤولية الأخلاقية تجاه الأجيال القادمة، وعن نمط الحياة الذي نريده.
ولا تقل ثورة الذكاء الاصطناعي أهمية عن أزمة المناخ، بل تضعنا أمام أسئلة جوهرية عن «الوعي»، «الإرادة الحرة»، و«طبيعة الإنسان» نفسه. ما الذي يميزنا عن الآلة الذكية؟ وأي مستقبل نريد بناءه معها؟
وهناك أيضاً ظاهرة تفشي الحروب العدوانية وخطاب الكراهية واستشراء الأطماع الاستعمارية، ما يجعل من الحوار العقلاني والنقدي الذي تنشده الفلسفة سلاحاً ضدها وضد ضيق الأفق.
الفلسفة تعلمنا كيف نختلف دون أن نكره، وكيف نفكر ونقتنع دون أن نلغي عقولنا.
وهذا اليوم العالمي للفلسفة هو دعوة للتأمل، لن نحمل شموعاً ونردد مقولات الموتى، بل لنحمل فضول الطفل وشجاعة الفيلسوف. أدعوكم، وأدعو نفسي، إلى أن:
ـ نطرح سؤالاً واحداً كبيراً: اسأل عن معنى حياتك، عن مفهوم العدالة في مجتمعك، عن الحقيقة في زحام الأخبار. لا بأس إن لم تجد الإجابة فوراً؛ لأن جوهر الفلسفة هو السؤال نفسه.
ـ نقرأ نصاً فلسفياً واحداً، قديماً كان أو حديثاً، عربياً أو مترجماً... دع عقلك يسبر غور الأفكار فيه.
ـ نتحاور مع آخر حواراً هادئاً عميقاً، لا تجادل فيه من أجل الانتصار. إنما استمع وتعلم فضيلة الاستماع، لكي تفهم، لا لترد.
الفلسفة ليست مقرراً دراسياً ينتهي بإجابة على سؤال، بل هي متوالية أسئلة لا تتوقف، تعصف بأذهاننا، كي تكون فاعلة. كما أن الفلسفة ليست حكراً على نخبة في أبراج عاجية. وكما قال الفيلسوف الإنجليزي كارل بوبر: كل إنسان فيلسوف، أي تنبع منه أسئلة فلسفية.
الفلسفة ذلك الصوت الداخلي الذي يهمس: «هل هناك أكثر مما تراه العين؟». في احتفائنا بها، نحتفل بإنسانيتنا الواعدة، المتسائلة دوماً، والتواقة دوماً إلى توسيع آفاقنا.
كل عام وعقولنا أكثر انفتاحاً على ومع الإنسان ومصيره، وأسئلتنا أكثر عمقاً.










المصدر سامي عطا
زيارة جميع مقالات: سامي عطا