الفرق بين دولة المؤسسات وسلطة الأفراد
 

سامي عطا

د. سامي عطـا / لا ميديا -

مازالت ثقافة النظام البائد نفسها تحكم تفكير معظم الناس، إذ نشاهد بعض الناس اليوم ممن انتقدوا الفساد واشتكوا منه كثيرا، وظلوا يتهمون نظام 7/7 بالفساد، وأحد أسباب معارضتهم له أنه نظام فاسد ويقف مع الفاسدين ضد تطلعاتهم وأمانيهم بدولة ترعى مصالح جميع مواطنيها، فلقد كان نظام 7/7 نظام فساد أو كما أطلق عليه أحد المفكرين السياسيين "نظام كليبتوجراسي"، أي نظام اللصوص وباللصوص ومن أجلهم، نظام استعان بالفساد ونماه في إدارة الدولة.
وما إن شرع مؤخرا في خطوات محاربة الفساد، وجدنا بعضاً من هؤلاء المتضررين من الفساد يرتدون على أعقابهم ويكررون نغمة رأس النظام الراحل نفسها، عندما رد في ذات خطاب على اتهام المعارضة لنظامه بالفساد بأن لديه وثائق على قيادات في المعارضة تدينها بالفساد، ولسان حاله: "لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طائلني وطايلك" أو "كلنا فاسدون".
إن معارضي محاربة الفساد اليوم نوعان: نوع فاسد ويحمي نفسه، ونوع آخر يرغب في ذلك لكن خصومته السياسية مع الأنصار تدفعه إلى معارضتهم لأنهم خصوم.
صحيح أن محاربة الفساد مهمة طال انتظارها، وتأجل البت فيها، وتأخرت عن جدول أعمال السياسة كثيراً؛ خصوصاً منذ سقط نظام الفساد والإفساد بفعل ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014.
وأعتقد أن الوقوف ضد مهمة كهذه مهما كانت المبررات والدوافع تحرق هؤلاء المعترضين وتضعهم في خندق واحد مع الفاسدين.
وإن كان هناك من نقد بناء لهذه العملية فلا ينبغي أن يتم ربطها بجهود أشخاص معينين غير ذوي صفة في أداء مهمة كهذه، ولا تدخل ضمن اختصاصهم مهما علت مناصبهم، والمطالبة بأن تضطلع بمحاربة الفساد هيئاته وأجهزته المعنية، وهي وحدها منوط بها تنفيذ مثل هذه الخطوات، وذلك بهدف تفعيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد وبالتآزر مع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وتمكينها من إنجاز مهامها المنوطة بها قانونا.
ولا بأس أن يكون هناك أشخاص ذوو ثقة وكفاءة، لكن ما المانع من إحداث تغييرات في الهيئات المختصة بمحاربة الفساد، وتحميل هؤلاء الأشخاص الثقاة مسؤولية تلك الهيئات والأجهزة وتسنيمهم إياها، كي يستطيعوا العمل فيها وتكون أعمالهم ونشاطاتهم ذات صبغة قانونية، وبالتالي يُفعّلوا عمل تلك الهيئات والأجهزة ليغدو العمل مؤسسياً وقانونياً؟!
كما أنه، ومن خلال هذه الخطوة نرسي عملاً مؤسسياً يمكن أن تفعل تلك الهيئات بشكل دائم وتغدو ذات فائدة وجدوى مهما تغير الأفراد. الأفراد زائلون، أما المؤسسات فباقية، ولذا فعّلوا المؤسسات لتقوم بمهامها. لأن الدولة الدائمة والقوية هي دولة إدارة الشأن العام عبر المؤسسات. أما إدارتها عبر سلطة الأفراد فإنها محكومة بسلطة أفراد زائلين، وبالتالي تزول أعمالهم بزوالها.

أترك تعليقاً

التعليقات