سامي عطا

د. سامي عطا / لا ميديا -
«الإلحاد» الذي يجري السجال حوله في منصات التواصل الاجتماعي جاء نتيجة فورة غضب بسبب استغلاله سلطوياً، إذ وظفه شيوخ الفكر الوهابي في خدمة السلطان، وتكسبوا وأثروا دفاعاً عن سلطة سياسية دنيوية فاسدة. وكلتا السلطتين، السياسية والدينية، أوصلتا مجتمعاتهما في نهاية المطاف إلى أزمة ومأزق وفوضى عارمة وتفكك طال مختلف نواحي الحياة اخلاقياً واجتماعياً وسياسياً.
ويمكن القول بأن كل هؤلاء الذين يزعمون أنهم ملحدون يقتفون أثر أولئك الشيوخ الذين أضروا بعقيدة الأمة، ويكررون المأساة نفسها، يتكسبون ويثرون من وراء الدعوة للإلحاد، ولسان حالهم: «الإلحاد هو الحل»، بعد أن كان شيوخ الوهابية يرفعون شعار «الإسلام هو الحل» (كلمة الحق التي أريد بها باطل)، وغايتهم جميعاً التكسب والإثراء: شيوخ الوهابية بالدين، وملحدو الطفرة بوسيلة معاكسة عبر إشهار إلحادهم المزعوم. إنها ليست إلا فهلوة من يعرف من أين تؤكل الكتف!
لقد باتت الشهرة في وسائل التواصل الاجتماعي تدر أرباحاً كبيرة، وكل ما عليك فعله أن تستفز مشاعر الناس بموضوعات تزلزل كيانهم وهويتهم وانتماءهم. وهذه الموضوعات تجلب متابعين كثر، لأن الموضوعات المثارة محل خلاف واستفزازية تجرح مشاعر العامة وتدفعهم للرد والقدح، وكلما زاد عدد المتابعين والمعلقين يجني هؤلاء أرباحا من وراء محتوياتهم، حيث تغدو حسابات هؤلاء التافهين مغرية لشركات الإعلانات أيضاً، وبهذه الطريقة يحصلون على نسبة أرباح من تلك الإعلانات.
ومع الأسف، لقد صار معظم جني الأرباح في منصات وسائل التواصل الاجتماعي يقوم على طرق موضوعات إثارة أو استفزاز مشاعر الناس أو طرق موضوعات تافهة، أي أن معظم هذه المنصات تعود لتافهين.
ولقد كان الفيلسوف الكندي آلان دونو محقاً عندما أطلق على نظام عصرنا وصف «التفاهة»، حيث سيطر التافهون على مختلف ميادين الحياة من السياسة والاقتصاد وحتى الفضاء الثقافي.
ومن مخاطر هذه الرموز الثقافية أنها تقود حركة تزييف وعي ينجر لها كثير من المحبطين والمنكسرين، وعوضاً عن أن يوجه الناس نقدهم ضد أولئك الشيوخ الذين استغلوا الدين لمصالحهم الخاصة ويكشفوا زيفهم وبهتانهم، ويدعوا إلى ضرورة تنقية هذا الدين من شيوخ البراغماتية، ويدعوا إلى إصلاح ديني حقيقي من خلال العودة إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، ذهب ملاحدة الطفرة المذهب نفسه الذي ذهبه أولئك الذين استغلوا الدين لمصالحهم الخاصة؛ لكن بشكل معكوس، وذلك من خلال مهاجمة هذا الدين والدعوة للإلحاد.
وهؤلاء التافهون بكل أشكالهم، سواءً المستغلون للدين لحساب مصالحهم الخاصة أو الطاعنون فيه، يتجاهلون حقيقة أن ما من أمة متماسكة إلا إذا كان لها روح، والدين أحد المقومات الأساسية لها، والأمة التي تطعن في روحها تغدو عرضة للتفكك والفوضى، ويلاحقها الفناء والاندثار.
وعليه، فإن مجتمعاتنا بحاجة إلى عملية إصلاح ديني، ولا يمكن بلوغه إلا من خلال تغيير مناهج التدريس، ولا بد من خلق رموز يكونون قدوة في سلوكهم في كل مناحي الحياة. إن التعاليم الدينية التي لا تنعكس في سلوك الناس ولا تخلق رموزا يتمثلونه في الحياة يشكل ضرراً عليه مع الوقت.
ويمكن أن أجزم أن أخطر مسألة علقت بديننا الإسلامي في نسخته المشوهة هي «الإسلام النفطي» عندما صار لها شيوخ براغماتيون «نفعيون» يوظفونه في خدمة سلطة الطغيان والاستبداد نظير تحقيق منافع فردية أنانية لهم.

 أستاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث بكلية الآداب - جامعة عدن.

أترك تعليقاً

التعليقات