التجربة الاشتراكية جنوباً ..«الحزب والمحرومون»
- سامي عطا السبت , 4 يـولـيـو , 2020 الساعة 7:21:15 PM
- 1 تعليقات
د. سامي عطا / لا ميديا -
لقد كانت ثورة 14 أكتوبر 1963 ثورة تحرر وطني من الاحتلال البريطاني؛ لكن في الوقت الذي حمل مناضلو الثورة همّ تحرير البلد، فإنهم ما إن أنجزوا برنامج التحرير الوطني والاستقلال السياسي الناجز، حتى بدأت تقابلهم مهمة جديدة تتعلق بتحرير الإنسان من كل أشكال التمييز الاجتماعي. ولقد كانت فترة نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي تموج بحراك ثوري اضطلعت به فئات وطبقات وشرائح مختلفة داخل المجتمع، بدءاً بانتفاضات عديدة قام بها الفلاحون في العديد من مناطق البلاد خلال 1968، الذي على إثره تم سن قانون الإصلاح الزراعي في 7 أكتوبر من العام نفسه، وهدف القانون إلى الحد من سطوة الإقطاع، وتحقيق العدالة، ومنح الفلاحين حقوقهم وتحريرهم من أشكال الاستغلال.
وتعزز توجه تحرير الإنسان أكثر فأكثر بعد خطوة 23 يونيو 1969م ومهد لإصدار قانون تأميم المنشآت الاقتصادية بعد أن تنصلت بريطانيا من التزاماتها ببنود وثيقة الاستقلال والتعويض المقدر بـ60 مليون جنيه استرليني سنوياً كمساهمة للدولة الوليدة. وجاء قانون التأميم في 27 نوفمبر 1969، الذي استهدف البنوك الأجنبية، لكي يحمي ويحرر الاقتصاد من التبعية، ورداً على تنصل بريطانيا من الوفاء بالتزاماتها، حيث كانت معظم الأنشطة والشركات والعقارات في عدن مَدِينة لهذه البنوك، وآلت كل مدخراتها المالية للمصرف المركزي، وحتى استخلاص مديونياتها، وعندما عجز المستثمرون العقاريون عن سداد ديونهم الواجب سدادها ذهبت الدولة إلى تأميم المساكن والعقارات المَدِينة للبنوك عام 1971.
وتوالت إجراءات تحرير الإنسان من التبعية للخارج والقهر الاجتماعي والتمييز، حيث وضعت قضية تحرير المرأة من القهر الاجتماعي.
وتلت كل ما ذكرناه آنفاً قضية تحرير فئة المستضعفين، الذين أطلق عليهم السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي مصطلح "أحفاد بلال"، وأخذت انتفاضتهم بعداً اجتماعياً. ونتذكر مسيرة نظمتها نقابة عمال البلدية عام 1973، حيث أخذوا يرددون هتافاً يعبر عن مطالبهم:
سالمين قدام قدام...
سالمين ما احناش أخدام
سالمين عمال بلدية...
سالمين ما نشاش أذية
وعلى إثر هذه الانتفاضة تم منح هذه الفئة حقوقاً كثيرة، وسعت الدولة إلى دمجهم في المجتمع عبر إلزامية التعليم للجميع دون تمييز. وبدأت هذه الفئة تنال حقوقها بالتساوي مع أفراد المجتمع ككل في التعليم والتطبيب المجاني، وصار أبناؤهم يتلقون تعليمهم داخل المدارس الحكومية مع أبناء عموم السكان دون تمييز، من رياض الأطفال حتى الجامعات، ويحصلون على المنح الدراسية خارج البلد أسوة بالبقية، ودون أي تمييز.
لقد سعت دولة الجنوب إلى تغيير اجتماعي داخل بيئة هذه الفئة، ومدها بكافة الخدمات، وصار من حقها أن تحصل -أسوة بغيرها- على مسكن من الدولة ضمن مشاريعها ووفقاً للشروط والمعايير الموضوعة لمن يحق له أن يحصل على سكن. ولقد تخرج من بين هذه الفئة كفاءات عديدة في مختلف المجالات (أطباء ومهندسين وإداريين واقتصاديين وقادة عسكريين، وغيرهم من أصحاب المهن المختلفة التي التحقوا بها). كما أن الدولة أخضعت كبار السن من هذه الفئة إلى برامج محو الأمية.
ولم يأتِ يوم 22 مايو 1990 إلاّ وكانت هذه الفئة قد حصلت من دولة الجنوب على الكثير من الحقوق، واندمجت اجتماعياً، وبدأت تزول نظرة التمييز المشوبة بالاحتقار والانتقاص والدونية التي كان ينظر بها المجتمع إليها.
لقد أحدثت الدولة تغييراً في وسائل عملها، واتجهت إلى مكننة صحة البيئة، واستخدام المعدات الحديثة في تنظيف البيئة. وهذا التغيير في طريقة عمل هذه الفئة ووسائلها ساعد على تغيير نظرة المجتمع إليها وإلى طبيعة عملها.
وبالقدر الذي حظيت به هذه الفئة بحقوق اجتماعية واقتصادية لا تمييز فيها ولا انتقاص، فإنها بدأت تنال تقدير أفراد المجتمع.
ولم يك لهذا الأمر أن يحدث لولا حماية الدولة حقوق كل فئات المجتمع، من خلال القوانين التي جعلت من الناس مواطنين متساوين أمام القانون، وأعطت الحق لكل مواطن أن يختصم أو يلجأ للمحاكم في انتزاع حقه من الآخر وفقاً لقانون مدني لا يميز بينهم في الجنس أو الدين أو العرق أو المكانة الاجتماعية أو المكانة السياسية أو الحسب أو النسب، الكل أمام القضاء والتقاضي سواسية.
لقد انطلقت دولة الجنوب من فلسفة حكم وفق خياراتها الأيديولوجية حينها، حيث كان مبدأ تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين الناس ضمن شروطه.
ومع ذلك، فإن هذا الخيار كان يجمع بين تحرر الدولة اقتصادياً وسياسياً وتحرير مواطنيها من العوز والفقر والحاجة، أي تحقيق الحرية الاجتماعية.
لقد جاءت قضية تحرير فئة المستضعفين في الجنوب ضمن سياق تحرير الإنسان من كل أشكال الاستغلال وتحريره من ربقة الأمراض الاجتماعية الموروثة.
30 يونيو 2020
المصدر سامي عطا
زيارة جميع مقالات: سامي عطا