شرق أوسط جديد حقاً.. ولكن!
 

سامي عطا

د. سامي عطا / لا ميديا -
من يتابع المحتوى الأجنبي على منصات التواصل الاجتماعي منذ بداية "طوفان الأقصى" يمكن أن يرى تحولا تاريخيا في مزاج المجتمع الأمريكي والغربي تجاه "إسرائيل"، وخصوصا بين الأجيال الجديدة التي أخذت زمام المبادرة، لكي يكون لها رأيها المعارض لوسائل الإعلام التقليدية.
وعلى النقيض من ذلك، في محتوى منصات التواصل في العالم العربي؛ هناك منصات نخب في بعض الأنظمة المطبعة أو التي تخطو حثيثاً صوب التطبيع صارت لا تتورع عن الدفع بخطاب يصب في مصلحة الكيان الصهيوني الغاصب وتؤازره بوقاحة قل نظيرها وتقف ضد القضية الفلسطينية، لا بل بلغت وقاحة البعض إنكار وجود قضية فلسطينية من الأساس.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الشارع العربي من المحيط إلى الخليج باختلاف دوله وممالكه يقف مع القضية الفلسطينية، لكن تختلف درجة التعبير عن ذلك بمدى سطوة القبضة الأمنية وسقف التعبير المسموح به داخل هذه الأنظمة.
لكن يمكن القول بالمجمل، إن القضية الفلسطينية باتت محروسة برأي عام إنساني ضخم بمختلف ثقافته وأعراقه وأديانه ومذاهبه، والملفت للنظر أيضاً أن معركة «طوفان الأقصى» فتحت تراجيديا الشعب الفلسطيني، وبدأ الناس من كل أصقاع الأرض يبحثون عن أصل هذه المأساة وجذورها؛ خصوصاً بين فئة الشباب، وازدادت الأصوات المعترفة بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وسقطت ورقة وصم مقاومته بالإرهاب على الأقل شعبياً، وكشفت عن العلاقة العضوية بين الكيان والغرب الاستعماري، حيث باتت هذه العلاقة أكثر وضوحاً، وبات جلياً أن معركة التحرير التي يخوضها المقاومون ليست مع الكيان وحده، وإنما مع صانعيه الفعليين والكيانات الوظيفية المساندة له والتي تشبهه في النشأة.
ولأن هذه المنطقة تاريخياً شهدت عددا من المعارك الكبرى وكانت تنتهي دائماً بتحولات في النظام العالمي، ولذا فإن معركة اليوم لها طابع التحولات الكبرى والعميقة في النظام العالمي الراهن، حيث ستؤدي إلى انحسار وتلاشي الهيمنة الغربية وفي أقل تقدير تحجيمها، ولعل حالة الفوضى التي يشهدها النظام العالمي في هيمنته الأحادية اليوم تعبر أصدق تعبير عن هذا التحول المرتقب.
ومن عايش فترة زوال نظام الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي ومنظومته في نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن المنصرم سيجد وجه شبه وتماثلا في العديد من الظواهر.
ومن يعمل تغذية استرجاعية للأمس القريب سيجد وجه شبه في كثير من تفاصيل ما حدث في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم، إذ كان الاتحاد السوفيتي ومنظومته الاشتراكية والدول التابعة له تعيش أزمة وفوضى وسقوط أنظمة تابعة واحدا تلو الآخر وتفكك داخل منظومة الهيمنة السوفيتية وعدم قدرة القيادة السوفيتية على ضبط إيقاع منظومته نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها.
ونفس الحدث نشهده اليوم، الولايات المتحدة والغرب أو ما أطلق عليه «العالم الحر» وتوابعها الطرفية تعاني أزمة عميقة وتراجعا وانحسارا في القوة وفقد «البيت الأسود» القدرة على ضبط إيقاع منظومته، ناهيك عن حالة الرفض الجماهيري الداخلي للسياسات المتخذة.. وهناك قاعدة منطقية مفادها إذا تشابهت المقدمات تشابهت نتائجها.
وإذا كانت دوائر القرار في الغرب وضعت منذ وقت مبكر مشروع تحقيق «شرق أوسط جديد»، فإن هذا المشروع قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، لكن خلاف غايته، إننا على مشارف «شرق أوسط جديد»، لكن من دون كيان الفصل العنصري أو أي كيان وظيفي يعمل للمصالح الغربية.
ولهذا يمكن الجزم أن معركة طوفان الأقصى ستكون معركة صياغة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، سيبدأ هذا النظام بالظهور مع زوال كيان الفصل العنصري» الكيان الصهيوني» وستلحقه موجات ارتدادية كثيرة منها خروج القواعد الأمريكية والغربية من المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات