ماذا بعد زوال هيمنة أمريكا الأحادية؟
- سامي عطا السبت , 30 ديـسـمـبـر , 2023 الساعة 7:22:00 PM
- 0 تعليقات
د. سامي عطا / لا ميديا -
بعض الناس يتخوفون من زوال هيمنة أمريكا الأحادية! وبعضهم يساوون بين الهيمنة الأمريكية والهيمنة الصينية ويعتبرونهما وجهين لعملة واحدة، ولا يستطيعون أن يمايزوا بينهما. وهناك من يعتبر الأخيرة شراً مطلقاً، ولسان حالهم: "جني نعرفه ولا إنسي ما نعرفه"!
وكلنا يعرف أن الهيمنة الأمريكية قامت على معيار القوة والنهب الاستعماري للدول والشعوب الأخرى، ووضعت مصالحها دائماً فوق كل اعتبار، ولا تتورع أمريكا عن استخدام كل وسائل البطش والغطرسة لكي تحقق أعلى قدر من المصالح، حتى لو كانت هذه المصالح تتطلب القبول بحكام مستبدين ودكتاتوريين للدول المنهوبة أو حتى شن حروب عدوانية أو التخطيط لدسائس وانقلابات.
ولقد استخدمت قضية حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأي ضد حكام دكتاتوريين مستبدين عندما تعارضت مصالحها مع وجودهم في سدة الحكم وأضحى عقبة كأداء أمامها، أو عندما تشعر بأنهم قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وحينها ترتفع لديها نبرة قيم الديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان كوسيلة ضغط وابتزاز، ولم تتورع أمريكا عن استخدام كل وسيلة ممكنة للإطاحة بأي نظام يعارض مصالحها، حتى لو كان بشن عدوان عليه أو بالانقلاب في أحسن الحالات؛ ألم تدعم انقلاب الجنرال الإندونيسي سوهارتو في منتصف الستينيات؟! ألم يخطط جهاز مخابراتها المركزية (سي آي إيه) لانقلاب الجنرال بينوشيه على الرئيس التشيلي المنتخب ديمقراطياً عام 1973؟! ألم ترفض نتائج الانتخابات التشريعية التي حازت فيها حركة حماس على الأغلبية عام 2009؟! ألم تدعم الثورة المضادة في نيكاراجوا الكونتراس، كما دعمت وتآمرت على كوبا وفنزويلا؟!... هذا غيض من فيض.
بالمختصر: أمريكا ليست حارسة للقيم الإنسانية وأمينة عليها. أمريكا تتعامل مع هذه القيم الإنسانية بصورة براغماتية، حينما تتعارض مع مصالحها فإنها تركلها من دون أن يرف لها جفن، وتشرع في استخدامها للخلاص من قادة وزعماء وأنظمة لا يسيرون على هوى مصالحها.
ولا غرابة في ذلك، لأن أمريكا نشأت ككيان سياسي على ثقافة القراصنة المكتشفين لها كقارة، وهذه النشأة حكمت ثقافتها السياسية، وعليه فإن البراجماتية السياسية هي سليلة ثقافة القراصنة، القراصنة الذين لم يتورعوا عن تأسيس وجودهم وسيطرتهم على هذه القارة بالوسائل اللاإنسانية المنحطة حتى لو أدت إلى إبادة السكان الأصليين، وما هذه البوارج والأساطيل والغواصات الحربية إلّا قوة قراصنة حداثية وامتداد لثقافة القراصنة المكتشفين.
والرجل الأوروبي «الأبيض» الذي مارس كل أنواع الجرائم في هذه القارة حاول من خلال فتح الهجرات من مختلف دول العالم إلى هذه القارة بحثاً عن غفران لخطيئته، وكأن الرجل الأبيض أراد أن يقول: صحيح أننا أقمنا هذا الكيان على المجازر والإبادة الجماعية، لكن جميع شعوب الأرض صارت شريكةً بخيراتها وثمارها.
ويتخوف البعض من فراغ الهيمنة في حال سقوط الهيمنة الأمريكية الأحادية، ويبرر مخاوفه بسيادة الفوضى. مع أن فوضى هيمنة أمريكا الأحادية أبشع وأقذر وأجرم هيمنة عاشتها البشرية وبلغت أمريكا فيها مرحلة النازية. ولا خوف من التحولات التي يشهدها النظام العالمي، وبالتأكيد سيعد ترتيب نفسه، ويلوح في الأفق نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهذا العالم المتعدد الهيمنات سيعيد ترتيب توازن العالم المختل الذي نعيشه. وهناك قوى هيمنة صاعدة كالصين والهند وروسيا، منفردة أو عبر تكتلات اقتصادية كالبركس. وبعد أن تنتهي هيمنة أمريكا الأحادية قد تعيد أوروبا ترتيب حالها وتتعافى من تبعيتها لأمريكا وتغدو أحد الأقطاب، ونهاية هيمنة أمريكا الأحادية ستنكفئ تلملم جراحها لكي تغدو قطباً ضمن الأقطاب العديدة الناشئة.
وإذا كانت هيمنة أمريكا تأسست على فائض قوة راكمتها وعبر سياساتها العدوانية، فإن الهيمنة الصينية تأسست على وسيلة ناعمة، وذلك عبر التقدم الاقتصادي ومراكمة أسباب قوتها الاقتصادية الناعمة، ولم تكن الصين في يوم من الأيام دولة استعمارية، فلقد عانت من الاحتلال الياباني والبريطاني والأمريكي، واليوم تقدم نفسها لدول العالم كشريك وتدعو إلى تحقيق منافع مشتركة، وتدخل في مشروعات برأسمال مشترك لك وعليك، وتذهب إلى تقديم قروض وتعطيك خيار أن تمتلك مشروعك فوق أرضك في حال تصرفت بمسؤولية وسددت التزاماتك. وأبسط مثال الاتفاق الصيني السوداني في اكتشاف واستغلال النفط، حيث صار ملكية للدولة السودانية 100% بعد أن سددت القرض والشرط الوحيد الذي كان يهم الصين، وهو أن نفط السودان حق تصديره للصين بسعر الزمان.
وعليه فهناك بون شاسع بين الهيمنتين الأمريكية والصينية، الأولى تتخذ من صراع الحضارات والعدوان عليها وسيلة لإخضاعها، بينما الثانية تتخذ من حوار الثقافات والحضارات والتكامل الاقتصادي أساساً لها.
النهب الاستعماري والاستئثار بمقدرات الدول والشعوب لا يؤسس للسلام والأمن الدوليين الدائمين، بل يكون بيئة للحروب الدائمة. والسلام والأمن الدائمان يتطلبان ركيزتي تنمية متوازنة بين الدولة وتنمية متوازنة داخل الدول. ومن ينظر إلى سلام وأمن دوليين دائمين عليه أن يؤسس لنظام عالمي يتسم بالعدالة والإنصاف ويقوم على فلسفة سياسية تعتمد على فكرة الشراكة في تحقيق المنافع للإنسانية جمعاء.
المصدر سامي عطا
زيارة جميع مقالات: سامي عطا