الأكاديمي في الفنون الشعبية علي المحمدي لـ«لا»:اليمن يمتلك حوالي 400 رقصة تراثية ووثقت 37 منها فقط بسبب عدم وجود الدعم
- تم النشر بواسطة مارش الحسام / لا ميديا

حاوره: مارش الحسام / لا ميديا -
شخصية فنية وأكاديمية فريدة من نوعها في اليمن، يمارس واحدا من أهم الفنون التي لم تأخذ حقها في اليمن.
أكاديمي في الفنون الشعبية ومدرب وباحث في الرقص الشعبي اليمني، ومتخصص في إخراج وتصميم فنون الباليه والرقص الشعبي، من مؤسسي فرقة الرقص الشعبي بجنوب الوطن سابقا في السبعينيات من القرن الماضي وفي منتصف الثمانينيات نال الماجستير في فنون الباليه من الاتحاد السوفيتي سابقا، ثم التحق بأكاديمية الفنون بمصر لدراسة الفنون الشعبية.. صحيفة «لا» التقت الفنان علي المحمدي وأجرت معه الحوار التالي:
في البداية من هو علي المحمدي؟ أو كيف تقدم نفسك للقراء؟
علي محمد صالح المحمدي ولد في عزلة بني محمد مديرية الشمايتين محافظة تعز، متخصص في إخراج وتصميم فنون الباليه والرقصات الشعبية، باحث ومدرب للرقص الشعبي، ومدير عام الفنون الشعبية بوزارة الثقافة بصنعاء وقائد الفرقة الوطنية للفنون الشعبية.
الوحيد في اليمن
ماذا عن بدايتك؟ وما الذي ألهمك لدخول هذا المجال؟ وهل أنت الوحيد في اليمن المتخصص في هذا الفن التراثي؟
نعم أنا الوحيد في اليمن المتخصص أكاديميا لهذا الفن والذي درسته بدافع الهواية والبداية كانت في عدن التي عشت فيها طفولتي ووقتها كانت تتواجد فيها عدد من الجاليات الأجنبية والتي كان لها حفلاتها الخاصة وكانت تشدني حفلاتهم وطريقة رقصهم باعتبارها لم تكن مألوفة وغربية على بيئتنا، وشيئا فشيئا بدأ اهتمامي بهذا الفن الاستعراض، وبعدها كنت من مؤسسي الفرقة الوطنية للرقص الشعبي في العام 1974، وشاركت خارجيا في كثير من الدول، ثم ذهبت للدراسة في الاتحاد السوفيتي وتخرجت بشهادة ماجستير في فنون الباليه في العام 1985من سان بطرسبورغ الروسية، وأيضا درست الفنون الشعبية في أكاديمية الفنون بالقاهرة.
مشاركات خارجية
ذكرت أنك شاركت خارجيا في عدد من الدول.. ما أبرز مشاركاتك الخارجية؟
شاركت وقدمت عروضا في روسيا وبلغاريا وألمانيا وإيطاليا والنمسا واليابان والصين وكوبا وغيرها من الدول.
مسرحية بدون كلام
ما هو تعريفك للرقص؟ أو ما معنى الرقص باختصار؟
هو فن استعراضي ومسرحية بدون كلام، ونشاط طبيعي يمكن اختصاره بأربع كلمات: حركة - موسيقى - إيقاع - زي.
موهبة
الرقص هل يمكن لأي شخص أن يؤديه؟ بمعنى آخر هل هو موهبة أو هواية؟ وهل يمكن اكتساب هذه المهارة أم أن هناك مواصفات.. أم ماذا؟
الرقص علم بحد ذاته له معاهده وأكاديمياته، ممكن تصبح بروفيسور في الرقص، ولا يمكن لأي شخص أن يؤديه، ولا بد أن يكون لدى الشخص هواية وموهبة كالرياضة هل يمكن لأي شخص أن يحترف كرة القدم وأن يصبح لاعبا أو نجما في كرة قدم وكذلك الرقص.
البرع بالفطرة
ولكن من الملاحظ أن نسبة كبيرة من اليمنيين يجيدون البرع أو الرقص ربما بالفطرة دون دراسة دون الحاجة الى أكاديمية لتعليم الرقص؟
أن تؤدي رقصة البرع فهذا طبيعي كونها رقصة خلقت معك في بيئتك ومن السهل اكتسابها وتأديتها في بيئتك، ولكن إذا كنت تريد أن ترقص خارج بلدك، مثلا أمام جمهور في الصين، ضروري أن تتعلم أصولها وحركاتها.
خلق مع الإنسان وليس مع الفن
الرقص تاريخيا هل خلق مع الفن أم أنه نشأ كنوع من أنواع الفنون.. أم ماذا؟
الرقص بشكل عام لا نقدر أن نحدد زمان ظهوره، ولكن يمكن القول إنه خلق مع الإنسان ولم يخلق مع الفن، في الحضارات القديمة كان الرقص يعد كطقوس لترويض الظواهر الطبيعية كانوا يرقصون مثلا لكي تهدأ كالبراكين والفيضانات.
وثقت علميا 37 رقصة
كل دولة تهتم بتوثيق تراثها، مثلا في دول الجوار لديهم رقصة واحدة أو بالكاد رقصتان وعملوا منها ضجة باعتبارها جزءا من تراثهم وسخروا كل طاقاتهم لتسويقها خارجيا.. ماذا عن اليمن ورصيده من هذا الفن التراثي؟
اليمن يمتلك من الرقصات الشعبية تراثا زاخرا يتجاوز 400 رقصة لكل منها إيقاعاتها وحركاتها ومناسباتها ولكنها للأسف لم توثق توثيقا شاملا ولا توجد ثمة مراجع يمكن الرجوع إليها وباختصار ليس هناك اهتمام بهذا التراث.
أنا وبجهود ذاتية حاولت جاهدا توثيق الرقصات الشعبية في اليمن توثيقا علميا، وخلال تأليفي لكتاب الرقص الشعبي في اليمن، والذي استغرق مني حوالي 7 سنوات من البحث والانتقال من منطقة الى أخرى وعلى حسابي الخاص، تمكنت من توثيق 37 رقصة شعبية توثيقا علميا يشمل التسمية وتوصيف الأداء والحركات والأزياء وتدوين النوتة التي توثق الجمل الموسيقية والإيقاعية لكل رقصة، بحيث لو تؤديها لشخص أجنبي ممكن يؤديها، ولكنها غيض من فيض، لعدم وجود الدعم.
نوعان
هل هناك تصنيف لأنواع الرقص؟ بمعنى آخر هل هناك أنواع للرقص؟
نعم الرقص نوعان، الرقص التعبيري والرقص للترويح عن النفس كالشرح اللحجي والرقص المصاحب للمزمار.
أما الرقص التعبيري كالبرع وهي رقصة حربية ولكل منطقة يمنية برعة حربية وزامل خاص بها، وإن كان يتم حاليا تقديم هذه الرقصات في المناسبات الاجتماعية إلا أنها تاريخيا رقصة حرب.
البرع الحربي في اليمن
ممكن تطلعنا أكثر عن البرع الحربي في اليمن خصوصا أن اليمن يمر بمرحلة حرب فرضت عليه لنصرة غزة وللدفاع عن أراضيه؟
البرع الحربي هو رقص تعبيري عن الحرب، وفي السابق، مارس اليمنيون رقصة البَرع للاحتشاد والتأهب ضمن طقوس الإعلان عن الحرب أو عن قدوم مهاجمين على القبيلة أو للتعبير عن النصر والاستعداد للمعركة، ويتم تأديتها بحركات مدروسة بانسجام مع إيقاع الطبول وتحاكي في تنقلاتها المبارزات القتالية والتكتيك الحربي ومهارات الاصطفاف والكر والفر.
ورقصة البرع تمر من بدايتها الى نهايتها بأربع مراحل، وما يعرف بالدارجة: الدعسة والوسطى، والسارع، والهوشلية، أي أنها تبدأ بالدعسة وتنتهي بالهوشلية، وتختلف رقصات البرع من منطقة الى أخرى فلكل منطقة برعة حربية على سبيل المثال، الهمدانية، اليافعية، الصعدية، العِدة في حضرموت.
البرع للمجهود الحربي
برأيك كيف يمكن توظيف البرعة الحربية بما يخدم المرحلة التي تواجهها اليمن من عدوان داخلي وخارجي؟
الفترة الحالية مناسبة لأن نوظف رقصة البرع الحربي من أجل المجهود الحربي على أن تكون الكلمات مناسبة، بالإمكان تطويره وإضافة بعض الحركات دون تشويهه ولكن للأسف هناك مسخ لهذا التراث وتشويه لهويته الحركية.
مظلوم وتشويه
كيف تصف واقع الرقص الشعبي في اليمن..؟ وما طبيعة التشويه الذي ذكرته في الفقرة السابقة؟
للأسف الكبير هذا الفن مظلوم جدا حكوميا ومجتمعيا، حكوميا لا يوجد اهتمام بهذا الفن التراثي والمظلوم أيضا اجتماعيا حيث إن الرقص مازال عيبا في بعض المجتمعات وهناك نظرة دونية لمن يمارس هذا الفن الذي لم ينال حقه في اليمن ووصل به الحال بأن صار عرضة للمسخ والتشويه من قبل الفضوليين الذين أدخلوا عليه بعض الحركات الهدامه والمشوهه للثرات.
أنا كمخرج رقصات شعبية لا أجد مانعا أن أسعى أنا أو غيري لتطوير هذا الفن التراثي بل أعتبره ضروريا ولكن دون تشويه التراث، أنا حين أقوم بتصمم رقصة ولكسر الرتابة في الأداء ممكن أضيف لها بعض الحركات بما يتناسب مع الخامة ودون تشويه هويتها الحركية، ولكن المشكلة في الفضوليين الذين أدخلوا على الرقصات التراثية حركات تمسخ هويتها، ومن حق أي شخص أن يرقص ويعمل حركات لكن يجب أن يسمي الرقصة باسمه ولكن يجب عليه ألا يعبث بالتراث.
4 رقصات من 400 رقصة
لماذا هناك محافظات أو مناطق قليلة اشتهرت برقصاتها فيما محافظات أخرى وما أكثرها ربما لا ندري ما إذا كان لها رقصاتها الخاصة أم لا؟
أوافقك الرأي، وخير دليل اشتهرت في اليمن ٤ رقصات: البرع الصنعاني واللحجي واليافعي والحضرمي، بالرغم من أن اليمن يمتلك أكثر من 400 رقصة ولا تكاد تخلو منطقة يمنية من وجود رقصة لأكثر من مناسبة، ومع ذلك اشتهرت 4 رقصات فقط سبق ذكرها، وهذا بسبب الإعلام الذي كان ينقل لنا هذه الرقصات، زمان كان التلفاز المصدر الوحيد للنقل، فيما محافظات مثل ريمة وتعز لم يكن يعرف عن رقصاتها بسبب غياب النقل، وذكرت ذلك في كتابي الرقصات الشعبية في اليمن، أيضا هناك محافظات غير مهتمة بتراثها ولا بتوثيقه وتستورد رقصات من محافظات أخرى، الآن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت رقصات لم تكن معروفة في السابق مثلا حاليا اشتهرت رقصة الزبيري في تعز والنسر في صعدة وهي أيضا رقصة حربية.
حرث في بحر
ما الذي قدمه الفنان علي المحمدي لفن الرقص الشعبي خلال مسيرته التي تمتد لعقود مع هذا الفن التراثي؟
من السهل أن يقال لي ماذا حققت ماذا أنجزت خلال حوالي 40 عاما، فماذا باستطاعتي أن أقدم بمجهود ذاتي وفي ظل انعدام مقومات النجاح، من 1986 وأنا أعمل مدربا للرقص الشعبي ودربت عشرات الفرق لفنية للرقص الشعبي بطريقة علمية تضمنت تحليل الجسد وحركاته بطريقة صحيحة وصحية واحترافية والانسجام مع الإيقاعات والنوتة. ولكن البعض لم يستمر وانخرط في أعمال أخرى في سبيل البحث عن الرزق والواقع لا يشجع والبلاد تفتقر لفرقة وطنية موسيقية أكاديمية تعزف على النوتة، ولا توجد بنية تحتية لا معهد موسيقي ولا فني ولا مسارح، فما الذي يمكن أن أحققه في ظل هذا الواقع أجد نفسي كمن يحرث في بحر.
سر إصراري
في ظل هذه المعوقات والواقع القاتل للنجاح.. لماذا لم يستسلم علي المحمدي للواقع غير المشجع؟ ألم يصبك اليأس..؟ بمعنى آخر ما سر إصرارك على الاستمرار في هذا المجال فيما الواقع ربما لا يشجع على الاستمرار فيه؟
لأنني شخص متخصص ودارس لهذا الفن دراسة أكاديمية ولست هاويا، الشخص الهاوي ممن أن يستسلم ويقطع صلته بهذا الفن بسبب الصعوبات ويتجه لمجال آخر يكسب منه قوته.
كلمة أخيرة..؟
نشكر صحيفة «لا» على هذه اللفتة الكريمة والاهتمام بهذا الفن التراثي الذي لم يلق حقه من الاهتمام الحكومي.
المصدر مارش الحسام / لا ميديا