ماذا يجري في تركيا؟
- أحمد رفعت يوسف الأثنين , 24 مـارس , 2025 الساعة 12:28:27 AM
- 0 تعليقات
أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
يخطئ من يعتقد أن ما يجري في تركيا يتعلق فقط باعتقال رئيس بلدية اسطنبول (إمام أكرم أوغلو)، او قصة سلطة ومعارضة، وانتخابات رئاسية، فالأمر أكبر وأبعد من ذلك بكثير.
ما يجري هو بدء فتح معركة الحساب مع نظام أردوغان، ومع تركيا، التي تشكل بموقعها الجيوسياسي، وعوامل القوة التي تمتلكها، والطموحات التي تحركها، تهديداً لمعظم القوى والدول الإقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة والعالم.
فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاول منذ وصوله، مع حزبه (العدالة والتنمية) ذي التوجه الإخواني، تجاوز حدود تركيا كقوة إقليمية متوسطة، ولعب دور دولة عظمى، ويحلم باستعادة الإمبراطورية العثمانية، بحلة عثمانية جديدة. ولتحقيق هذه الأهداف، تحالف مع اليمين الأمريكي المحافظ، وقوى العولمة، وانخرط بكل قوة مع مخططه "الشرق الأوسط الجديد"، وهو ما أعلنه أردوغان على الملأ، وأكثر من مرة، بأنه يحتل منصب نائب المدير التنفيذي لهذا المخطط.
من الأخطاء الاستراتيجية القاتلة، التي وقع بها أردوغان وحكومته، أنه توهم إمكانية أن يلعب دور "الحليف" لليمين الأمريكي المحافظ، وقوى العولمة، ليكتشف أنه لم يكن أكثر من أداة، وليس طرفاً مقرراً وفاعلاً، وهو نفسه الدور الذي تعاملت به روسيا، التي حاولت -من خلال تركيا- شق حلف الناتو، وليتأكد عجز تركيا عن أن تكون دولة عظمى.
سورية وسط هذا الصراع الإقليمي والدولي الشرس، وبما تمثله من موقع جيوسياسي فريد يجعلها واحداً من أهم مفاتيح السياسة العالمية، كانت دائماً البوصلة والمؤشر إلى المسارات التي يأخذها هذا الصراع.
ومع فشل مخطط "الشرق الأوسط الجديد"، بدءاً من الميدان السوري، وانهيار أنظمة الحكم الإخوانية، خاصة في مصر وتونس، تهاوت طموحات ومخططات أردوغان، وفشل مشروع العثمانية الجديدة، لكنه لم يمت. ومع تداعيات حرب أوكرانيا، والوضع في سورية، تجدد الحلم الأردوغاني، ووجد فرصته في وقوفه وراء التغيير الذي جرى في سورية.
بهذا الدور الخطير، تجاوزت تركيا كل الحدود، وعصفت بالخرائط الجيوسياسية، وبتوازنات القوى والقوة الإقليمية والدولية، وشكلت تهديدات حقيقية وبالجملة للمصالح الوطنية والأمن القومي لمعظم القوى الفاعلة في المنطقة والعالم، ومنها روسيا والصين وإيران والسعودية ومصر والعراق و"إسرائيل" وأوروبا، وأخيراً للتيار الأمريكي المعادي لتيار العولمة، والذي تمثله اليوم إدارة ترامب.
من سوء حظ أردوغان أن عالم الصراعات والمصالح لا يوجد فيه عواطف وأحلام، ولا تعطى فيه فرص لتصحيح الأخطاء، فعامل القوة الكبير، الذي كان يستمده من اليمين الأمريكي المحافظ وقوى العولمة، انتهى مع مجيء إدارة ترامب، المعادية لتلك القوى، وفقد أيضاً الدعم الروسي والإيراني، الذي أنقذه من انقلاب عام 2016، لتفقد تركيا بذلك كل ما تبقى لها من عوامل قوة مكنتها من لعب أدوار استراتيجية، ولتصبح في حالة "صفر أصدقاء"، ووسط بحر متلاطم الأمواج من الأعداء المتربصين بها، مع وجود مصلحة مشتركة لكل هذه القوى والدول في القضاء على عوامل القوة التركية، التي مكنتها من لعب هذا الدور، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بتقسيم تركيا.
الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، الذي يشكل دماغ بوتين السياسي، ومنظّر روسيا البوتينية، لخص وضع تركيا اليوم، والأخطاء الاستراتيجية القاتلة التي وقع بها أردوغان، بعدة نقاط:
- الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان مستعداً للتعاون مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أساس أنه رئيس دولة عظمى، لكن أردوغان تصرف على أساس أنه رئيس دولة متوسطة، ونسي أننا حلفاء.
- أردوغان استغل ضعف روسيا في مرحلة معينة في سوريا، بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا، ووقع في الفخ الذي نصبه له الرئيس الأمريكي جو بايدن.
- ضحى بروسيا والاتفاقيات المبرمة معها، من أجل مصالح قصيرة الأجل، وهو ما ينعكس عليه سلباً الآن.
- عندما يبدأ القائد ببيع كل شيء بثمن بخس، ويخون حلفاءه، حتى في الأوقات غير الحرجة، فإن ذلك يجعله في عين روسيا زعيم دولة متوسطة، وليس دولة عظمى.
- لم نظهر أي رد فعل علني، ولم نصدر أي بيانات رسمية، لكن من منظور الجغرافيا السياسية، فإننا نرى بوضوح هذه التحولات العميقة.
- أردوغان ارتكب خطأً فادحاً في الإطاحة بالأسد، وهو بهذا التصرف وقّع على نهايته.
- لا يوجد من سيساعده في ورطته، لاسيما وأن علاقته مع ترامب سلبية جداً، ومع المخابرات البريطانية قاتلة؛ لقد تواطأ مع الليبراليين والعولميين، الذين هم أسوأ الحلفاء على الإطلاق.
- لن نتعامل مع قائد دولة عظمى لا يحترم كلمته، وأردوغان سيدفع ثمناً باهضاً جراء ذلك.
- لقد غير تصنيفه الجيوسياسي في أعيننا وفي أعين العالم بأسره.
- الآن عندما يحين الوقت لترامب لتصفية الحساب معه، سنتعامل معه وفق مصالحنا، ولن نمد يد العون لمن خذلنا.
ما تشهده تركيا الأردوغانية اليوم، يذكرنا بالوضع الذي كانت فيه الإمبراطورية العثمانية، مع بدايات القرن العشرين، عندما كانت تسمى "رجل أوروبا المريض"، والتي انتهت بخسارتها في الحرب العالمية الأولى، والتي أدت إلى انهيارها وتقسيمها، وانحسارها ضمن حدود تركيا الحالية.
وتركيا اليوم، تحولت إلى مثل حالة الإمبراطورية العثمانية في سنواتها الأخيرة، مع وجود مصلحة لكل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، بأن تركيا يجب أن لا تبقى كما هي الآن، ويجب تجريدها من عوامل القوة التي تمكنها من تشكيل كل هذه التهديدات، وهذا يضعها في عين العاصفة، واستكمال عملية تقسيم الامبراطورية العثمانية، بتقسيم تركيا الحالية. ويمكننا التأكيد بأن قصة رئيس بلدية إسطنبول، بالنسبة لتركيا، ليست إلا مثل حريق البوعزيزي في تونس، وقصة أطفال درعا في سورية، التي كانت عود الثقاب الذي أشعل الحريق، وما نشهده اليوم ليس سوى البدايات لدراما جيوسياسية تركية مثيرة ستطول حلقاتها ومشاهدها.
المصدر أحمد رفعت يوسف
زيارة جميع مقالات: أحمد رفعت يوسف