عادل بشر / لا ميديا -
تحلق طائرة MQ-9 Reaper بدون طيار، في سماء صنعاء باليمن في أجواء من الترقب قبل بزوغ الفجر. ويمتزج هيكلها الرمادي غير اللامع بسلاسة مع الألوان الغامقة في الصباح الباكر، وتلقي أجهزة الاستشعار التي تدور حولها نظرة خفية على الشوارع في الأسفل.
على بعد آلاف الأميال، وفي غرفة تحكم ذات إضاءة خافتة، يتكئ الطيار إلى الخلف في مقعده، وتنعكس أشعة الضوء المنبعثة من شاشات المراقبة على وجهه. يمد يده إلى فنجان القهوة الورقي ويضعه ببطء في فمه. «ليلة بطيئة أخرى»، يتمتم. بالكاد تخرج الكلمات من شفتيه قبل أن تومض الشاشة. سكون. صمت. يضرب الذعر صدره وهو يفحص لوحة التحكم، دون أن يدرك أن طائرته التي تبلغ قيمتها 30 مليون دولار أصبحت الآن مذنبًا مشتعلًا يسقط على الأرض متناثرًا.
في مركز عمليات يقع على بعد نصف الكرة الأرضية، ينشط المحللون، وتتضارب الأصوات وهم يحاولون تجميع أجزاء ما حدث. ولكن لا توجد أدلة. وبعد ساعات، يظهر مقطع فيديو يؤكد ما بدأ كثيرون في الشك فيه.
ما سبق هي مقدمة لتقرير حديث، أعده ثلاثة من كبار الضباط في القوات الجوية الأمريكية، ونشرته، أمس الأول، مجلة الحرب على الصخور (War on the Rocks) الأمريكية المعنية بالقضايا الجيوسياسية والعسكرية.
«محاربة الأشباح»، هكذا عنون الضباط الأمريكيون تقريرهم، واصفين من خلاله الدفاعات الجوية اليمنية، ونجاحها في اصطياد أحدث الطائرات بدون طيار متعددة المهام التي تتفاخر الولايات المتحدة بامتلاكها، وهي طائرة MQ-9 Reaper.
وأعلنت القوات المسلحة اليمنية إسقاط 14 طائرة أمريكية مسيرة طراز MQ-9 Reaper، خلال قرابة عام واحد (8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023م - 1 كانون الثاني/ يناير 2025م)، من معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس إسناداً لغزة، أثناء تنفيذ هذه الطائرات أعمالا عدائية في أجواء عدد من المحافظات اليمنية.
واعترف الضباط الأمريكيون بعجز أحدث التقنيات الجوية للولايات المتحدة، في اكتشاف الدفاعات الجوية اليمنية، التي أثبتت جدارتها في استهداف طائرات MQ-9 Reaper.. مؤكدين أن «مصداقية الردع الأميركي تتآكل»، أمام هذا الفشل.

حرب خفية
وجاء في التقرير: «إننا لا نتحدث هنا عن ساحة معركة مستقبلية مليئة بالصواريخ الموجهة بالرادار. بل نتحدث هنا عن تهديد أكثر هدوءاً، وحرب خفية تشنها قوة أكثر مراوغة وخبثا: نظام دفاع جوي متكامل سلبي. ويعمل هذا النظام دون أن يراه أحد، ويضرب دون سابق إنذار، فيعيد كتابة قواعد التفوق الجوي في صمت».
وأشار التقرير إلى أن القوات الأمريكية، بدعم من دول أخرى، نفذت في 12 كانون الثاني/ يناير 2024م ضربة قال إنها «استهدفت أنظمة الرادار الحوثية والبنية التحتية للدفاع الجوي ومرافق تخزين الأسلحة في منطقة البحر الأحمر».. موضحاً أنه «وعلى الرغم من ذلك، أعلن الحوثيون أنهم أسقطوا 14 طائرة أمريكية من طراز MQ-9 منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023».
وشدد معدو التقرير بأن قدرة القوات المسلحة اليمنية «على تدمير الأصول الجوية الأميركية تتحول بسرعة إلى دروس للخصم، مما يؤكد حقيقة قاسية: وهي أن مصداقية الردع الأميركي تتآكل».. مشيرين إلى أن «التصدي بفاعلية للتهديد الحالي المتمثل في الدفاع الجوي السلبي أمر بالغ الأهمية لاستعادة الردع وضمان دفاعات موثوقة للدول الحليفة».

التفوق الجوي
وقالوا: «لقد خاضت الحروب الطويلة التي اندلعت في العراق وأفغانستان في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ضد أعداء يفتقرون إلى دفاعات جوية متطورة، الأمر الذي سمح بعمليات جوية غير مقيدة واستهداف الأهداف. وقد أدى هذا إلى تعزيز الشعور بالرضا عن الذات، وتقويض التركيز على التفوق الجوي وإهمال الأدوات والتدريب اللازمين للحفاظ عليه».. وأضافوا: «ويتجلى هذا القصور بوضوح في اليمن، حيث تستمر أنظمة الدفاع الجوي الحوثية في كشف حدود الاستراتيجيات القديمة. ويتنبأ انتشار الأنظمة المتقدمة والعجز الواضح عن مواجهتها بنقاط ضعف مماثلة في الصراعات المستقبلية».. مؤكدين أنه «وبدون تبني تقنيات جديدة للقضاء على هذه التهديدات، سيظل التفوق الجوي بعيد المنال، وستفقد التكتيكات التي أثبتت جدواها في القتال أهميتها».
ويُطلق مصطلح «الدفاع الجوي السلبي» على تقنيات متعددة لتقليل احتمالية التدمير مثل التمويه والإخفاء وتشتيت القوات والتنقل السريع والأمن الصارم للاتصالات.
ويشير التقرير الأمريكي إلى امتلاك صنعاء لرادارات حديثة، تستطيع التخفي من طائرات العدو، وفي ذات الوقت رصد حركتها وتسهيل عملية استهدافها، حيث تستخدم هذه الرادارات أو «الأنظمة السلبية» تقنية التتبع والتوجيه الكهروضوئي والأشعة تحت الحمراء غير القابلة للكشف، مما يحرم الأصول المحمولة جواً من تلقي المؤشرات المتقدمة ويقلل من وقت رد الفعل. وبسبب انخفاض قابلية اكتشافها، يمكن للأنظمة السلبية أن تسمح للأهداف بالاقتراب، مما يقلل من الجدول الزمني للاشتباك ويحد بشكل أكبر من قدرة الطائرة على الدفاع.

تحدٍ كبير
التقرير الأمريكي الحديث، أفاد بأن «صعود أنظمة الدفاع الجوي المتكاملة السلبية يمثل تحدياً أساسياً للتفوق الجوي للولايات المتحدة. فالتكتيكات التقليدية، مثل استخدام الصواريخ المضادة للإشعاع لتحييد أنظمة الرادار النشطة، غير فعّالة إلى حد كبير ضد الأنظمة السلبية. وتعمل هذه الأنظمة على تقليل إمكانية اكتشاف مكوناتها، مما يعقد عملية البحث والتثبيت والتتبع والاستهداف والاشتباك والتقييم التي تدعم عقيدة الاستهداف الأميركية».
ولتفادي تواصل إسقاط طائرات MQ-9، اقترح الضباط الأمريكيون مجموعة من الحلول، من بينها أن يتم «تشغيل طائرات MQ-9 في تشكيلات مكونة من سفينتين أو أكثر لتوفير الدعم المتبادل وتعقيد حلول استهداف العدو؛ ونشر مرافقين مقاتلين لحماية منصات التجميع وتمكين العمليات الموسعة في المناطق المتنازع عليها؛ وتوسيع مجموعة الأهداف الخاصة بالفرق المتخصصة التي تعمل تقليديًا على العثور على الدفاعات الجوية النشطة للعدو واستهدافها» مؤكدين أن «الاستمرار في تحليق طائرة MQ-9 واحدة في المجال الجوي غير المسموح به لن يؤدي إلا إلى إسقاط المزيد من طائرات MQ-9».
وخلص التقرير الأمريكي إلى القول إن «أيام قدرة الولايات المتحدة على الهيمنة على المجال الجوي للعدو أصبحت محدودة»، وإن «معالجة تحدي الدفاع الجوي السلبي الحوثي اليوم من شأنه أن يجهز الولايات المتحدة للتهديدات الحادة والمتسارعة في المستقبل، مما يضمن التفوق العملياتي المستدام في مواجهة الخصوم المتطورين».