الأسيرة الفلسطينية المحررة عبلة سعدات في حوار مع «لا» :لولا المقاومة وصمود أبناء غزة لما تذوقنا طعم الحرية
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

الاحتلال تعامل معنا كحيوانات والأسيرات تعرضن للتفتيش العاري
من أجل القضية الفلسطينية تهون كل التضحيات
إدارة السجن أخبرتنا باغتيال أمين عام حزب الله حتى يقهرونا
حوار عادل عبده بشر / لا ميديا -
كانت الساعة الثالثة فجر الـ17 من أيلول/ سبتمبر 2024م، عندما اقتحمت قوة إسرائيلية مكونة من 20 جندياً، منزل القائد الفلسطيني الأسير أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في بلدة البيرة بمحافظة رام الله بالضفة الغربية، وقامت تلك القوة باعتقال زوجة القائد سعدات، المناضلة والقيادية عبلة سعدات (أم غسان) واقتيادها «مكلبشة اليدين والقدمين» عبر سيارة «زنازين» سجن «عوفر» ثم «الشارون» قبل أن يستقر بها المقام في زنزانة بسجن «الدامون» في حيفا المحتلة.
وفي الثالثة فجر الـ20 من كانون الثاني/ يناير 2025، عادت المناضلة سعدات إلى منزلها بعد أن نالت حريتها مع 69 أسيرة فلسطينية في الدفعة الأولى من المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والذي دخل حيّز التنفيذ صباح 19 كانون الثاني/ يناير الجاري.
ما بين الاعتقال والتحرر رحلة من العذاب والتنكيل قضتها سعدات في السجون الصهيونية، حاول الاحتلال خلالها النيل من صمود وشموخ المرأة الفلسطينية التي لا تعرف الانكسار، فباءت محاولاته بالفشل، والسجّان الذي توعّد «أم غسان» قبل أربعة أشهر، بقضاء ما تبقى من حياتها في «الزنزانة»، هو ذاته من جاء منكسراً ذليلاً ليفتح بوابة السجن لتنعم «أم غسان» وعشرات الأسيرات الفلسطينيات بالحرية.
في هذا الحوار مع صحيفة «لا» تروي الأسيرة المحررة المناضلة عبلة سعدات (69 عاماً) جانباً من معاناة الأسيرات في سجون الاحتلال، واللحظات الأخيرة لرحلة الحرية، كاشفة معلومات جديدة عن زوجها القائد أحمد سعدات الذي يقبع في السجون الصهيونية منذ 19 عاماً والمحكوم عليه بالسجن 30 عاماً.
كيف تعامل الاحتلال مع القيادية أم غسان فور وصولها سجن الدامون؟
بعد اعتقالي في أيلول/ سبتمبر 2024م، وبمجرد وصولي سجن الدامون إثر رحلة تنقل بين سجون أخرى استمرت خمسة أيام، تم عزلي 12 يوما في زنزانة منفردة، واتّبعوا في ذلك خدعة، حيث نادى الضابط عليَّ بأن أتوجه إلى العيادة، فاستغربت لأني لم أطلب أن أُعرض على طبيب، وفعلاً لم يأخذوني إلى العيادة وإنما الى الزنزانة، وقالوا أنتِ تحرضين الأسيرات وتزعزعين أمن السجن كما تزعزعين أمن الدولة الإسرائيلية خارج السجن، وراح الضابط يهدد بأن يبقيني في العزل طوال فترة مكوثي في السجن، فقلت له عادي كله سجن.. كانت الزنزانة أشبه بالقبر، ضيقة جداً بالكاد تتسع لسرير وحمّام مُدمج ضمنها، وكانت وسخة كثيراً ومراقبة بالكاميرات 24 ساعة، وكنتُ ممنوعة من الاتصال بالعالم الخارجي أو حتى رؤية الأسرى الآخرين، أو الخروج إلى ساحة السجن في ما يسمى بساعة الفورة.. أمضيت في هذه الزنزانة 5 أيام، ثم نقلوني إلى زنزانة أوسع قليلاً فيها تختين فوق بعض وحمّام ودش للاستحمام.
بعد 12 يوماً من المكوث في الزنزانتين، تم إخراجي إلى قسم الأسيرات بتاريخ 6 تشرين الأول/ أكتوبر، وفوجئت أن الأسيرات تعرضن للقمع خلال بقائي في الانفرادي، لأنهن قمن بالاحتجاج على أخذي للزنزانة، فقمعوا القسم كله، وأخذوا ملابس البنات، حتى إن البعض منهن بقين فقط بملابس الصلاة، وكذلك أخذوا علب البلاستيك الفارغة التي نأكل فيها، وصادروا أشياء كثيرة تحتاجها الأسيرات وغيرها من الإجراءات القمعية.
بدون تهمة
ما التهمة التي بموجبها تم اعتقالكِ؟
أنا كنت اعتقال إداري، وهو اعتقال بدون لائحة اتهام وبدون محاكمة أو حسم قضائي، فاتهموني بالانتماء إلى منظمة إرهابية وعلى تواصل مع قيادات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الداخل والخارج، وبعد أن قرأ عليَّ اللائحة قال الضابط بتحبي توقعي أنتِ وإلا أوقع أنا عنكِ، فقلت له وقع أنت، وفوراً أحالوني على الحجز الإداري أربعة شهور، فقضيت الفترة وكان المفترض أن يتم الإفراج عني بتاأريخ 16 كانون الثاني/ يناير الجاري، ولكنهم جددوا فترة الاعتقال 4 أشهر أخرى، وكان أن خرجت في الصفقة بعد 3 أيام.
صفقة الحرية
متى علمتم بصفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال؟ وكيف كانت اللحظات الأخيرة التي سبقت الحرية؟
كُنا معزولين عن العالم، وفي النادر تأتينا بعض الأخبار من بعض المحامين، فعرفنا قبل أيام من خروجنا أنه سيتم وقف إطلاق النار، ويوم الخميس 16 كانون الثاني/ يناير، تلقينا خبرا بأنه تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وأن الصفقة ممكن تصير في الأسبوع القادم، بس متى وكيف.. هذا ما أحد يعرف.. يوم الأحد 19 كانون الثاني/ يناير، كانت إحدى الأسيرات لديها محكمة، فذهبت إلى المحكمة حوالي الساعة 11 صباحاً، وأخبرها المحامي أن الصفقة راح تصير اليوم وأن اسمها واسمي في قوائم من سيتم إخراجهم، وعندما رجعت إلى القسم كانت تنادي: خالتي أم غسان اليوم الصفقة بدها تصير، ففرحت الأسيرات وضجّ القسم بالفرح والانبساط، وتعرضت الفتاة التي بشرتنا بالإفراج للعقاب.
بعد ذلك أحضروا قوائم الإفراج واستثنوا 12 اسما وكنت أنا وتحرير جابر من بين المستثنيات، فأنا ناديت على مدير القسم وسألته ليش استثنوا اسمي واسم تحرير، فقال ما بعرف، ثم غاب لحوالي ساعة قبل أن يعود ويقول: عبلة وتحرير حضروا حالكم، قلت له إحنا جاهزين من الصبح، فقيدوا أيدينا بالكلبشات وغطوا عيوننا وأخذونا بسرعة، وتبقى وراءنا في سجن الدامون 10 أسيرات (3 من غزة، إحداهن عمرها 71 سنة، وأسيرتان محكومتان من عرب 48، و5 من الضفة الغربية لم يمض على مجيئهن إلى السجن أسبوعان أو ثلاثة).
أخذونا وطلعونا بسرعة، وكانت الحافلات (البوسطات) التي ستنقلنا إلى سجن عوفر، لازالت تنتظر في باحة السجن.. بعد ذلك انطلقت البوسطات في حوالي الساعة الخامسة والنصف مساءً، وهذه البوسطات عبارة عن زنازين متحركة ليس فيها تهوية، حتى إن إحدى الأسيرات أُغمى عليها داخل البوسطة، وكنا ندق عليهم ونقول لهم اعطونا هواء لأنه في أسيرة تموت، ولكنهم رفضوا.
ووصلنا سجن عوفر الساعة السابعة والنصف، وهناك وجدنا أعدادا كبيرة من الجنود الإسرائيليين ينتظروننا، وقاموا بإنزالنا من البوسطات بعنف ووحشية ونحن مكلبشو الأيدي والأرجل، فكانوا يجروننا من الكلبشات ويلقون بنا على الأرض والكلاب حولنا، يعني رعب وإرهاب نفسي لا مثيل له، بعد ذلك وضعونا في منطقة محاطة بالسياج وأجلسونا على الأحجار في البرد لحوالي 3 ساعات كانوا خلالها يأخذون الأسيرات واحدة واحدة للتحقيق معنا من قبل المخابرات، وفي الحقيقة لم يكن تحقيقا وإنما تهديدنا: «إذا بتعملوا أي شيء أو تنشطوا أو تحكوا مع الصحافة بنرجع نعتقلكم»، وبعد الـ3 ساعات أخذونا إلى منطقة أخرى في نفس سجن عوفر، وكانوا يدفشونا دفش في الطلوع إلى البوسطات والنزول منها، وكله إذلال، وممنوع أحد يرفع رأسه، لازم توطي رأسك وتحني ظهرك وأنت ماشي، ويجروك جر، يعني تعاملوا معنا وكأننا حيوانات.. وآخر مرحلة وضعونا بغرف صغيرة حتى جاء مندوبو الصليب الأحمر لاستلامنا. بعد ذلك، وأيضاً بإذلال، أخذونا إلى عند باصات الصليب الأحمر، وهناك لم أجد اسمي في قوائم الصليب، فرفضوا يطلعوني الباص وحطوني على جنب، حتى طلعت على الباص آخر واحدة من الأسيرات، ثم أحضر مندوبو الصليب القوائم الصحيحة ووجدوا اسمي آخر اسم في القائمة، فطلعنا بالباص وجلسنا تقريباً ساعتين في انتظار توجيه الباصات بالسير، تحيط بها السيارات العسكرية الإسرائيلية حتى مدينة بيتونيا غرب مدينة رام الله وتم إنزالنا بين الناس والجماهير، ووصلت البيت الساعة الثالثة فجراً.
شعور الحرية
كيف كان شعور الحرية بعد أربعة أشهر من الاعتقال؟
ليست أول مرة أتعرض فيها للاعتقال، هذا هو الاعتقال الثالث، لكنه الأصعب، تستطيع القول إنه انبعثنا من القبور وانتقلنا من الموت إلى الحياة.. كنا مدفونين بالحياة.. هذه المرة كانت ظروف الاعتقال أصعب ما يكون على كل الأصعدة، الطعام رديء جداً وكمية قليلة لا تكفي لطفل، والعلاج غير موجود، فإذا مرضت وطلبت أن تذهب إلى العيادة، ما بيأخذوك، وفي حال أخذوك حتى الطبيبة في العيادة هي عبارة عن محقق وهي في الأساس سجانة، فتقول لك اشرب ماء أنت كذاب مافيش فيك أي شي.. كان في أسيرة مشلولة تقريبا وعندها مشكلة في الأمعاء فقالت لها أنتِ كذابة بتمثلي تمثيل. بالإضافة إلى هذا التعامل السيئ هناك أيضاً القمع باستمرار وانتهاك حرمة السجينات من خلال مداهمة الغرف منتصف الليل والأسيرات نائمات والقيام بتفتيشهن وهن عاريات، إضافة إلى العبث بمحتويات الغرف، وسحب الفرش واللحافات ومصادرة أدوات الأكل وغيرها، فكان الرعب والخوف مخيم على القسم باستمرار.
الفضل للمقاومة
ماذا لو لم تنجح المقاومة في إجبار العدو على الجلوس على الطاولة وتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى؟
كان الأسرى سيقضون بقية أعمارهم في سجون الاحتلال، حتى هذا الاعتقال الإداري هو أيضاً صعب جداً، فعندما تكون متأملا أنك ستخرج بعد ستة أشهر تجدهم فجأة يجددون الاعتقال لستة أشهر أخرى، وهذا أصعب ما يمكن، حتى القضية أو إذا في حكم ضدك بتعرف أن الحكم كذا سنة وأنك ستقضيها وتخرج، بس الإداري صعب جداً حيث تشعر بالأمل في الخروج وبعدين ينقطع الأمل مع تجديد الحبس وهكذا.. الحياة في السجن صعبة جداً على الأسرى، ممكن الأسيرات وضعهن أهون من الأسرى الذكور الذين يتعرضون للضرب في الصباح والمساء واستمرار القمع عليهم، يعني الحياة صعبة جداً وكان الأمل الوحيد في المقاومة وأن تنجح صفقة التبادل وينال الأسرى حريتهم..
لذلك فالفضل بعد الله سبحانه وتعالى يعود للمقاومة وصمود أبناء غزة.
استشهاد السيد نصر الله
بخلاف الأخبار القليلة التي كانت تصلكم عن صفقة تبادل الأسرى، هل كانت تردكم أنباء المعارك في غزة ولبنان؟
حقيقة لم نكن نعرف ما الذي يصير في غزة أو لبنان أو في العالم كله، وكانت المرة الوحيدة التي عرفنا فيها خبر استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله.
كيف عرفتم بذلك؟
إدارة السجن أخبرتنا بذلك حتى يقهرونا، لكننا لم نعرف تفاصيل الاغتيال أو أي شيء عن الحرب على لبنان، ثم سرب لنا بعض المحامين القليل من المعلومات.
كيف كان شعوركم لحظة سماع نبأ اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله؟
كان شعور صعبا يا رفيق، صعب كثير، يعني شعرنا بانكسار، وطبعاً هي الحرب متوقع فيها كل شيء، لكن التضحيات كانت كبيرة وكان متوقعا استشهاد أي من القادة الذين نذروا أنفسهم لهذا الطريق، ولكن كان استشهاد السيد حسن خسارة، للمقاومة والقضية الفلسطينية وكل الأمة العربية.
القائد سعدات
هل لديكم معلومات إن كان اسم القائد أحمد سعدات، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ضمن الأسرى المقرر الإفراج عنهم في هذه الصفقة؟
والله سألنا وبلغونا أنه في المرحلة الثانية من هذه الصفقة سيتم طرح اسمه، ونحن متأملين خير وإن شاء الله يتحرروا بقية الأسرى كلهم.
وهل سيبقونه داخل الوطن؟
لغاية الآن هذا الأمر غير معروف، والمهم لدينا أنه يتحرر سواء يبقى داخل الوطن أو خارجه.
متى آخر مرة تواصلتم بالقائد سعدات؟
آخر مرة زاره المحامي في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، طبعاً منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، انقطعت الاتصالات والزيارات، وكان المحامي يزوره بشكل متقطع، ومؤخراً طمأننا عليه بعض الشباب الأسرى الذين تحرروا معنا وأخبرني أحد الشباب أنه كان معه في نفس الغرفة، وقال لي إن أبو غسان صحته جيدة، وهو الذي يرفع المعنويات لدى كل السجناء.
الوطن أغلى
كلمة أخيرة ترغبين بأن نختتم بها اللقاء؟
نحن كشعب فلسطيني ضحينا وصبرنا كثيراً ونحن مؤمنون بأن هذا قدرنا وأن الحرية عندنا والأرض هما أغلى ما يكون ومن أجل القضية الفلسطينية ومن أجل فلسطين تهون كل التضحيات.
تهديد
ملاحظة: خلال سؤال المناضلة عبلة سعدات عن رأيها في أداء الجبهة اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني، اعتذرت عن الإجابة كون الاحتلال اشترط على جميع الأسرى عدم الخوض في السياسة أو الحديث عن أي شيء له علاقة بالجبهات اليمنية واللبنانية وغيرها.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا