دمشق/ خاص  / لا ميديا -
تمادى الكيان الصهيوني في مواقفه العدوانية تجاه سورية، وذهب رئيس وزراء حكومته، بنيامين نتنياهو، إلى درجة القول بأن جنوب دمشق، وهي المنطقة الممتدة من دمشق عبر ريفها ودرعا والسويداء والقنيطرة وصولاً إلى الحدود مع الجولان وفلسطين المحتلة، منطقة أمنية «إسرائيلية» ممنوع أن يتواجد فيها أي عنصر أمني تابع لسلطة الجولاني الجديدة في دمشق أو جيشها الجديد المتوقع تشكيله.
هذا القول يعني في العلوم العسكرية أن دمشق تعتبر «ساقطة عسكرياً»، وأن الطريق إليها ستكون مفتوحة أمام القوات «الإسرائيلية» في اللحظة التي تقررها حكومة الاحتلال.
سبق هذا الموقف «الإسرائيلي» توسع قوات الاحتلال في المناطق الاستراتيجية، في تلال جبال حرمون، وما تبقى من الجولان السوري المحتل والقنيطرة، وتثبيت نقاط دائمة لها في هذه المناطق.
الموقف «الإسرائيلي» الخطير تجاه سورية لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء بفعل التغيير الذي حصل في سورية مع سقوط نظام حكم الرئيس بشار الأسد، وتسريح الجيش السوري، والتدمير الممنهج وشبه الكامل للقوة العسكرية التي كان يمتلكها.
كما جاء بعد التداعيات الكبيرة التي حدثت بعد «طوفان الأقصى»، في الميدانين الفلسطيني واللبناني، وخروج إيران من سورية، وقطع خط التواصل الذي كان يؤمّن شريان الحياة لفصائل المقاومة عبر خط طهران بغداد دمشق بيروت.
أيضاً لا يمكن فصل هذه التطورات عن المخطط الذي أصبح معلناً لتهجير سكان قطاع غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن، وحتى السعودية وسورية.
كما لا يمكن فصله عن التصريحات والمواقف التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن مساحة «إسرائيل» صغيرة، وهي تحتاج لأن تكون أكبر، وهذا يعني جاهزية الموقف الأمريكي لتغطية أي خطوة «إسرائيلية» لضم المساحات الجديدة التي سيطرت عليها في الجولان أو في أي مكان آخر.
الملفت للانتباه أن ما تقوم به سلطات الاحتلال، رغم خطورته، يجري وسط صمت من سلطات الجولاني، التي امتنعت حتى عن مجرد إصدار بيان حوله، واكتفت ببعض الكلمات من وزير خارجيتها عن مخالفة ما تقوم به سلطات الاحتلال للقانون الدولي.
هذا الواقع يثير سؤالاً مشروعاً عما إذا كانت سلطات الاحتلال قد تقرر في لحظة معينة أن تسيّر قواتها لاحتلال دمشق، وهي التي أصبحت قادرة على تحقيق ذلك، من الناحية العسكرية، أو ما إذا كانت ستستغل هذا الواقع المستجد في الصراع العربي - «الإسرائيلي» لفرض وقائع سياسية وعسكرية جديدة، في سورية والمنطقة.
الإجابة على هذا التساؤل ليست بهذه البساطة؛ لأن مثل هذه الخطوة ستكون تداعياتها خطيرة على معادلة الصراع، وعلى الرأي العام العربي والدولي. كما أن حكومة الاحتلال لاتزال عاجزة حتى الآن عن حسم الصراع مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وجبهة الإسناد اليمنية لاتزال مفتوحة، وتأثير مثل هذه الخطوة سيكون كبيراً على معادلات توازن القوى الإقليمية والدولية، ومرتبطاً مع كافة نقاط الاشتباك والميادين المفتوحة، سواء في أوكرانيا أو الصراع الأمريكي الصيني، ما يجعل هذه الخطوة مستبعدة.
لكن المؤكد أيضاً أن سلطات الاحتلال لن تترك هذه الفرصة دون أن تستغلها لفرض مخططاتها وأهدافها، وهذا يفتح الأبواب أمام توقع خطوات سياسية وعسكرية عديدة، ستلجأ إليها خلال الفترة المقبلة، وأهمها استمرار قضم الأراضي والمواقع الاستراتيجية الهامة، في منطقة الجولان والجنوب السوري، والتمركز فيها عسكرياً.
كما ستعمل على منع تواجد أي قوة عسكرية في المنطقة الممتدة، بين الجولان السوري المحتل ودمشق، في حال إعادة بناء الجيش السوري، ومنع قيام مقاومة سورية، وإمكانية ربطها مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
أما الخطوة الأهم المتوقعة في هذا الواقع السياسي والعسكري المستجد، وهي محاولة ضم سورية إلى مسار التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، خاصة وأن التطورات الجديدة تؤكد أن مسار التطبيع سيتسارع، خاصة مع تكريس السعودية كقوة إقليمية رئيسية في المنطقة، وهذا ما أكده اختيارها كمقر للقمة الأمريكية - الروسية المقبلة، والتي يشبهها المراقبون بقمة يالطا، التي عقدت بعد الحرب العالمية الثانية وكرست التوازنات الإقليمية والدولية الناتجة عن تداعيات تلك الحرب.
ومن المؤكد أن حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» ستستغل الواقع الجديد لدفع أي سلطة تكون في دمشق للدخول في مسار التطبيع العربي، والضغط عليها لتوقيع اتفاقات معها، على غرار «كامب ديفيد» و»أوسلو» و»وادي عربة»، وبما يجعل سورية تحت الهيمنة «الإسرائيلية» - الأمريكية.
كما من غير المستبعد أن تلجأ حكومة الاحتلال للسير بمشروع تقسيم سورية، وهو السيناريو الموجود في خرائط ما يسمى «مشروع الشرق الأوسط الجديد».
وهناك احتمال لتنفيذ مخطط يجري الحديث عنه قبل التغيير الذي جرى في سورية، بإقامة كوريدور يربط بين الجولان السوري المحتل ومناطق جنوب سورية، عبر قاعدة التنف الأمريكية، عند مثلث الحدود السورية مع الأردن والعراق، وصولاً إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية «قسد» في شمال شرق سورية، بحيث تسيطر المجموعات التي ستتواجد في تلك المنطقة على الحدود السورية مع كل من فلسطين المحتلة والأردن والعراق وصولاً إلى الحدود التركية.
هذه التطورات الدراماتيكية في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، تثير التساؤل المهم: هل حُسِمَ الصراع العربي - «الإسرائيلي» في المنطقة لصالح المشروع الصهيوني؟
بالتأكيد إن الإجابة على هذا السؤال ليست بهذه السهولة، لأن الكيان الصهيوني خرج من المواجهة، بعد تداعيات «طوفان الأقصى»، وهو مزعزع الأركان، وليس من السهل تنفيذ مخططاته في فلسطين المحتلة والمنطقة.
كما أن المقاومة في فلسطين المحتلة ولبنان لم تنهزم، ولم ترفع راية الاستسلام كما يحاولون تصويرها، وهو ما أكده التشييع المهيب لشهيد المقاومة اللبنانية، السيد حسن نصر الله. كما أن جبهة الإسناد اليمنية لاتزال موجودة وتزداد قوة، وإضافة إلى ذلك فإن سورية والأمة تمتلك عوامل قوة كامنة لا يمكن تجاهلها في معادلة الصراع.
هذا يؤكد أن الصراع لا يزال مستمراً، وهو مرشح ليأخذ تطورات ومسارات متعددة تجعله مفتوحاً على كل الاحتمالات. وإن غداً لناظره قريب.