تقرير: عادل عبده بشر / لا ميديا -
استيقظت المنطقة، أمس، على مرحلة جديدة في المواجهات الدائرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، تمثلت بدخول الولايات المتحدة على خط المواجهة مباشرة، عبر تنفيذ هجوم ضد منشآت فوردو ونطنز وأصفهان التي تمثل عصب البرنامج النووي الإيراني.
وفيما دفع هذا الهجوم بالإدارتين الأمريكية و»الإسرائيلية» وخلفهما طابور طويل من المعلقين السياسيين والعسكريين إلى التباهي والتفاخر بما حدث، وكانت النشوة عارمة حدّ إعلان الرئيس دونالد ترامب القضاء على طموحات إيران النووية تماماً، واصفاً الهجمات بأنها «لحظة تاريخية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل»، إلا أن هذه النشوة سرعان ما تبددت وبدأت الإدارة الأمريكية تُدرك هشاشة موقفها مع إعلان طهران بتعرض المنشآت النووية المستهدفة لأضرار طفيفة، مؤكدة أن البنية الأساسية لهذه المنشآت لاتزال آمنة، وأن جميع المواد المخصبة نُقلت سابقاً إلى أماكن آمنة، مما أضفى مزيدًا من الغموض على طبيعة وحدود الضربات، وأثار مخاوف إقليمية ودولية من توسع رقعة الصراع واتجاه إلى الرد الانتقامي المحتمل لإيران، خصوصاً ولدى الأخيرة أوراق ضغط كبيرة تُمثل عناصر قوة للجمهورية الإسلامية.
وأعلن الرئيس الأمريكي ترامب، فجر أمس الأحد، أن الولايات المتحدة شنّت هجمات جوية وصفها بـ»الناجحة» على ثلاثة من المواقع النووية الإيرانية الرئيسية في فوردو ونطنز وأصفهان، باستخدام قاذفات «B-2» وصواريخ «توماهوك» أُطلقت من غواصات. وادّعى أن «المنشآت دُمّرت بالكامل»، متوعدًا بأن «أي رد إيراني سيُقابل بقوة أعظم».
وقال ترامب إن «العملية نُفّذت بتنسيق مع إسرائيل»، مضيفًا: «عملنا كفريق»، داعيا إيران إلى العودة للمفاوضات وحذرها من الرد، معتبرا أن «الآن وقت السلام»؛ من جانبه، قال رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إن الضربة الأمريكية «غيّرت مجرى التاريخ»، مشددا على أنها جاءت تنفيذًا لوعده «بتدمير المشروع النووي الإيراني».
وبخلاف تصريحات ترامب، رفض نائبه جاي دي فانس في مقابلة مع شبكة «NBC News» الأمريكية، تأكيد ما إذا أدى العداون الذي شنّته الولايات المتحدة على المواقع النووية الإيرانية في كلّ من فوردو ونطنز وأصفهان إلى تدميرها «بالكامل»، زاعماً أنّ واشنطن «أخّرت بشكل كبير قدرة طهران على تطوير سلاح نووي».
ولاحقاً كشفت القيادة العسكرية الأمريكية عن تفاصيل عدوانها الجوي ضد منشآت نووية إيرانية، تحت مسمّى عملية «مطرقة منتصف الليل».
وأعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية في مؤتمر صحافي أنّ العملية استخدم فيها 125 طائرة حربية و14 صاروخاً خارقاً للتحصينات وقرابة 75 سلاحاً موجّهاً بدقة.
وأكّد أنّ «أساليب خداع متعدّدة» استُخدمت ضد إيران أثناء التحرّك لتنفيذ الضربات.
في المقابل، أكدت السلطات الإيرانية استهداف المنشآت الثلاث، لكنها نفت وقوع أضرار كبيرة، مشيرة إلى أنها كانت «مفرغة من المواد الحساسة» ولم تحقق الضربة أي نتائج ذات قيمة استراتيجية. ووصفت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الهجوم بأنه «انتهاك همجي للقانون الدولي»، مشددة على أن «المعرفة العلمية لا يمكن قصفها»، وأن برنامجها النووي لن يتوقف وسيستمر بقوة رغم مؤامرات الأعداء».
وأكد التلفزيون الإيراني، أن منشأة فوردو النووية تعرضت لقصف جوي، فيما أورد أن المنشآت النووية الثلاث المذكورة أخليت منذ فترة، ولفت إلى أن كل مواطن أو عسكري أمريكي في المنطقة أصبح هدفا مشروعا الآن.
ويرى مراقبون بأن هـــــــــذه التصريحات تعكس مستــــوى الجاهزية العاليــــة لدى إيران، إذ كانت تتوقع سيناريوهات مماثلة، وقامت مسبقًا بنقل اليورانيوم المخصّب والأجهزة الحساسة إلى مواقع آمنة. وحتى في حال تعرضت بعض المنشآت للتدمير، فإن العلماء الإيرانيين يمتلكون القدرة على إعادة تصنيع المعدات من جديد، بما يضمن استمرارية البرنامج دون توقف.

توعد إيراني
وقد أدان الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بشدّة الهجوم الأمريكي، مؤكّدًا أن «هذا العدوان كشف أن الولايات المتحدة هي المحرك الرئيسي للأعمال العدائية التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية».
وأضاف بزشكيان: «على الرغم من محاولات واشنطن في البداية إنكار دورها، فإنها اضطرت إلى التدخل المباشر بعد الرد الحاسم والرادع من قواتنا المسلحة، 

ومشاهدة العجــز الواضح للكيان الصهيوني».
من جهته قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن أمريكا والعدو «الإسرائيلي تجاوزا خطاً أحمر كبيراً بمهاجمة المنشآت النووية»، مشيرا إلى صعوبة العودة للمفاوضات، ودعا لجلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي بهذا الشأن.
وندد عراقجي، خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول، بالعدوان الأمريكي العسكري الشرس على منشآت طهران النووية، مؤكداً أن الإدارة الأمريكية «مسؤولة بشكل كامل عن التداعيات الخطيرة للعدوان».
وقال إن «الصمت في وجه الأعمال العدائية سيوصل العالم إلى مرحلة خطيرة»، مشيراً إلى أن «إيران تحت الهجوم من قبل قوة عظمى نووية ونظام مسلح بأسلحة نووية ويجب التنديد بذلك».
وتابع: «المنشآت التي استهدفت بأصفهان لا مواد نووية فيها أو يورانيوم منخفض التخصيب».
وأكد عراقجي على حق بلاده في الدفاع عن النفس بموجب الميثاق الأممي، لافتاً إلى أن طهران تحتفظ لنفسها بخيارات للرد على الهجوم الأمريكي.
وقال «تعرضنا للهجوم وعلينا الرد وفق حقنا المشروع بالدفاع عن النفس».
وأوضح «هناك عدد متنوع من الخيارات أمامنا للرد على الهجوم الأمريكي ولن أفصل أكثر».
وتابع «لن نساوم أبدا على سيادة واستقلال أراضينا وشعبنا، وسنواصل الدفاع عن شعبنا وسلامة أراضينا وحقوقنا».

عجز استراتيجي
وأعلن الحرس الثوري الإيراني في بيان له أمس أن «النظام الإجرامي الأمريكي ارتكب بالتنسيق الكامل مع الكيان الصهيوني، عدوانًا عسكريًا غير قانوني على المنشآت النووية السلمية الإيرانية»، مشيراً إلى أن ذلك «يُعد جريمة واضحة وغير مسبوقة تنتهك بشكل صارخ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، ومعاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، والمبادئ الأساسية لاحترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي».
وأوضح البيان أنه «منذ اللحظات الأولى للعملية الصهيونية، كان واضحًا للقوات المسلحة الإيرانية أن الدعم والمشاركة الأمريكية الشاملة كان لها دور فعّال في التخطيط والتنفيذ لهذا العدوان. وقد أثبت هذا الفعل مرة أخرى عجز جبهة المعتدين عن إحداث تغيير حقيقي في المعادلات الميدانية؛ فهم لا يمتلكون القدرة على المبادرة، ولا يملكون وسيلة للهروب من الردود المدمّرة».
ولفت بيان الحرس إلى أن «تكرار الحماقات الفاشلة من قبل أمريكا يعكس عجزها الاستراتيجي وتجاهلها للحقائق الميدانية في المنطقة»، مضيفاً أنه «بدلًا من أن تتعظ من إخفاقاتها المتكررة، وضعت واشنطن نفسها في خط المواجهة الأمامي عبر هجوم مباشر على منشآت سلمية».
وتابع البيان أنه «بفضل الله، ومع الإشراف الاستخباراتي الشامل للقوات المسلحة الإيرانية، تم تحديد أماكن إقلاع الطائرات المشاركة في هذا العدوان، وهي الآن تحت المراقبة».
وأضاف «كما أعلنا مرارًا، فإن عدد القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، وتوزيعها، واتساعها، لا يُعدّ نقطة قوة، بل يزيد من هشاشتها وضعفها»، مؤكداً أن «التكنولوجيا النووية الإيرانية السلمية والمحلية، لن تُمحى بأي هجوم، بل إن هذا العدوان سيزيد من عزيمة العلماء الشباب والمخلصين في إيران على التقدم والتطور».
كما أكد البيان أن هذا العدوان «يدفع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وضمن حقها المشروع في الدفاع عن النفس، إلى استخدام خيارات تتجاوز حسابات جبهة العدوان الواهمة، وعلى المعتدين أن يترقبوا ردودًا مؤلمة وندمًا كبيرًا».

إغلاق هرمز والانسحاب 
من معاهدة حظر الانتشار النووي
إلى ذلك أوصى مجلس الشورى الإيراني، أمس بإغلاق مضيق هرمز، رداً على العدوان الأمريكي الأخير ضد منشآت البلاد النووية، لكنه أشار إلى أن القرار النهائي بهذا الشأن يعود للمجلس الأعلى للأمن القومي.
وأشار عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، إسماعيل كوثري إلى أن الإجراءات اللازمة لحماية المنشآت النووية قد اتُخذت مسبقاً، نافياً ما وصفه بالادعاءات حول تدمير برنامج إيران النووي، ومشدداً على أن لدى إيران معلومات دقيقة تؤكد بطلان هذه المزاعم.
وقال كوثري، إن الجهات المعنية تدرس الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، في سياق الردّ على العدوان الذي استهدف المنشآت النووية.
كما أكّد إسماعيل كوثري أن «قواتنا المسلحة ستواصل الهجمات على الكيان الإسرائيلي»، مضيفاً أنّه لن تكون القواعد الأمريكية في المنطقة آمنة بأي شكل من الأشكال، وسيكون ضربها أسهل بكثير من ضرب الكيان الإسرائيلي.
ولفت إلى أنّ إغلاق مضيق هرمز مطروح في جدول الأعمال، مشدداً: «سنفعلها بالتأكيد إذا ما دعت الحاجة».

تزويد إيران بالذخائر النووية
وفي إطار الردود الخارجية المستنكرة للعدوان الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، أكد رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، أن بعض الدول مستعدة لتقديم ذخائرها النووية لطهران بعد الضربة الأمريكية على المنشآت الإيرانية، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي جاء إلى السلطة كرئيس صانع للسلام، بدأ حربا جديدة بالنسبة للولايات المتحدة.
وتساءل ميدفيديف على قناته على «تلغرم»: «ماذا حقق الأمريكيون بضربتهم الليلية على ثلاث نقاط في إيران؟».
وقال: «يبدو أن البنية التحتية الحيوية للدورة النووية لم تتضرر، أو تضررت بشكل طفيف فقط. التخصيب النووي، ويمكننا الآن القول بشكل مباشر والإنتاج المستقبلي للأسلحة النووية سيستمر».
وأكد ميدفيديف أن «عددا من الدول مستعدة لتزويد إيران بأسلحتها النووية بشكل مباشر».
وأشار إلى أن «إسرائيل تتعرض للهجوم، وانفجارات مدوية، والناس في حالة من الذعر»، مؤكدا أن «الولايات المتحدة تجد نفسها متورطة في صراع جديد مع احتمال القيام بعملية برية».
ووفقا له فإن «النظام السياسي الإيراني محفوظ، ومن المرجح جدًا أنه أصبح أقوى»، وأوضح أن «الشعب يلتف حول القيادة الروحية، وحتى تلك التي لم تكن متعاطفة معه».

«خيبر» يفتتح صباح حيفا و»تل أبيب» بالانفجارات والركام
وما إن أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن الضربة الأمريكية لمنشأة فوردو النووية الإيرانية «ستغير التاريخ»، حتى دوّت صفارات الإنذار في عموم الأراضي المحتلة بفعل ضربة صاروخية عنيفة، تصدّرها صاروخ «خيبر شكن»، في أول استخدام له داخل العمق الصهيوني.
وأعلن الحرس الثوري الإيراني، أمس إطلاق الموجة العشرين من الرد على العدوان «الإسرائيلي» ضمن عملية «الوعد الصادق3»، كاشفاً عن استخدامه صاروخ «خيبر شكن» الباليستي من الجيل الثالث المزود برؤوس حربية متعددة.
وقال الحرس الثوري إن هذه الموجة تمت بـ40 صاروخاً من نوعي الوقود الصلب والسائل، واستهدفت مطار «بن غوريون»، ومركز الأبحاث البيولوجية، إضافة إلى مراكز للقيادة والسيطرة، في حين تفرض السلطات الصهيونية رقابة مشددة على نشر الصور والمعلومات المتعلقة بالمواقع الدقيقة التي تصيبها الصواريخ الإيرانية.
وأكد أن «الأقسام الرئيسية من قدرات القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تُفعّل بعد في هذا الدفاع المقدس».
«كل شيء اهتز بلحظة»
ويبدو أن الموجة الصاروخية الأخيرة اتبعت تكتيكات جديدة ومفاجئة، مما تسبب في دمار واسع بعدة مواقع داخل كيان الاحتلال، مما دفع «الجيش الإسرائيلي» إلى فتح تحقيق حول انخفاض نسبة نجاح أنظمة الاعتراض.
ففي «تل أبيب» و»رمات غان» و»نيس تسيونا» وحيفا، تحوّلت العديد من المباني إلى ركام، وارتفعت أعمدة الدخان في السماء، وانتشرت السيارات المحترقة في الطرقات، في وقت أسفر فيه الهجوم عن إصابة 27 شخصا، بينهم مصابان في حالة حرجة.
ووصف أحد المستوطنين لصحيفة «هآرتس» العبرية اللحظات الأولى لما شهده صباح أمس، قائلا إن «كل شيء اهتز دفعة واحدة»، ثم انقطع التيار الكهربائي، ففرّ إلى الملجأ حيث احتمى مع الجيران.
وتناقلت منصات صهيونية مشاهد فيديو لمواقع سقوط الصواريخ الإيرانية في الأراضي المحتلة، وأظهرت تلك المشاهد حجم الدمار الهائل الذي تسببت به الصواريخ في المنشآت والمباني الصهيونية.