دمشق/ خاص / لا ميديا -
يبدو أن العلاقات السورية - «الإسرائيلية»، دخلت مرحلة متقدمة، انتقلت فيها من القنوات غير المباشرة إلى التواصل المباشر دون وسطاء، ولم يبق أمامها سوى إعلانها رسمياً، والدخول فيها بشكل علني ومباشر.
هذه التأكيدات خرجت بدورها من المستوى الإعلامي، والتقارير والأخبار المسربة، ليتم الإعلان عنها من مسؤولين «إسرائيليين» وأمريكيين كبار، ويبدو أن تأكيدها بشكل رسمي من السلطات السورية بات غير بعيد.
أبرز هذه التصريحات ما ورد على لسان رئيس «مجلس الأمن القومي الإسرائيلي»، تساحي هنغبي، الذي أكد وجود اتصالات مباشرة ومستمرة بين «إسرائيل» والحكومة السورية. وقال في تصريحات أدلى بها خلال جلسة سرية للجنة الخارجية والدفاع في «الكنيست الإسرائيلي»، سربتها صحيفة «إسرائيل هيوم»، إنه «يشرف شخصياً على التنسيق الأمني والسياسي مع دمشق».
وأوضح هنغبي أن «الحوار مع سورية لم يعد مقتصراً على قنوات خلفية أو وسطاء، بل أصبح تواصلاً مباشراً ويومياً، يشمل مختلف المستويات الحكومية. وهناك مصالح مشتركة كثيرة بيننا».
كما أكد هذه الاتصالات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية، توماس باراك، الذي قال في مقابلة مع قناة «الجزيرة» القطرية: «إن الإدارة السورية الحالية تُجري محادثات بهدوء مع إسرائيل حول كل القضايا». وأكد أن حكومة الشرع لا تريد الحرب مع «إسرائيل»، داعياً إلى «إعطاء فرصة للإدارة السورية الجديدة».
وفي الجانب السوري، الذي يحاول حالياً الابتعاد عن التأكيد الرسمي لهذه العلاقات، كان رئيس السلطة الانتقالية، أحمد الشرع، قد أكد وجود محادثات غير مباشرة مع «إسرائيل» تهدف إلى تهدئة التوتر، وأن الإمارات تتوسط في مثل هذه المحادثات. لكن ما تتناقله وكالات الأنباء يقول بأن الاتصالات بين الجانبين تجاوزت هذه المرحلة بكثير.
وتفيد المعلومات بأن الجانب السوري في هذه المفاوضات يترأسه العميد أحمد الدالاتي، الذي يتولى حالياً قيادة الأمن الداخلي بمحافظة السويداء، وكان سابقاً محافظ القنيطرة، منذ وصول «هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)» وقائدها «أحمد الشرع» (أبو محمد الجولاني) إلى الحكم في دمشق؛ لكنه ترك هذا المنصب بعد توغل القوات «الإسرائيلية» في المنطقة المحررة من الجولان، والسيطرة حتى على مبنى المحافظة، ولم يتم تعيين محافظ آخر مكانه.

ويتضح في تصريحات الدالاتي لقناة «الإخبارية» السورية أنها موجهة للرأي العام الداخلي؛ إذ نفى فيها مشاركته في أي جلسات تفاوضية مباشرة مع الجانب «الإسرائيلي»، مؤكداً أن «هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر إلى الدقة والمصداقية».
لكن وكالة «رويترز» نقلت عن خمسة مصادر مطلعة قولها إن سورية و«إسرائيل» على اتصال مباشر، وأجرتا في الأسابيع القليلة الماضية لقاءات وجهاً لوجه، وهو ما أكدته تصريحات هنغبي وباراك.
المصادر السورية و«الإسرائيلية» تقول -وفق «رويترز»- إن اللقاءات المباشرة تهدف إلى تهدئة التوتر، والحيلولة دون اندلاع صراع على الحدود، فيما أوضح أحد المصادر أن «هذه المحادثات، تتعلق حالياً بالسلام... وليس بالتطبيع»، في حين أكد مصدران أن هذه المحادثات قد تمهد لاحقاً لاتفاقات أوسع ذات طابع سياسي.
وفي تطور جديد، كان من المحرمات سابقاً، نقلت «القناة 12» العبرية عن مصدر سوري قوله بأن «هناك توجّهاً نحو التوصّل إلى اتفاق سلام بين سورية وإسرائيل، قبل نهاية العام الجاري».

كما نقلت قناة (24 News) عن مصادر 
سورية مطلعة قولها: «بموجب الاتفاق، من المتوقع أن تنسحب إسرائيل تدريجياً من جميع الأراضي السورية التي سيطرت عليها بعد غزو المنطقة العازلة، بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بما في ذلك قمة جبل الشيخ».
ومن اللافت، وفق المصادر السورية، أن تركز المفاوضات على الأراضي السورية التي استولى عليها الكيان الصهيوني بعد سقوط نظام بشار الأسد، وليس على الأراضي السورية التي تحتلها «إسرائيل» في الجولان منذ العام 1967، وقول هذه المصادر بأن الاتفاق يهدف إلى تحويل منطقة الجولان إلى حديقة للسلام.
وفي خطوة أبعد من ذلك، واضح جداً من تسارع العلاقات «الإسرائيلية» - السورية، منذ التغيير الدراماتيكي في سورية ولقاء الشرع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن ما يجري هو أبعد حتى من توقيع اتفاقيات سلام، والتطبيع بين الجانبين، ليكون خطوات على طريق محاولة تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وفق الرؤية الترامبية، والقائمة على التطبيع بين الكيان «الإسرائيلي» وسورية والدول العربية، والدخول في «الاتفاق الإبراهيمي»، وتتضمن الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وفق هذه الرؤية، إقامة منطقة كونفدراليات تقوم على التنمية والتعاون الاقتصادي، وتقودها «إسرائيل».
ويشكل دخول سورية في هذا المسار تطوراً نوعياً، نظراً لاعتبارها بوصلة القضايا العربية، والتي يتم التعبير عنها بعبارة «سورية قلب العروبية النابض»، ودخولها في هذا المسار سيزيل الحرج عن السعودية ويسرّع دخولها في مسار التطبيع و»الاتفاق الإبراهيمي»، كما سيفتح الباب أمام بقية الدول العربية، وفي مقدمتها لبنان والعراق وبقية دول الخليج، للانضواء في هذا المسار.
صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية أكدت ذلك، ونقلت عن مصادر لم تسمّها أن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توصلا خلال مكالمة هاتفية، هذا الأسبوع، إلى تفاهم يقضي بإنهاء سريع للحرب في غزة، مقابل توسيع اتفاقات التطبيع لتشمل دولاً جديدة، على رأسها السعودية وسورية.
من جانبه، أكد المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في مقابلة مع قناة (CNBC) الأمريكية، أن «أحد الأهداف الرئيسية للرئيس ترامب هو توسيع نطاق اتفاقيات أبراهام لتشمل المزيد من الدول، ومنها دول ربما لم يفكر الناس بها حتى».
وبغض النظر عن هذه التطورات وما تحمله من أحلام وأوهام ومشاريع، فثمة درس من التاريخ يؤكد أن هذه المنطقة، التي تعتبر مؤشر صعود وهبوط الامبراطوريات والدول العظمى، شهدت خلال تاريخها الطويل صراعات بين مشاريع ومخططات؛ لكن ليس كل ما يتم التخطيط له ينفذ، ويبقى لشعوب المنطقة، وما تمتلكه من عوامل قوة وطاقات كامنة تدافع بها عن مصالحها وتطلعات شعوبها، رأي آخر، وكثيراً ما أطاحت بمشاريع وأحلام مشابهة. وتبقى الأشهر القليلة المقبلة حافلة بالأحداث، وستجيب على الكثير من الأسئلة المطروحة اليوم، وأجوبتها مفتوحة على كل الاحتمالات.