تقرير- عادل بشر / لا ميديا -
يوماً بعد آخر تثبت العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر وإلى العمق الصهيوني، أنها ليست مجرد رسائل تضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة جماعية في قطاع غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، بل باتت الضربات اليمنية أدوات استراتيجية لصالح المقاومة والشعب الفلسطيني على المسارين العسكري والتفاوضي، لاسيما مع اعتراف «الاحتلال» باستحالة «ردع اليمن» وعدم قدرة الكيان على خوض حرب استنزاف طويلة االمدى مع «جبهة عصية على الخنوع».
وصعدت القوات المسلحة اليمنية من عملياتها ضد الكيان الصهيوني في البحر الأحمر وفي البر الفلسطيني المحتل، خلال اليومين الماضيين، رداً على العدوان «الإسرائيلي» على الموانئ والمنشآت المدنية في مدينة الحديدة، ودعماً لغزة، كاشفة عن منظومة دفاع جوي تصدت بفاعلية لطائرات العدو وتمكنت من إفشال العدوان الذي أطلق عليه الكيان اسم «الرايات السوداء».
وفيما يرى محللون بأن التصعيد اليمني الذي وصفوه بـ»النوعي» جاء في توقيت بالغ الدقة، يتقاطع فيه المسار العسكري مع مفاوضات سياسية حساسة تُجرى في العاصمة القطرية الدوحة، وزيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أقر مسؤولون في حكومة الكيان بأن وقف الهجمات الصاروخية اليمنية لن يحدث إلا بإنهاء الحرب في غزة.
ونقلت صحيفة «هاآرتس» العبرية، أمس، عن مسؤولين «إسرائيليين» القول بأنهم «يأملون أن يُنهي وقف إطلاق النار في غزة أيضًا الهجمات الصاروخية التي يشنها الحوثيون في اليمن».
وذكرت الصحيفة أن حكومة الاحتلال تدرس عدة سيناريوهات محتملة لوقف المواجهة مع القوات المسلحة اليمنية، من بينها التوصل إلى اتفاق سياسي مع حركة حماس أو إيران يتضمّن بشكل صريح أو ضمني وقف إطلاق النار من اليمن، أو استمرار العمليات العسكرية «الإسرائيلية»، وربما انضمام جيوش أخرى ضد صنعاء، بهدف إضعاف قدرتها العسكرية، أو دعم وتشجيع فصائل مرتزقة السعودية والإمارات على التحرك ضد «الحوثيين»، رغم أن الخيار الأخير «يبدو غير واضح الآفاق أو مضمون النتائج» بحسب هاآرتس.
وبحسب الصحيفة العبرية فإن أكثر السيناريوهات واقعية هو التوصّل إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة يزيل السبب الذي من أجله بدأ إطلاق النار من اليمن، مستدلة على ذلك بتأكيد القوات المسلحة اليمنية في بياناتها المختلفة أن الهجمات على «إسرائيل» هدفها إسناد الفلسطينيين وإيقاف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وسبق أن أثبتت صنعاء ذلك بتعليق عملياتها في أثناء صفقات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، عندما أوقف الاحتلال عملياته في القطاع.
وأفادت «هاآرتس» أن «إسرائيل» مع ذلك «تجد صعوبة في تقييم ما إذا كان بالإمكان الاعتماد على حل طويل الأمد مرتبط بوقف العمليات العسكرية في القطاع. وقال مسؤول مطّلع على مداولات المستوى السياسي في هذا الشأن إن الحوثيين أوضحوا أنهم سيتوقفون عن إطلاق النار إذا تحققت غايتهم، وهي وقف الحرب في غزة. لكن لا يمكن الاعتماد على تقديرهم للعواقب». مشيرة إلى أن «إسرائيل»  تخشى أيضاً «أن يُستأنف إطلاق النار من اليمن مستقبلاً في حال وقوع أي تصعيد ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، أو غزة الواقعة اليوم تحت الإبادة، أو حتى على خلفية توترات في المسجد الأقصى».
ويعتقد مسؤولون «إسرائيليون» أن التوصّل إلى تفاهمات مع إيران في إطار الحوار الذي تحاول الولايات المتحدة دفعه قد يُساهم في وقف إطلاق النار من اليمن، لكنهم في ذات الوقت يؤكدون أن «الحوثيين» يعملون بشكل مستقل عن إيران، ومع ذلك، لاتزال هناك شكوك كبيرة في إمكانية صياغة اتفاق يُلزم صنعاء فعلاً أو في معرفة موعد تنفيذه، بحسب الصحيفة.
وحتى يتحقق الأمر، فإن الوسيلة المتاحة أمام دولة الاحتلال، وفق مسؤولين فيها، هي مواصلة الهجمات في اليمن. لكن وفقاً لمصدر هاآرتس، «ليس من المؤكد أن هذا سيفيد». وقدّر المصدر أن «إسرائيل» ستواجه صعوبة في وقف إطلاق النار بهذه الطريقة. وأوضح أنه «يجب التذكير بأن الحوثيين عدو لا ينبغي الاستهانة به. كل المحاولات لإضعافهم على مرّ السنوات لم تنجح في وقف نشاطهم».
وأضاف «هم ليسوا مجرد عدو متخف، إنهم يمتلكون صواريخ متطورة، ويرافق كل إطلاق صواريخ خبراء لتعزيز دقة عملية إطلاق الصواريخ القادمة».
وطبقاً لذات الصحيفة فإن «المسؤولين الإسرائيليين» يؤكدون أن «الهجمات المتواصلة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة اليمنية باتت تشكّل أساساً مصدر إزعاج، وتدرك إسرائيل جيداً المخاطر الأكبر المترتبة على استمرار الهجمات، من بينها مقتل مدنيين، ووقوع أضرار مباشرة في البنى التحتية، وإحجام شركات طيران أجنبية عن الطيران إلى الأراضي المحتلة».
وأمس الأول شنت «إسرائيل» عدواناً على اليمن استهدف ثلاثة موانئ ومحطة كهرباء وسفينة «جالاكسي ليدر» في مدينة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر، وبالتوازي تمكنت قوات صنعاء من التصدي للطائرات المعادية بصواريخ أرض-جو وإفشال المخطط الصهيوني لتنفيذ ضربات واسعة تشمل أهدافاً أخرى في محافظة الحديدة، وكذلك في صنعاء وصعدة، وتبع ذلك شن أوسع هجوم على الاحتلال نفذته القوات المسلحة اليمنية نفذ بـ11 صاروخا بالستيا وطائرة مسيرة وطال موانئ للاحتلال في البحرين الأحمر والمتوسط إضافة إلى مطار «بن غوريون» ومحطة كهرباء رئيسية في عسقلان.
وبالتزامن أعلنت قوات صنعاء إغراق سفينة «ماجيك سيز» التابعة لشركة انتهكت حظر الدخول إلى موانئ فلسطين المحتلة، وذلك بعد استهدافها في البحر الأحمر بزورقين مسيرين، وخمسة صواريخ باليستية ومجنحة، وثلاث طائرات مسيرة، في أعقاب رفض طاقم السفينة الاستجابة لنداءات وتحذيرات القوات البحرية اليمنية.
وبحسب خبراء ومراقبين فإنه ومن زاوية عسكرية، تُظهر هذه الضربات انتقال صنعاء من نمط ردود الفعل المحدودة إلى عمليات مركّبة ومتزامنة، يجري من خلالها التحكم بجبهتين: البحر الأحمر وداخل العمق «الإسرائيلي». أما من زاوية سياسية، فهي تعني أن اليمن لم يعد يتصرف كطرف داعم فحسب، بل كطرف مُقرِّر في ميزان الردع.
وتأتي هذه العمليات بينما يتصدر المشهد مفاوضات للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، كما تتزامن الضربات اليمنية مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن، ولقائه ترامب، حيث يرى المحللون بأن التصعيد اليمني يُفهم كرسالة خارج قنوات التفاوض، وتؤثر فعلياً على مشهد التفاوض لصالح فلسطين والمنطقة ضد المشروع الاستعماري بأدواته المختلفة وأساليبه المتعددة.