منطقة ترامب.. حزام أمني بوجه اقتصادي
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا

بيروت - خاص / لا ميديا -
لا يحتاج المتابع كثيراً من الجهد ليدرك أنّ ما جرى تسريبه عن منطقة صناعية – سياحية على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، ليس سوى نسخة مشوّهة من مشاريع التصفية الأميركية – "الإسرائيلية" القديمة. الفارق الوحيد أنّ المطبخ تغيّر: من البيت الأبيض إلى ورقة براك، ومن الخيار العسكري إلى "التنموي" المزيّف.
واشنطن ومعها العرّابون الخليجيون حاولوا تغليف المشروع بغلاف اقتصادي، فكثر الحديث عن استثمارات وإعمار وفرص عمل. لكنّ المضمون الحقيقي أوضح من أن يُخفى: حزام أمني ناعم يخدم الاحتلال. فالمنطقة الصناعية ليست سوى قاعدة لتكريس واقع جديد، حدود آمنة للكيان وحدود رخوة للبنان.
في جوهر الفكرة، يسعى الأميركيون إلى إخراج الأهالي من قراهم بحجة الاستثمار، ليصبح التهجير طوعياً ومشرعناً. يريدون أن يقولوا للمقاومة: اتركوا الأرض لنعيد إعمارها؛ ولكن على قياس "تل أبيب". هكذا يتحوّل المشروع إلى أداة لتحويل المقاومة من مشروع وطني إلى "عائق اقتصادي"، ويُقدَّم الانسحاب الجزئي "الإسرائيلي" وكأنه "تنازل تاريخي"، بينما هو عملياً توسيع للاحتلال بغطاء الاستثمار.
في بعبدا والسراي، تبدو الحسابات مختلفة. نواف سلام سيجد في المشروع فرصة لتسويق نفسه أمام الأميركي والسعودي باعتباره "خطة استقرار" و"مصلحة وطنية". أما جوزيف عون فقد ينظر إليه كجزء من "التسوية الكبرى" التي تمنحه دوراً إضافياً في معادلة الحكم والجيش؛ لكنه سيصطدم بواقع أنّ المشروع ينسف الميثاقية ويضع الرئاسة في مواجهة شارع جنوبي لن يقبل أن يتحوّل إلى "منطقة ترامبية".
لكن أخطر ما يجهله الأميركيون أنّ الجنوب ليس أرضاً معروضة في مزاد علني. المقاومة لن تقبل، والناس الذين دفعوا دماءهم لتحرير الأرض لن يقبلوا. وأي محاولة لفرض المشروع ستشعل انتفاضة شعبية قبل أن تتحول إلى مواجهة عسكرية. فالمعادلة هنا بسيطة: الاقتصاد بلا سيادة هو احتلال، والاستثمار الملوّث هو تطبيع. الجنوب يعرف أنّ المعركة ليست معول أسمنت ولا منتجعاً سياحياً، بل معركة وجود، والوجود لا يُساوَم.
زيارة الوفد الأميركي الأخير قدّمت الصورة الكاملة عن الوجه الحقيقي لواشنطن. توماس براك ظهر بوجه الغطرسة والعنصرية المباشرة، حين استخدم في بعبدا لغة فظة ضد الصحفيين اللبنانيين ("حين يصبح الوضع فوضوياً أو حيوانياً…"). الرئاسة حاولت التغطية بالابتسامات والصور الرسمية؛ لكن الإعلام والشارع ردّا ببيانات استنكار طالبت باعتذار علني من براك وواشنطن.
مورغان أورتاغوس بدت بوجه الدبلوماسية الاستعراضية تحاول التلميع عبر فيديوهات حياتية خفيفة؛ لكنها حملت في حقيبتها خطاباً صهيونياً استفزازياً. قالت إنّ نعيم قاسم يمثّل إيران لا لبنان، واعتبرت حزب الله خارج التمثيل الشعبي، رغم نتائجه الانتخابية، محاولة تصوير المواجهة وكأنها صراع بين "الشعب اللبناني" و"إيران عبر حزب الله".
أما ليندسي غراهام فقدّم الوجه الصريح من دون مواربة. ربط أي دعم أميركي للجيش والاقتصاد بنزع سلاح حزب الله. وأكد أنّ الانسحاب "الإسرائيلي" من النقاط الحدودية الخمس غير مطروح قبل أن يقوم لبنان بخطوته. تجاهل كل الوقائع الانتخابية والشعبية، وتصرّف وكأن مطلب نزع السلاح هو مطلب اللبنانيين أنفسهم.
هكذا تكاملت الوجوه الثلاثة: غطرسة وعنصرية مباشرة مع براك، دبلوماسية مستفزة بغطاء "تلميع" مع أورتاغوس، وصوت الكونجرس الصهيوني الصريح مع غراهام. والنتيجة واضحة: لا ضمانات اقتصادية، لا استثمارات حقيقية، لا انسحاب "إسرائيلي". كل ما في جعبة واشنطن معلّق على شرط واحد: نزع سلاح حزب الله.
ولذلك، فإن مشروع "منطقة ترامب" وُلد ميتاً؛ لا لأنه فكرة سيئة اقتصادياً فقط، بل لأنه يصطدم بجدار وعي الجنوب وبندقية المقاومة. الجنوب ببساطة يعرف أن الأرض ليست للبيع، وأن أي تفريط بالسيادة سيكون الشرارة لانفجار سياسي وشعبي لن يرحم أحداً.
المصدر خاص / لا ميديا