
إلدار ادوف - موقع «responsible statecraft» التابع لمعهد كوينسي الأمريكي
ترجمة خاصة:إياد الشرفي / لا ميديا -
ذات مساء هدد وزير الدفاع «الإسرائيلي»، إسرائيل كاتس، بـ«قطع أيدي» أعداء «إسرائيل»، لكن هدفه المحدد حركة الحوثيين في اليمن (أنصار الله)، لكن الأخير لم يصمد أمام أشهر من الضغط العسكري «الإسرائيلي» والأمريكي فحسب، بل ازداد قوةً مع كل مواجهة.
تُجسّد الضربة «الإسرائيلية» الأخيرة على محطات كهرباء وبنى تحتية قرب صنعاء، عاصمة اليمن، هذا الفشل الاستراتيجي: هجوم رمزي على البنية التحتية المدنية يُلحق ضررًا بالغًا بالسكان المدنيين في اليمن، دون أن يُسهم في إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين.
لا تزال دائرة العنف واضحةً جلية. منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنّت قوات الحوثيين هجمات شبه يومية على سفن شحن مرتبطة بـ«إسرائيل» في البحر الأحمر، بالإضافة إلى أهداف في «إسرائيل» نفسها، مثل الموانئ الجوية والبحرية، وأطلقت أكثر من 70 صاروخًا وعشرات الطائرات المسيّرة على «إسرائيل» منذ مارس/ آذار 2025 وحده.
كانت هذه الهجمات، التي يُصوّرها الحوثيون باستمرار على أنها احتجاجات على الحملة العسكرية «الإسرائيلية» في غزة، مؤلمة: فمنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، استهدف الحوثيون أكثر من 100 سفينة تجارية في البحر الأحمر، مما دفع أسعار التأمين إلى الارتفاع الشديد وفرض تحويلات مكلفة للشحن التجاري. أجبرت الضربات ميناء «إيلات الإسرائيلي» الرئيسي على البحر الأحمر على خفض عملياته بنسبة 90 %، مما دفعه إلى الإغلاق وحافة الإفلاس. دفعت هذه الإجراءات «إسرائيل» إلى رد انتقامي لا هوادة فيه ضد أهداف يمنية.
في حين انضمت الولايات المتحدة في البداية إلى الضربات «الإسرائيلية»، إلا أنها سرعان ما أدركت المأزق الاستراتيجي، فقد عدّل الحوثيون تكتيكاتهم بشكل أسرع من قدرة القوات الغربية على الرد بفعالية، مما أدى إلى حرب استنزاف باهظة التكلفة. لقد أثبتت حملة القصف الأمريكية التي بلغت تكلفتها مليار دولار أنها غير فعالة إلى حد أن إدارة ترامب سعت إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار بوساطة عُمان في مايو/ أيار، على الرغم من أن هذا الاتفاق لم يحمِ سوى الأصول الأمريكية بينما ترك «إسرائيل» عرضة لهجمات مستمرة.
تُسلّط التقارير الأخيرة الضوء على صمود قوات الحوثيين. فمنذ توقف الضربات الأمريكية، أفادت التقارير أنهم أعادوا بناء أنظمة الرادار وشبكات الاتصالات وقدرات الاستطلاع. كما أجروا مناورات بحرية في ميناء الحديدة، ونشروا أسلحة حديثة في المناطق الساحلية على البحر الأحمر، ونقلوا ذخائر إلى المناطق الغربية الجبلية.
وتجاوزت حملة «إسرائيل» الآن استهداف الأهداف العسكرية الحوثية لتشمل البنية التحتية المدنية الحيوية. وتُعد محطة كهرباء حزيز أحد المرافق الرئيسية في إمداد العاصمة اليمنية صنعاء. ورغم ذلك، حاولت «تل أبيب» تبرير الهجوم بالادعاء بأن الحوثيين استخدموها، مُشابهةً مبررها لقصف ميناء الحديدة في يونيو/ حزيران، وهو شريان حياة حيوي لواردات اليمن من الوقود والأدوية والغذاء.
وتعكــــــــس الاستراتيجيــــــة «الإسرائيلية» المتمثلة في مهاجمة المنشآت المدنية أخطاءً جوهرية في الحسابات. فرغم أن هذه الضربات مُعطّلة بلا شك، إلا أنه من غير المرجح أن تؤثر بشكل كبير على عزم الحوثيين على مواصلة العمليات العسكرية دعماً للفلسطينيين. فيما يتعلق باستهداف البنية التحتية للطاقة تحديدًا، فقد انتقلت المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خلال الحرب مع التحالف الذي تقوده السعودية (2015-2023)، إلى الاعتماد بشكل أساسي على مصادر الطاقة اللامركزية. وأصبحت محطات الطاقة الشمسية الصغيرة، والمولدات الكهربائية المنزلية، والوحدات التي تعمل بالديزل، العمود الفقري لإمدادات الكهرباء. ونتيجةً لذلك، فإن الضربات «الإسرائيلية» على محطات الطاقة المركزية لا تُحدث تأثيرًا استراتيجيًا يُذكر.
أظهر رد الحوثيين الفوري -إطلاق صاروخ باليستي على «إسرائيل» زعمت «تل أبيب» اعتراضه- عدم تراجع قدراتهم. علاوة على ذلك، فإن هذه الهجمات على المنشآت المدنية تُعزز عزم أنصار الله ورواية مقاومة العدوان «الإسرائيلي»، مما يعزز شرعيتهم الإقليمية في الوقت الذي تزداد فيه عزلة «إسرائيل» الدولية.
يظهر زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، بشكل لامع كقائد محوري في «محور المقاومة» الإقليمي، كبديل قوي عن زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، الذي اغتيل خلال هجوم «إسرائيلي» على بيروت. في خطاب ألقاه مؤخرًا، صاغ الحوثي الصراع بعباراتٍ حادة تجاوزت اليمن، منتقدًا الحكومات العربية لـ«ضعفها المُخزي» في الخضوع للضغوط الأمريكية و«الإسرائيلية»، ومقارنًا تقاعسها عن حماية الفلسطينيين بتحدي الحوثيين.
رسالة الحوثي مُتعمدة وفعّالة. فمن خلال إدانته قبول لبنان للمطالب الأمريكية بنزع سلاح حزب الله، واصفًا إياه بـ«خيانة السيادة»، وسخريته من صفقات الغاز المصرية مع «إسرائيل»، واصفًا إياها بـ»المفارقة المُحزنة» مقارنةً بمقاطعة صندوق الثروة السيادية النرويجي لـ«إسرائيل»، واتهامه القادة العرب بالصمت إزاء خطاب حكومة نتنياهو التوسعي حول «إسرائيل الكبرى»، يُصوّر الحوثيين على أنهم القوة الوحيدة المُستعدة لمواجهة «إسرائيل» عسكريًا ولفظيًا.
في حين أن الحكمة التقليدية غالبًا ما تُنكر الحوثيين باعتبارهم وكلاء لإيران، فإن خطابهم الناري يُشكّل تحديًا لطهران أيضًا. ويواجه حكام إيران انتقادات متزايدة لفشلهم في ردع الهجمات «الإسرائيلية» -سواء ضد حلفائهم الإقليميين مثل حزب الله أو على أراضيهم خلال الحرب التي استمرت 12 يوما في يونيو/ حزيران- من خلال السعي إلى خفض التصعيد بدلا من الرد بالقوة الكاملة.
يتردد صدى هذه الرواية في جميع أنحاء المنطقة، حيث يسود الإحباط الشعبي من حرب «إسرائيل» في غزة وما يُنظر إليه على أنه تواطؤ من جانب الحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة. كل ضربة «إسرائيلية» على اليمن -وخاصةً ضد المواقع المدنية- تُعزز ادعاء الحوثيين بقيادة معسكر المقاومة، مما يُضعف مكانة «إسرائيل» ويُعزز نفوذ أنصار الله إلى ما وراء حدود اليمن.
في غضون ذلك، لا يزال اعتماد «إسرائيل» المُستمر على الحلول العسكرية يتجاهل الواقع السياسي الجوهري: ستستمر حملة الحوثيين طالما استمر هجوم «إسرائيل» على غزة. ويظل وقف إطلاق النار الدائم في غزة هو الحل الوحيد الذي من شأنه أن يُسقط المُبرر الرئيسي للحوثيين لهجماتهم. وهذا يُؤكد على جوهر المشكلة فالعمل العسكري لا يُمكن أن يُحل ما هو في جوهره صراع سياسي. كما أن الحصار المستمر لليمن يُؤدي إلى نتائج عكسية، إذ لا يُؤدي إلا إلى إلحاق المعاناة بالمدنيين، بينما يفشل في إضعاف الحوثيين أو الحد من المشاعر المعادية للغرب.
يُقدم التاريخ دروسًا واضحة. من حزب الله إلى حماس إلى الحوثيين، لا يستسلم الخصوم غير المتكافئين تحت القصف، بل يتطورون. لا يبشر مسار «إسرائيل» الحالي إلا بعزلة أعمق، واستنزاف للموارد، وصراع طويل الأمد. القوة الحقيقية لا تكمن في التهديدات الفارغة، بل في كسر دوامة العنف. ويبقى السؤال: هل سيتعلم القادة «الإسرائيليون» هذا الدرس قبل أن يتدهور وضعهم الاستراتيجي على المدى الطويل أكثر؟
المصدر ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا