بيروت - صلاح الدكاك صنعاء - عادل بشر / لا ميديا -
كنتُ بين خيارين: أن أودِّع بيروت بحفل توقيع ديواني الشعري الثالث، الذي غادر تروس المطبعة للتو ساخناً كرغيف، أو أن أتوِّج زيارتي القصيرة والخاطفة للمدينة، التي أحببتها قبل أن أدلف بين أحضانها حقيقة بقرابة ثلاثة عقود، بلقاء مع جورج إبراهيم عبدالله.
أقول جورج حافياً متخففاً من الألقاب والاكسسوارات التي تعوزها أسماء المشاهير عادة ليكتمل لمعانها في عيون القارئ.
جورج -فحسب- الذي قضى 41 عاماً من عمره في عرس هو الأطول تاريخياً خلف قضبان القضية؛ قضية الحرية والمقاومة ورفض الحياة تحت الشروط الفاشية لمحتل هو خلاصة كل قبح العصور الاستعمارية منذ الرومان وحتى عصرنا الحالي.
سأختار لاحقاً أن أودّع بيروت بمصافحة كل هذا التاريخ من الحرية والعنفوان، بلقاء خاطف مع جورج إبراهيم عبدالله، في مقهى بيروتي مفعم برائحة المداد والقهوة والأنفاس الحارة لرفاق لم تخمد زوابع عصر ما بعد المعلوماتية، وصرعات السوق السياسية، جذوة شغفهم بالحياة كمناضلين يعيشون القضية وللقضية.
قُدْتُ سيارتي المستأجرة شمالاً في أحد صباحات تشرين الأول عازماً ألا أفصح عن وجهتي لصديقي الذي رافقني طيلة إقامتي في بيروت. سأقود السيارة باتجاه «القبيات»، أقصى شمال لبنان على الحدود مع سورية. هكذا عزمتُ. وهناك، حيث قرية جورج، سأستسلم للمصادفة؛ فإما أن ألتقيه وإما أن أعود خائباً، ولكن بعذر مقنع إلى حدٍّ ما بأنني قد بذلت كل ما في وسعي للقائه دون جدوى!
فجأة، رن جرس الرسائل في الواتس الخاص بي، وقرأت: «لقد رحّبَ جورج بلقائك، وهو الآن في بيروت. اتصل على رقم كاترين لتتفقا على مكان اللقاء».
أدرتُ مقود السيارة قافلاً باتجاه بيروت، مرتبكاً، مختلج الأنفاس بنشوة من ظفِرَ أخيراً بغاية بدت له بعيدة المنال.
لم يغادر جورج المعتقل الفرنسي ليقع فريسة للرفاهية تكفيراً عن عقود الحرمان الطويلة التي عاشها. لم يخلع قميصه الكفاحي الأحمر الذي أطلَّ به دائماً من المعتقل، ولحظة انعتاقه ودخوله في معمدانية بيروت، ليرتدي قميصاً مخملياً ويتنقل بين نعيم الطاولات العامرة بالملذات والوسائد المحشوة بالأحلام الوردية.
غادر المعتقل فرداً كالسيف، وبلا غمد يستكين إليه. لايزال مسلولاً كالبرق، عاصفاً وحاداً ونافذ الأهداب والكلمات...
«لاتزال يدي على قبضة مسدسي»، يقول جورج، ويردف بيقين نبي: «أخرَجوني من المعتقل ليقتلوني».
كنتُ قد صرتُ في المقهى الذي ضربناه موعداً للقاء. طلبت فنجانَيْ قهوة، لي ولصديقي. وقبل أن يصل طلبنا، أشرق جورج من صباح بيروت التشريني الغائم، عابراً ضفة الشارع الزقاق صوب المقهى. بدا جبلاً من الكرامة تكلله غيمة شعره الأبيض الكثيف كقدّيس.
إنني لا أسبر أبعاده الواقعية لأقول على وجه الدقة كم يبلغ طول قامته. كان في عينيَّ شاهقاً بلا منتهى. وغمرني بلحظة عناق كما لو أنني كنت رفيق نضالاته الحافلة الذي ودعه عند عتبة المعتقل عام 1985 في باريس، ليلتقي به اليوم بعد 41 عاماً.
حقيقي وواقعي هو حد الخرافة والأسطورة. يقول نفسه بوضوح وسطوع كمن يقرأ لوح نبوة نزل للتو طازج وناصع الحروف، كجلمود صخر حطه السيل من علِ، تتنزل كلماته بدلالاتها هادرة وجريئة وغير مغلولة بمحاذير السياسة ويومياتها العطنة، جارحة في تشخيصها لواقعنا العربي والعالمي، لا تهادن ولا تناور ولا تتحرى طرقاً ملتوية لتتحاشى الاصطدام بلافتات المرور السياسي وربطات العنق الدبلوماسية الفاخرة.
إن الثناء على يمن الأنصار، المغضوب عليهم من كل محافل العالم الرسمية، ليس بالأمر الهيِّن. إنه مغامرة يجرؤ عليها -فقط- رجل كجورج وبحجم جورج. وهو لا يسمِّي ما يقوله عن اليمن ثناءً، بل توصيفاً قاصراً لما يعنيه له اليمن من مدرسة فارقة للنضال «ترعرعنا في ظلها»، حد قوله.
41 عاماً في المعتقل الفرنسي الفاشي جعلت من جورج شخصية استثنائية في مقارباتها للأحداث والوقائع؛ شخصية لا صلة لها بلعبة التحليل السياسي والمشتغلين بها، ولا بالسياسة والساسة، ولا برجالات العمل الحزبي المثقلين بأقفاص اعتبارية تضربها حولهم الألقاب وطبيعة الأدوار التي ينوءون بها.
كيف يمكن أن ألعب مع جورج دور المحقق وهو الذي عبَرَ آلاف جلسات التحقيق وتمرّس على غرف الاستجواب المغلقة، بحيث أمسى يعرِف مجمل الأسئلة الاحتيالية التي يطرحها المحققون في العادة بغية إلحاق الهزيمة بدماغه الصلب والحي والنابض في آن؟!
جورج لم يكن يقاوم فحسب، بل كان يحرز الانتصارات تلو الانتصارات على جلادِّيه طيلة 41 عاماً، وهو اليوم لم يغادر المعتقل ليستأنف النضال من الصفر، بل ليواصل زخمه النضالي الذي لم يفتر ولم ينقطع. لا يمكن أن تدير الحوار مع جورج على طريقة «س، ج التحقيق»؛ ليس فقط لأنه يمقت هذه الطريقة، كما استخلصت من لقائي القصير والخاطف معه، وإنما لأن جورج قد غاص عميقاً في قاع الصراع وأمكنه استخراج درره وجواهره، بحيث يضعها بكل سخاء أمام محاوريه، أصدقاءً كانوا أم خصوماً.
لقد هيمنتْ محميات الخليج على السياسات العربية لأربعين عاماً، وآن أوان أنْ نتخلص منها». بهذا الوضوح الصاعق والجرأة الباذخة يضع جورج مبضع التشريح على الورم، على عقدة الهزيمة في واقعنا العربي، مشرِّعاً أفق النصر وصائغاً مفاتيحه بعبارات موجزة وعميقة رغم مباشرتها. وأما «مصرُ» فهي هاجسٌ لا يفارق لسانه وباله؛ فلكي تقف الأمة العربية وتتخلص من ورم محميَّات التبعية وأنظمة البترودولار، يتحتم على مصر أن تقف على قدميها مجدداً، ويتحتم -حتى ذلك الحين- أن يواصل يمن الأنصار صموده التاريخي لـ»يشعر المواطن المصري بأن على كاهله مسؤوليات ينبغي أن ينهض بها، وأن يستشعر الخجل إزاء مواقف قياداته، التي ترقى للخيانة». فالشعب المصري، رغم «اتفاقيات التطبيع»، لايزال على النقيض من قياداته المطبعة، ولايزال ينظر إلى «إسرائيل» بوصفها عدواً، ولم تفت الاتفاقيات في عضد مواقفه هذه.
وبعد قرابة نصف قرن على عار «كامب ديفيد» لايزال «الإسرائيلي» يتهيَّب فكرة السياحة في مصر، ولا يجرؤ على زيارتها باطمئنانِ سائحٍ، تلافياً لسخط الشارع المصري الرافض لـ»التطبيع» ولموجباته على كل مستوى، باستثناء الموقف الخياني لقيادة مصر.
يرى جورج في الملحمة التي خاضها يمن الأنصار حجر الزاوية التي يراهن عليها في عودة مصر لشغل موقفها الطليعي في الصراع مع العدو «الإسرائيلي». ويقول: «نحن على ثقة بأن الشعب المصري سيتخلص من القيادات الخائنة. وحتى يصل إلى ذلك نحن بحاجة إلى صمود اليمن وإلى صمود غزة ولبنان... عليهم أن يتحملوا مسؤولية الضغط المترتب على غياب مصر اليوم...»، وهو ضغط يستشرف جورج تصاعده، فـ«تيارات الرجعية العربية لا يمكنها أن تتعايش مع شيء اسمه الكرامة، وهذه الرجعيات لا تستهدف فقط ضرب المقاومة، وإنما كذلك ضرب الكرامة العربية برمّتها». وفي هذا السياق يردف جورج: «يكفي أن ترى هذه الرجعيات اليمن واقفاً مرفوع الرأس لتتعرّى وتتكشف خسّتها وخسّة مواقفها». وهذا برأي جورج وفي مقاربته، ينذر بجولات اشتباك تصعيدية ستشن على اليمن في محاولة لكسر موقفه ووقوفه الفارق في محيط الخنوع العربي شبه التام.
«إن شخصاً من الإمارات -على سبيل المثال- يملك ملايين الدراهم، يشاهد الإسرائيليين يسرحون ويمرحون في بلاده فيطالع حقارة وضعه في مرآة اليمن ومظاهراتها الأسبوعية المليونية التي لا تتوقف ولا تتراجع في إسنادها للشعب الفلسطيني طيلة العامين الفائتين». هذا الزخم الشعبي والرسمي اليمني -يقول جورج- جعل الأمريكي يذعن ويخضع له وأمامه، حتى بات لسان حاله يتلخص في أن «لا تضربوني أنا واضربوا إسرائيل»، وهو انكفاء غير مسبوق في مسار اللحمة «الأمريكية- الإسرائيلية» حدث بفعل ضراوة الإسناد اليمني وصلابة الموقف الشعبي لليمن.
«الدول العربية مجتمعة، وعبر تاريخها، لم تجبر أمريكا على موقف كهذا، ولم تتمكن من فرض حصار بحري على إسرائيل، كما فعل اليمن، وهذا موقف استثنائي مشرف يحسب لليمن»، وهو جدير به.
فناجين قهوتنا ظلت على حالها، نفثت بخارها الساخن في هواء المقهى، فيما أنا أحتسي كلمات الرفيق جورج بنَهَمٍ ورهبة وهو يتنقل بين مختلف الموضوعات التي ينتظمها خيط صراع شفيف، لا يمكن إلّا لعيون جورج الفاحصة وحدها أن تقتفي رهافته وتشعباته. إنه لا يرجم بالغيب؛ لكنه يستبطن الحقائق الموضوعية للصراع على ضوء بصيرة جدلية نافذة ومتمرسة فيه.
حين يقول جورج جازماً إن «إسرائيل تعيش آخر فصولها الوجودية»، فبوسعك أن تتيقن هذه النهاية، وربما لا يكون بوسعك أن تتبع مسارها. قبل 41 عاماً كان جورج يعيش يقين حريته، ويستشرف لحظة مغادرته المعتقل، ولم يكن يحسب حساباً للعمر في غمرة المعطيات التي تجزم بفواته. إن العمر لدى جورج هو لحظة حرية كثيفة وغامرة ليس بمقدور الجلاد أن يسلبها منك لمجرد أنه اعتقل جسدك وسنوات شبابك وزهوك.
بهذا الحدس بات جورج يستشرف نهايات المسارات المتعاقبة في الصراع الطويل. وكما انتهى مسار اعتقاله ورضخ الجلاد لإرادة السجين الصلبة على وقع متلازمة من العوامل والظروف الموضوعية والذاتية أهمها صمود السجين، فإن صمود غزة الأسطوري، الذي لم يسبق له مثيل ولا شهد له التاريخ نظيراً، هو ما أفضى اليوم إلى نهاية هذه المرحلة من الاشتباك، وأرغم الأمريكي على التدخل لإنقاذ الجلاد «الإسرائيلي» المحبَط والغارق في دم غزة. وهذا مؤشر كاشف على مسارات الصراع المستقبلية. فغزة التي لم ترفع الراية البيضاء تحت ضراوة التقتيل والتجويع والحصار ومتلازمة الإبادة الأبشع، قد كسبت هذه الجولة من الاشتباك، ونضَّجت الظروف لانحدار المحتل نحو نهايته الحتمية.

مرة أخرة يتحسّر جورج على عدمية الموقف المصري؛ لكنه تحسُّرٌ مقرون بأمل: «كنا نتمنى أن يقف المصريون إلى جانب غزة كما وقف اليمن ولبنان، فلم يفعلوا!».
ويُردف بيقين مستضيء: «جماهير مصر لن تظل على هذا الوضع طويلاً، والمسألة مسألة وقت، نحن على يقين بأن مصر ستغير موقفها. تغيير موقف مصر سينهي عهداً من العجز والخضوع العربيين، فمصر هي مركز ثقل الأمة العربية».
عند هذه النقطة، أتساءل همساً حتى لا أقطع استرسال جورج وهدير كلماته: وماذا عن سورية؟!
«لقد كسروا شموخها» يرد جورج، قدموها هدية لأعراب التبرودولار، وتحولت إلى محميات ومناطق نفوذ تتناهبها قوى إقليمية لا ترى في «إسرائيل» عدواً، وإنما تعادي أعداء «إسرائيل»، حتى باتت هذه الأخيرة «تتصرف في سورية بارتياح شديد دون أن يفتح أحد من المسؤولين الحاليين في دمشق فمه. إنهم يرون في لبنان المقاومة عدواً لهم، وهذا الموقف عملياً هو موقف الإمارات. هذا الوضع لن يستمر، فشعب سورية العريق والأبي لن يرتضي البقاء في هذا الذل والخنوع».
وعن سلاح المقاومة في لبنان، يقول جورج: «الشرعية الوحيدة هي شرعية البندقية المقاومة، وشعب لبنان وفيٌّ لشهدائه، ويكفينا شرفاً أن قيادات المقاومة استشهدت في بيروت ولم تكن لاجئة في أي مكان آخر، والقيادات التي تستشهد في قلب العاصمة وصدارة المواجهة لا يمكن لمن يخلفها في مواقعها ولا لقواعدها وحاضنتها الشعبية أن تستسلم».
«ما دام اليمن واقفاً فسيبقى لبنان واقفاً، وستبقى المقاومة في فلسطين واقفة وقائمة رغم كل الضغوط». هذه هي معادلة النصر التي تتخلق في كلمات جورج الهادرة والمضيئة والكاشفة على المسار الطويل للصراع...
«لست خطيباً ولا شاعراً؛ ولكنني حين أتحدث عن اليمن فإنني أتحدث من القلب، ونحن بتجربتنا النضالية نعتبر أنفسنا من أبناء اليمن، الذي يمثل كرامة الأمة العربية، بشماله وجنوبه».
ودون أن يصرح، يكشف جورج أن اليمن كان ميداناً من ميادين نضاله، متمنياً أن تُكتب له زيارة اليمن مرة أخرى، حيث «ترعرعنا في فيافيه جنوباً وشمالاً، وهو محجُّنا جميعاً، وثقتنا مطلقة بأنه لن يتخلى عن موقفه وموقعه الطليعي».
«بأمعاء فارغة، رأينا ملايين اليمنيين يقفون قابضين على البنادق والصواريخ الفاعلة، وهذا يمدنا بمعنويات تكفينا لأن نصمد إلى الأبد».
هذا هو اليمن في منظور جورج، الذي يسترسل بحميمية باذخة وبأمل يشرق في عينيه وحروفه وعلى شفاهه قائلاً: «عندما تسنح لي الإمكانية، سأذهب إلى اليمن لأستعيد عافيتي. عندما تزور اليمن تستعيد عافيتك؛ فهو المكان الوحيد على الخارطة العربية التي تستعاد فيه العافية».
إن جورج لا يتحدث -بالقطع- هنا عن اليمن كمكان للاستجمام، والعافية التي يلمح إليها ليست عافية الجسد، بل هي عافية المسار النضالي؛ إذ لا مكان آخر اليوم يمكن أن يكون أميناً عليه سوى اليمن، لجملة عوامل ومعطيات موضوعية وذاتية تتعلق بلحظة الحرية والاستقلال الفارقة والنقية التي يعيشها اليمن دوناً عن بقية بلدان الخارطة العربية، المجذومة بسعار البترودولار والمنكشفة بلا مواربة للعدو. هذا هو برأيي ما يعنيه جورج إن لم أكن مخطئاً.
لهذا كله، يستشرف جورج موجات تصعيدية قاسية سيواجهها اليمن في مقبل الأيام، ومزيداً من الضغوط، أكثر مما تعرض له سابقاً، فمجرد شعور اليمنيين بالكرامة يشكل نقيضاً لمحميات الخليج، حد تعبير جورج، وهذه المحميات لا يمكنها أن تتعايش مع شيء اسمه الكرامة، التي بات اليمن عنواناً لها.
«سيهاجمون اليمن بكل ثقلهم وحقدهم؛ ولكن تقديرنا أن شعب اليمن لن يركع، وأن جماهير الأمة العربية ستصطف إلى جانب اليمن في معركة نثق في أنها ستفضي إلى التحرير».
عند مدخل المقهى البيروتي ستسنح الفرصة لأن أعانق جورج مرة أخرى مودعاً... أن أعانق جبلاً من الكرامة والنضال والحرية الغامرة؛ جبلاً لا منتهى لذراه، تكلله غيمة شعره الأبيض كقدّيس؛ نعم لقد كنت لقرابة نصف ساعة بين يدي قدّيس لا يشبهه أحدٌ ممن سنح لي العمر بلقائهم وممن لم يسنح؛ قدّيس من زمرة أرنستو تشي جيفارا وأبي جبريل وأبي الهادي... إنه جورج إبراهيم عبدالله... وكفى.

من هو جورج عبدالله؟
وُلِد جورج إبراهيم عبدالله عام 1951، في قرية القبيات شمال لبنان، لعائلة مسيحية مارونية. عمل معلماً في مرحلة ما قبل الجامعة، ثم انخرط في الأوساط القومية العربية المؤيدة للقضية الفلسطينية، منها الحزب السوري القومي الاجتماعي، ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1978.
شارك في تأسيس تنظيم الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية (LARF)، الذي تبنّى الكفاح المسلح ضد الإمبريالية الغربية والصهيونية عام 1979.
نفذ التنظيم عمليات نوعية في أوروبا استهدفت دبلوماسيين «إسرائيليين» وأمريكيين، رداً على الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان عام 1982 والدعم الغربي له.
اعتُقل جورج عبدالله عام 1984 في مدينة ليون الفرنسية، ووُجهت إليه تهم بالمشاركة في التخطيط لعمليات اغتيال دبلوماسيين «إسرائيلي» وأمريكي في باريس.
عام 1987 حكمت عليه محكمة فرنسية بالسجن المؤبد.
رغم أن المحاكم الفرنسية أقرت أهليته للإفراج المشروط منذ العام 1999، إلا أن الضغوط السياسية الأمريكية و«الإسرائيلية» منعت تنفيذ القرار.
عام 2003 أصدر القاضي الفرنسي قراراً بالإفراج عنه؛ لكن الحكومة الفرنسية عرقلت القرار بضغوط أمريكية «إسرائيلية».
عام 2013 أكدت محكمة الاستئناف الفرنسية حقه بالإفراج؛ ولكن السلطات الفرنسية رفضت.
في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، قرَّرت محكمة فرنسية الإفراج عنه، شرط مغادرته البلاد.
انتزع حريته في 25 تموز/ يوليو 2025، وعاد إلى لبنان بعد 41 عاماً في المعتقل الفرنسي، ليبدأ في عمر الـ74 فصلاً جديداً من حياته، متمسكاً بالقضية التي كانت وستظل بوصلة نضاله، ومثقلاً بلقب «أقدم سجين سياسي في أوروبا»، ورمزاً للمقاومة ضد الهيمنة الغربية.